شارك المقال
  • تم النسخ

تحليل.. الجزائر تُصبح بوابة جديدة للصراع التركي الإماراتي بشمال إفريقيا

عبدالرحيم المنار اسليمي *

لازال أردوغان لم يغادر الأراضي الجزائرية حتى اعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد سيزور الجزائر هذا الاثنين للقاء قادتها، لا يبدو أن الأمور تسير بالصدفة، لأنه لا يوجد شيء اسمه الصدفة في الصراعات والتنافسات الدولية، وانما يتعلق الأمر ببداية صراع تركي إماراتي جديد ينتقل من ليبيا وتونس نحو الجزائر الدولة التي ظلت مغلقة إلى حدود صعود عبد المجيد تبون لرئاسة الحكم.

  رئيىس جزائري موال لأردوغان وقائد جيش موال للإمارات

بات من الواضح أن دولة الجزائر ليست على موقف واحد من الازمة الليبية، فالتقارير تشير إلى أن الجنرال  القايد صالح الذي أدار البلاد منذ سنة 2015 ، قبل موته بطريقة غامضة، كان داعما لخليفة حفتر منذ انطلاق بداية تشكيل قواته شرق ليبيا منذ سنوات، وذلك نتيجة تقريب دولة الإمارات للجنرالين لدرجة أن الكثيرين كانوا يشيرون الى أن شمال إفريقيا تتجه نحو تولي الأنظمة العسكرتارية للحكم بطريقة مباشرة في ليبيا والجزائر، ويبدو أن انطلاق الحراك في الجزائر غيّر التوازنات إذ لم يعد القايد صالح قادرا على الاستمرار في دعم حفتر، وهناك معطيات تشير أن خلافا كبيرا نشب بين الجنرال شنقريحة والقايد صالح حول الازمة الليبية ودعم حفتر.

واليوم يبدو واضحا أن المعطيات في الجزائر تتغير جذريا إذ أن عبد المحيد تبون يساند التدخل العسكري التركي في ليبيا رغم أن العقيدة الجزائرية المعلنة منذ عقود تقوم على عدم التدخل حسب التوصيفات الرسمية الجزائرية، ومن الواضح أن اصطداما بات قريبا بين شنقريحة وتبون حول تدبير موقف الجزائر في ليبيا، إذ لم يسبق للجزائر أن غيرت تحالفاتها بهذه السرعة كما أن اردوغان، الذي استجاب لدعوة تبون أياما قليلة بعد تلقيه دعوة الزيارة، له حسابات لاحظ من خلالها التغيير الجزائري السريع في السياسة الخارجية فوجد أمامه فرصة مفتوحة لدعم نظام مساند له في شمال إفريقيا بعد أن فشل في استيعاب النظامالتونسي ورفض المغرب برمجة لتاريخ زيارته المعلن بين وزير الخارجية المغربي والتركي من نيويورك في شتنبر الماضي، ويبدو أن تحرك وزير الخارجية الإماراتي يهدف إلى خلق نوع من التوزان مع تبون عن طريق شنقريحة المعروف بولائه للإمارات.

ظروف غير ناضجة في الجزائر لاستقبال صراع تركي إماراتي فرنسي بسبب ليبيا

يعرف الكثيرون ان عبد المجيد تبون رجل إدارة لا يعرف التاريخ، وأن شنقريحة رجل حرب يعرف طرق الساحل والصحراء التي تريد عبور الأراضي الجزائرية ويعرف المليشيات والتنظيمات ومنها مليشيا البوليساريو، ومن الصعب جدا أن ينتقلا مباشرة إلى إدارة الأزمة الليبية، فالواضح أن الأمر يتعلق بهروب غير محسوب نحو ملفات خارجية لتشتيت الحراك المتصاعد في الشارع، ويبدو أن غياب طرطاق وتوفيق جعل المخابرات الجزائرية لا تنتبه  إلى إنها تتورط بسرعة في ليبيا، الشيء الذي جعل الأتراك والإماراتيين ينقلون صراعهم مباشرة إلى داخل مكونات النظام السياسي الجزائري، فالتونسيون يحاولون إيقاف الغنوشي المتحالف مع الاتراك، بينما تبون يفتح الجزائر للأتراك ويفتح خليفه في الحكم سعيد شنقريحة الجزائر للإماراتيين.

وقد تتغير التوازنات لصالح شنقريحة لكون تبون وضع نفسه في مواجهة قوتين متحالفتين في لييبيا هما الإمارات وفرنسا، ولم ينتبه شنقريحة وتبون معا إلى أن وصول الصراع الإماراتي التركي إلى الجزائر يأتي مع اقتراب استعداد الجزائر لبرمجة انتخابات تشريعية بعد إنهاء مرحلة الدستور، فأردوغان يدعم الإسلاميين في الجزائر، بينما تعتبرهم الإمارات هم من الإخوان المسلمين  تجب محاربتهم، وأردوغان يساند الغنوشي والنهضة في تونس، بينما تحاول الإمارات عرقلة استمرار إخوان تونس في الحكم.

لذلك يبدو أن غياب التجربة عند تبون ورطت الجزائر بأن نقلت أحد أشرس الصراعات في الازمة الليبية: صراع تركي -إماراتي إلى داخل الجزائر التي لا زالت لم تلتقط توازناتها ومقبلة على المجهول، وربما لا يعرف تبون أن هذه المعادلة الصعبة في الصراع الإماراتي التركي: مع الإخوان في تركيا، وضدهم في الإمارات، تجعل أردوغان بعد أن وجد موطأ قدم في ليبيا عن طريق اتفاقية لترسيم الحدود البحرية لا يهمه الوضع الداخلي في الجزائر، فالوثائق التاريخية تشير إلى أنه منذ دخول العثمانيين إلى الجزائر وتعيين خيرالدين بربروس أدميرال على السفن العثمانية ووالي عثماني على الجزائر، كان هم الدولة العثمانية هو جباية الضرائب أن تدعو المساجد الجزائرية للسلطان العثماني، فبوتفليقة نهج سياسة خلقت فراغا دينيا في الجزائر لا أحد يعرف من سيملأه: هل السلفيين المدعومون من الخليج  أم الإخوان المدعومون من تركيا؟!

* رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي