شارك المقال
  • تم النسخ

تاريخ المغرب الأقصى.. من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال

نورالدين لشهب

صدر حديثا عن منتدى العلاقات العربية والدولية الذي يوجد مقره بالدوحة كتاب “تاريخ المغرب الأقصى: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال” لمؤلفه الدكتور امحمد جبرون. ويقع الكتاب في أزيد من 600 صفحة، ويتوزع على ثلاثة أبواب، وعشرة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة.

تناول الكتاب في الباب الأول: المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى عصر الدول الكبرى (62/681- 463هـ/1070م)؛ وفي الباب الثاني: المغرب الأقصى في عهد الدول الكبرى (427/1035-961هـ/1553م)؛ وفي الباب الثالث: المغرب الأقصى في العصر الحديث: السعديون والعلويون (961/1553- 1330هـ/1912م).

إن هذا العمل وبخلاف غيره لم يقتصر على التاريخ السياسي للمغرب الأقصى على امتداد أزيد من 13 قرنا، بل تجاوزه إلى الحديث عن الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجال المغربي، مبرزا أهم التحولات والتطورات التي عرفها في مختلف المراحل. لقد استند مؤلف «تاريخ المغرب الأقصى: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال» على مجموعة من الفرضيات، من أبرزها:- التركيز على البعد الوطني في انتقاء المادة التاريخية، وتوظيفها، فالكتاب يتحدث عن تاريخ المغرب الأقصى، ولا يخلط بينه وبين أحداث ووقائع تهم المغربين الأدنى (تونس)، والأوسط (الجزائر)، ولا يتحيز لأي منظور عرقي أو طائفي، ويحاول جهده تفادي بعض الألفاظ ذات الإيحاء السلبي التي تعج بها الإسطوغرافيا التاريخية كلفظ البربر وما شابهه، والتي لا زالت بعض الكتابات المغربية تستعملها؛- الدور المحوري للإسلام في ظهور المغرب الأقصى سياسيا وحضاريا؛- الجهاد الوطني، باعتباره عملا عسكريا لمواجهة التجزئة والانقسام الطائفي والقبلي، ومواجهة الغزو الأجنبي، وحماية السيادة الترابية للبلاد؛- الدور المركزي للمغرب الأقصى في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط، تأثيرا وتأثرا..


إن المغرب الأقصى، كما يجليه هذا العمل، الممتد زمانا، والمتشعب موضوعا، ليس شبحا تاريخيا، وكيانا خفيفا، يبحث عن شرعية وجوده في المستقبل، بل هو حقيقة موضوعية، وسيرة عطاء تاريخي عظيم، تجاوز حدوده الجغرافية والتاريخية إلى آفاق وبلاد بعيدة في الشرق والغرب، وأفاد الإنسانية إفادات جليلة.لقد ظهر المغرب الأقصى، باعتباره كيانا سياسيا تاريخيا واضحا، ابتداءً من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي على عهد المرابطين، حيث اجتمع المغاربة قاطبة تحت قيادة سياسية واحدة، وخرجوا من حكم الطوائف والإمارات المستقلة، وانخرطوا في مشروع سياسي واحد، امتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الصحراء، ومن المحيط الأطلسي إلى «المغرب الأوسط»، وكان في كثير من الأحيان يتعدى هذه الحدود شمالا بالسيطرة على الأندلس، وغربا بالسيطرة على إفريقية وإلى ليبيا، وجنوبا بالسيطرة على ممالك السودان وحتى نهر السينغال، لكن قليلة هي المرات التي انكسرت فيها وحدة المغرب الأقصى، ورجع إلى سالف عهده قبل ظهور المرابطين.لقد شهد مجال المغرب الأقصى تحولات كبيرة على مدى القرون الفاصلة بين الفتح والاحتلال، يمكن الإشارة إجمالا إلى بعضها في هذه الفقرات:1- ساهمت الظروف والإمكانيات التي وفرتها الدول الكبرى (المرابطون، الموحدون، المرينيون) في ازدهار النشاط الحضاري المغربي، والذي تمثل بعضه في حركة التمدين الواسع الذي عرفه المغرب منذ الفتح الإسلامي وإلى الاحتلال الفرنسي، حيث تأسست سلسلة من المدن الأساسية التي لا زالت مستمرة إلى اليوم، ومن أشهرها: سجلماسة؛ وفاس؛ ومراكش؛ والرباط؛ وأكادير؛ والصويرة؛ وآنفا (الدار البيضاء).. وتمثل بعضه الآخر في الازدهار الثقافي الذي عاشه المغرب في هذه الفترة، والذي تمثل في ظاهرة الأسلمة والتعريب، التي بدأت خطواتها الأولى مع الفتح الإسلامي، فقد تحقق المغرب الأقصى خلال هذه المدة من مذهب فقهي موحد وهو المذهب المالكي، بعد تردد وتأرجح بين جملة من المذاهب؛ واستقر اختياره العقدي على المذهب الأشعري، وأسقط سائر المذاهب الأخرى، وأخذ بالتصوف سلوكا، وطريقا للتزكية.

وبالرغم من المعارك الثقافية والنزاعات المذهبية التي عاشها المغاربة في بعض الفترات، فإنها في الواقع لم تنل من مكانة هذه الاختيارات الكبرى بين المغاربة، بقدر ما رسختها. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أن النقلة النوعية التي عرفها المغرب في مجال الأسلمة والتعريب كان وراءها الأمازيغ وليس العرب الوافدين في فترة متأخرة.2- إن الثلاثة عشر قرنا ونصف من تاريخ المغرب الأقصى -وهي الفترة التي تهم هذا الكتاب تحديدا- أعادت تشكيل المجتمع المغربي على نحو جديد، فلم يبق على الصورة التي كان عليها قبل الإسلام، فقد كان إبان ظهور الإسلام يتكون من أغلبية أمازيغية كبيرة، وأقلية رومانية ببعض الحواضر وعلى السواحل، لكن مع توالي السنين وفي ظل الحكم الإسلامي، سيعرف نسيج المجتمع المغربي تنوعا وثراءً غير مسبوق، حيث توافدت عليه هجرات سكانية مختلفة الحجم من نواح مختلفة من الغرب والشرق، فقد قصده عرب إفريقية، وعرب الأندلس، وأندلسيو ثورة الربض، والغُزِّ، والروم، وجيء إليه بعرب بني هلال وسليم، وعبيد السودان..

ومما لا شك فيه، أن هذا التنوع الذي أمسى عليه المجتمع المغربي بعد الفتح الإسلامي، أكسب المغرب قدرة على التعايش مع الآخر الوافد، وقبولا بالاختلاف..، فتعدد أنساب وأعراق المغاربة لم يمنعهم من العمل سويا في البناء السياسي والحضاري.3- بقي الاقتصاد المغربي طوال تاريخه اقتصادا تقليديا متصلا بالمنتوجات المجالية، ولم يعرف مستوى معتبرا من التصنيع أو التطوير، والاستثناء الوحيد الذي يمكن ذكره في هذا السياق هو صناعة السكر التي ازدهرت في بعض الفترات من حكم السعديين وخاصة في عهد أحمد المنصور السعدي، لكنها نُكبت بعد وفاته، وانهارت أوراشها الكبرى، ولم تفلح المحاولات المتكررة التي قام بها عدد من السلاطين بعد المنصور في بعث الروح فيها. ومن ناحية أخرى، فقد الاقتصاد المغربي تدريجيا استقلاله، وأمسى “اقتصادا محتلا”، خاضعا لمتطلبات الاقتصاد الرأسمالي بحكم الاتفاقات التجارية الكثيفة التي وقعها المغرب طوعا وكرها مع الدول الرأسمالية الكبرى، وفي طليعتها إنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا.وإجمالا؛ إن المغرب الأقصى الذي استأنف تاريخه الإسلامي ولاية نائية من ولايات الخلافة الأموية، لِيَتحول بعد ثلاثة قرون إلى قوة امبراطورية كبيرة، ومؤثرة، لم ينجح في الحفاظ على ريادته وتفوقه، لأسباب عديدة، من أبرزها:

القوة التي أمسى عليها الإيبيريون والأوروبيون عموما مع بداية العصر الحديث، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا عجز المغرب في عهد المرينيين والسعديين من التمكن من أسباب الحداثة وشروطها التي تضمن له النفوذ والقوة على الصعيدين الداخلي والخارجي؟

لا نملك جوابا محددا عن هذا السؤال، ويمكننا افتراض عدد من الظروف والإكراهات بعضها ثقافي، والآخر سياسي..، لكننا، ومع حيرتنا وحرجنا في تحديد الأسباب الكامنة وراء هذا العجز، فإننا نستطيع القول وباطمئنان كبير أن المغرب كانت أمامه في هذه الحقبة فرصة تاريخية سانحة للتحول إلى قوة حديثة على غرار ما كانت عليه أوروبا، وخاصة في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، غير أنه فشل في ذلك، لسوء تقدير وتدبير هذا السلطان للثروة الهائلة التي كانت بحوزته، والتي بددها فيما لا طائل من ورائه، فلو نجح في ذلك العهد في تأسيس صناعة بحرية قوية لكنا أمام تاريخ آخر للمغرب غير التاريخ الذي تضمنه هذا الكتاب، وكان بإمكانه ذلك، لكنه عجز.وأخيرا؛ إن هذه الفقرات هي مجرد إشارات عامة، أردنا من خلالها إثارة الانتباه إلى محتوى الكتاب، وغناه من حيث المعلومات، والآراء..، حتى تكون حافزا لاقتناء الكتاب وقراءته.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي