شارك المقال
  • تم النسخ

تحليل: حسابات ما بعد مؤتمر برلين.. ليبيا على أبواب التقسيم

عبد الرحيم المنار اسليمي*

لم يستطع مؤتمر برلين حل إشكاليات المخالفات الدولية لقرارات مجلس الأمن، ذلك أنه رغم وجود القرار رقم 1970 ( فبراير 2011) الذي دعا فيه مجلس الأمن، من باب الوجوب، بأن تتخذ الدول الأعضاء على الفور مايلزم من تدابير لمنع توريد جميع الاسلحة ومايتصل بها إلى الأراضي الليبية، ورغم إشارته بوضوح الى حظر الاسلحة ومنع تقديم المساعدة عن طريق مرتزقة مسلحين، فإن الدول المشاركة في مؤتمر برلين، التي يساهم جزء فيها في خرق المقتضيات الأممية بشأن حضر الأسلحة، لم تنقل الفرقاء الليبيين إلى مرحلة تثبيت هدنة مؤقتة إذا اندلعت المواجهة بين حفتر ومسلحي حكومة الوفاق الوطني قبل أن تنهي المستشارة الألمانية قراءة النقط الخمسين الختامية لمؤتمر برلين،

مجموعة لاعبين ومشروع للتقسيم

وبذلك لم يستطع مؤتمر برلين تصحيح الاختلالات الخطيرة في الوضع الليبي، وباتت بذلك الأزمة الليبية موضوع تدخل دولي متعدد، فالقريبون والبعيدون يدخلون الملعب الليبي ويكون الروس والأتراك الحدثان الأكبر في مؤتمر برلين، ذلك أن ليبيا توجد اليوم أمام طرفين يحملان معهما تنسيقا سابقا في الأراضي السورية وينقلانه إلى ليبيا، ويبدو أنه لأول مرة في تاريخ الأزمات الدولية  تتم المقايضة بين دولتين في أزمتين لدولتين عربيتين، فالتفاهمات والتنازلات تجري بين الروس والأتراك في خارطتين مختلفتين: إحداهما في الشرق الأوسط، والثانية في شمال إفريقيا.

ومن الواضح أن تركيا باتت حليفا عسكريا جديدا للسراج ولن تغادر ليبيا بسهولة، فأردوغان وجد نافذة جيواستراتيجية جديدة لتطويق أوروبا، وذلك لما أطلق خطابا بعد برلين يشير فيه إلى أنه إذا سقطت حكومة الوفاق الوطني في يد أمير الحرب حفتر، فإن أوروبا ستصبح على أبواب الإرهاب، مقابل ذلك ، يبدو أن الأوروبيين، وبدعم روسي يحملون آلية خطيرة إلى ليبيا، فالدعوة الى نشر قوات داخل ليبيا بين قوات حفتر وقوات السراج هي إعلان خطير على بداية تقسيم ليبياإالى منطقتين : ليبيا الشرق وليبيا الغرب، فالتجارب الدولية تُظهر أن نشر قوات دولية بين أطراف داخلية متصارعة يعني نهاية سيادة هذه الدولة وبداية الشروع في تقسيمها، فالأوروبيون يسترجعون ملف ليبيا بتنسيق مع الأتراك والروس وبحضور عربي “أطرش غير مبصر” ويقومون بنقل قواتهم من سواحل المتوسط الأوروبية إلى داخل ليبيا،

دول عربية شاهدة على بداية  التقسيم والجزائر منقسمة بين حفتر والسراج

ومن الواضح أن الدول العربية التي حضرت إلى مؤتمر برلين تابعت مشروع التقسيم وخرجت ببيانات غامضة، وتنفرد الجزائر ببيان غريب ينم عن جهل كبير لمايرتب لليبيا والذي قد يصل الجزائر في أي وقت، حيث يشير بيان الخارجية الجزائرية إلى أن الدولة الجزائرية تقف على نفس المسافة مع جميع الأطراف الليبية، وهذا يعني أن عبدالمجيد تبون مع السراج وحكومة الوفاق الوطني، فيما سعيد شنقريحة قائد الجيش مع حفتر، وهذا تشتت خطير يبدو من خلاله أن الدولة التي تجمعها بليبيا أزيد من ألف كلم من الحدود حضرت إلى برلين وتابعت مشروع التقسيم، ولم تستطع المعارضة رغم أن التقسيم المسمى بالفيدراليتين في ليبيا يهدد سلامة الاراضي الجزائرية بالدرجة الاولى في وقت لازالت فيه الازمة الجزائرية الداخلية تتفاعل نحو المجهول .

بعد برلين.. شمال إفريقيا في مواجة قوس مضطرب من الفوضى

ويبدو أن توسع الملعب الليبي وتعدد المتصارعين والمتعددين العسكريين يفتح قوسا مضطربا من الفوضى يمتد من شمال ليبيا إلى عمق منطقة الساحل والصحراء، الشيء الذي يعني أن دول شمال إفريقيا باتت مفتوحة على تهديدات ومخاطر نتنشر داخل فضاء كبير من الصعب مراقبته، فتحت أرجل شمال إفريقيا توجد تسعة تنظيمات إرهابية في منطقة الساحل والصحراء يفتح أمامها المشهد الليبي مجالا واسعا للحركة والتجنيد والاستقطاب والتنفيذ، فالوضع على أبواب نقل صورة ماجرى بين سوريا والعراق لما مسحت الحدود ولم تستطع الدولتان لحد اليوم استرجاع حدودهما السابقة على سنة 2014، لذلك في المشهد نفسه يتم إعداده اليوم من داخل الأزمة الليبية بنفس القوى الرئيسية، يبقى فقط السؤال متى يتم الإعلان عن نسخة جديدة من الجماعات الإرهابية، ليست القاعدة ولاداعش، ولكن قد يكون التنظيم المقبل مزيجا منهما ممتد بين منطقة الساحل والصحراء وليبيا، وقد سبق للمخابرات الروسية أن أشارت إلى نسخة المزيج  القادم من القاعدة وداعش في منطقة الساحل والصحراء، وببداية انتقال المقاتلين الإرهابيين من سوريا نحو ليبيا يكون التنظيم الجديد في طور اكتمال التأسيس، هذا المشهد القادم يبين أن المشاركين في برلين وضعوا خارطة جديدة لليبيا تهدد كل شمال إفريقي، والخطير هو أن تحضر دول عربية إلى برلين لتكون شاهدة على مقدمة عملية إشعال النار في ذاتها.

*رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني

manarslimi@yahoo.fr

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي