شارك المقال
  • تم النسخ

جدل في إسرائيل حول الهجوم على رفح.. وتحذيرات عبرية من نزول مكانة تل أبيب في العالم إلى الحضيض

يحذّر جنرال إسرائيلي بارز في الاحتياط من مغبّة احتلال رفح، ويتوقّف عند سيناريوهات خطيرة على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في عدة مستويات واتجاهات، وذلك تزامناً مع تحفّظات دولية، ومخاوف كثيرة في العالم من تفاقم الأوضاع خلال شهر رمضان، ودعوات بعض وزراء الاحتلال لاحتلال رفح، حتى لو هدّد ذلك حياة المحتجزين، وآخرهم الوزيران سموتريتش وستروك، اللذان يعتبران أن استعادة المحتجزين ليست الهدف الأهم، ما يثير ردود فعل غاضبة لدى عائلات المحتجزين.

وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمذبحة اليومية بحق المدنيين هناك، تعرب أوساطٌ إسرائيلية عن قلقها من تدهورٍ فادح في مكانة وصورة إسرائيل في العالم، حيث بدأت “محكمة العدل الدولية”، أول أمس، النظر بطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في موضوع احتلالها للأراضي الفلسطينية، ماهيته وآثاره.

ويعبّر عن هذا التدهور في مكانة إسرائيل في العالم الكاتب الصحفي في “يديعوت أحرونوت” رونين بيرغمان، الذي يقول، في مقاله اليوم، بعنوان”على حافة الهاوية” إن “الغضب على إسرائيل يطلّ بوضوح في مؤتمر ميونيخ الأمني، وإنها في ذروة صيرورة تكون في نهايتها دولة منبوذة ومقاطعة”.

وفي هذا السياق، ينقل بيرغمان عن مسؤول إسرائيلي قوله إن قائداً أوروبياً معروفاً عاتَبَه: كيف يمكن أن أدافع عنكم وعندكم وزراء يريدون العودة للاستيطان في غزة، ويدعون للتهجير، ورئيس الدولة يسمع ويصمت؟

مصيدة رفح

في حديث للإذاعة العبرية، اليوم الأربعاء، أكّد الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك مجدداً مخاطر تحوّل إسرائيل لدولة منبوذة، وكأنها مصابة بداء الجذام، نتيجة المساس بالمدنيين الفلسطينيين، حتى لو كان غير مقصود.

كما يؤكد بريك ما قاله وكتبه في الأسابيع الأخيرة، أنه لا يمكن تحقيق النصر في الحروب عبر المعارك التكتيكية، ولا في العملية الخاطفة الاستثنائية، التي تم خلالها إنقاذ اثنين من المخطوفين من قلب رفح.

وعن ذلك يضيف: “ما من شك في أن جنودنا قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير، وخاطروا بحياتهم، وأبدوا قدرات مهنية من الدرجة الأولى. لكن هذا غير كاف. فنحن بحاجة إلى سياسة إستراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الحسبان المخاطر التي قد تترتب على دخول قواتنا إلى رفح، وبحسب هذه المخاطر، يُتخذ قرار بشأن ما الذي سنفعله وكيف. إن الرغبة في تقويض “حماس” بأي ثمن ليست كافية”.

وينطلق بريك، وبحق، من أن التهديدات الإسرائيلية الواردة على لسان نتنياهو وغانتس أيضاً ليست تكتيكية وترمي لتليين موقف “حماس” في مداولات الصفقة، بل هي رغبة حقيقية بالاجتياح، خلفها عدّةُ مآرب ترتبط باستكمال الانتقام وكيِّ وعي الفلسطينيين، والبحث عن نصر مفققود على “حماس”، وقطع الطريق على فكرة “الدولتين” التي تطرح بقوة في العالم، في الأسابيع الأخيرة.

ويتساءل بريك: هل تُعتبر محاولة نقل 1.4 مليون لاجئ إلى أماكن آمنة، بالاستناد إلى الإدراك أنه يُحظر استخدام السلاح الناري بين هؤلاء اللاجئين، أمراً واقعياً؟ وما الذي سنفعله إذا قرّر كثيرون البقاء في أماكنهم؟ كيف سنقاتل “حماس” عندما ترتفع احتمالات التسبّب بالأذى لكثير من الغزيين غير الضالعين بالحرب، الأمر الذي قد يثير حنق العالم ويؤدي إلى إيقافنا فوراً؟ إذا ما نجحنا في نقل 1.4 مليون لاجئ إلى أماكن آمنة، بالاستعانة بمكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية والمنشورات التي تُلقى عليهم من الجو، حسبما قال رئيس الأركان، فهل جرى التفكير في احتمال إطلاق “حماس” رشقات نارية في الهواء تسبّب هلعاً جماعياً؟ قد يموت الآلاف دهساً تحت الأقدام، ونحن سنتحمّل المسؤولية كاملة. ماذا لو قرّر كثيرون الذهاب في اتجاهات أُخرى غير تلك التي حدّدناها؟ نحن نتحدث عن 1.4 مليون نسمة، والتحكّم في انتقالهم من مكان إلى آخر يمثّل مشكلة كبيرة.

ثمن الأزمة الإنسانية

بريك، الذي يُعرَف كـ “نبي الغضب”، وسبق أن تنبّأ بالسابع من أكتوبر، يمضي في تحذيراته: “إذا حدثت الفوضى المذكورة ، فإنها ستتسبّب بأزمةٍ إنسانية، وإسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً لقاء ذلك أيضاً، ويتمثّل هذا الثمن في وقف الأعمال القتالية. حتى لو تمكّنا من تجاوُز العقبات المذكورة أعلاه بأمان، فمن الواضح أنه يوجد من ضمن اللاجئين الـ 1.4 مليون الآلاف من “إرهابيي حماس”، وربما عشرات الآلاف منهم، الذين فرّ بعضهم من شمال قطاع غزة وجنوبه إلى رفح، إلى جانب مَن كان موجوداً منهم دائماً في رفح”.

ويتساءل مجدداً: “أليس من الواضح لأصحاب القرار أن هؤلاء، في معظمهم، سينضمّون إلى رحلة اللاجئين إلى الأماكن الآمنة، وسيكون من المستحيل تمييزهم من اللاجئين العاديين؟ كيف سيتم منع “إرهابيي حماس” من الاستيلاء على المساعدات الإنسانية في المناطق الآمنة التي سيتم نقل 1.4 مليون لاجئ إليها، كما جرى سابقاً في رفح؟ مَن منا يضمن أن الآلاف من “مخربي حماس”، المنخرطين في صفوف الـ 1.4 مليون لاجئ، لن ينتقلوا من المنطقة الآمنة نحو الأنفاق، عبر فوهات الأنفاق المنتشرة في كل مكان في قطاع غزة، وعندها سنراهم مجدداً في مدينة غزة، وجباليا، والشجاعية (كما يفعلون منذ اليوم)، وفي خان يونس أيضاً؟

ألم يأخذ أصحاب القرار في الحسبان أن اشتداد القتال مع “حزب الله” في لبنان بسبب دخولنا إلى رفح، سيتطلب نقل قواتنا من القطاع إلى الحدود الشمالية، وتخفيف وجودنا العسكري في غزة؟”.

عن ذلك يقول منبهاً: “أدّى سحب قواتنا من مدينة غزة إلى عودة “حماس” واللاجئين إلى المدينة؛ هذا سيحدث أيضاً في خان يونس والمخيمات الوسطى. وبسبب التخفيض الكبير لقوات الذراع البرية الإسرائيلية على مدار العشرين عاماً الماضية، في خمس فرق، وفي قوات أُخرى، لا يملك الجيش الإسرائيلي فائضاً من القوة البرية، وعندما يسيطر على قطاع واحد، فإنه سيضطر إلى تخفيض قواته في قطاع آخر”.

هل أخذوا بعين الاعتبار إمكان أن يؤدي دخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات رفح، خلال شهر رمضان، إلى إشعال منطقة الضفة الغربية؟ من أين سيجلبون قوات لحماية المواطنين المستوطنين اليهود هناك؟

السؤال الأهم

السؤال الأهم برأيه هنا: كيف سيتصّرف المصريون، إذ لا يوجد حتى هذه اللحظة أيّ اتفاق معهم بشأن سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، وإغلاق الأنفاق المؤدية من سيناء إلى قطاع غزة.

منذ أعوام عديدة، تم استخدام هذه الأنفاق لتهريب المعدات العسكرية والذخائر والعبوات المتفجرة، والصواريخ المضادة للدروع، ووسائل إنتاج الصواريخ، وغيرها. المصريون غير مستعدين لسدّ الأنفاق من جهتهم، لأنهم يدّعون عدم وجود أنفاق. سيبدو الأمر كما لو أننا لم نحقّق أيّ إنجاز في الحرب حتى الآن، لأن “حماس” ستنمو مجدداً عبر السنوات المقبلة، بواسطة الوسائل القتالية التي تمرّ عبْر هذه الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، وهي أنفاق متصلة بمئات الأنفاق من الكيلومترات الممتدة عبر قطاع غزة.

صورتنا في العالم

وفقاً لبريك، تهدّد مصر بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، إذا ما بدأ الجيش الإسرائيلي بتحرّكه في أراضي رفح، وقد يؤدي القتال هناك إلى إغلاق طريق المساعدات الرئيسية إلى القطاع، وبالتالي وقوع أزمة إنسانية غير مسبوقة. ويقول إن الانجرار إلى أزمة في العلاقات مع مصر قد يؤدي إلى اضطرابات في جميع الدول العربية التي وقّعت معاهدات سلام، مثل الأردن والإمارات، وهكذا، ستنتهي حربنا بالخسائر من جميع الجهات.

ويمضي بريك في تقديم محاذير أخرى: “وضعنا مُزرٍ في نظر العالم أجمع، وخصوصاً في دول أوروبا وأمريكا: لقد دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى فرض حظر على شحنات الأسلحة الواصلة إلى إسرائيل بسبب العدد الهائل للضحايا المدنيين في معارك غزة. أمّا هولندا فقد توقّفت عن إرسال قطع غيار لمقاتلاتنا بأمر صادر عن محكمتها”.

وقف خطوط طيران

و”هناك كثير من شركات الطيران في العالم التي أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، والعالم بأسره يضيّق الخناق علينا، حتى قبل دخولنا إلى مخيمات رفح، وقد نتحوّل إلى دولة معزولة، كما لو كانت مجذومة تحت الحجر الصحي، وسنفقد كثيراً من إنجازاتنا التي من دونها، لن نتمكّن من تحقيق النمو مرة أُخرى”.

في صدد النصائح، يقول بريك إن “الحل الذي يجب على إسرائيل الدفع في اتجاهه الاتفاق على عودة المخطوفين، الأمر الذي سيتيح لنا الخروج بكرامة من الوضع الذي وضعنا أنفسنا فيه، وإعادة المخطوفين إلى منازلهم أحياء”.

ويضيف: “لا ينبغي لنا أن نسمح لحركة حماس بالعودة إلى مراكمة قوّتها من جديد، ولا بدّ من إنشاء إدارة مدنية دولية، مترافقة مع قوات شرطة، لتحلّ محلّ حكومة حماس”.

ويخلص بريك للقول إنه “لو واصل المستويان السياسي والعسكري السير في مسارهما غير العقلاني، فسيتعيّن عليهما، في غضون أشهر قليلة، أن يشرحا للإسرائيليين لماذا لم يتحقق الهدفان المعلنان للحرب: هزيمة “حماس” واستعادة المخطوفين أحياء، بعد أن نكون قد دفعنا ثمناً باهظاً يتمثّل في مئات الجنود القتلى منذ اجتياحنا القطاع”.

(القدس العربي)

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي