شارك المقال
  • تم النسخ

بلكبير: أزمة الصحراء هي السبب في عزل المغرب عن عمقه الأفريقي

حاوره نور الدين لشهب

اعتبر عبد الصمد بلكبير أن مشكل الصحراء، والذي عمر أكثر من أربعين سنة، يستهدف عزل المغرب عن عمقه الأفريقي، مضيفا بأن المغرب يحظى بجميع المؤهلات لكي يكون دولة عظمى، ولا ينقصه سوى الديمقراطية.

وذهب بلكبير إلى أن الملك محمد السادس في خطابه في القمة المغربية الخليجية، كان جريئا وشجاعا وصادقا، “يذكرنا بتراث آبائه وأجداده في الدولة العلوية الذين ناضلوا للدفاع عن الكيان والوحدة والسيادة والدولة المغربية”.

أما عن انفتاح المغرب على أفريقيا، فيرى بلكبير أن هذا الانفتاح جاء “متساوقا مع أشواق الغرب” التي تريد أن “تمتد الخصوصية أو التجربة الدينية التي وصفت بإعادة هيكلة الحقل الديني إلى أفريقيا خوفا من الإرهاب”.

ذهب الصحافي السوداني طلحة جبريل، وفي حوار مع جريدة المساء جمع في كتاب “صحافة تأكل أبناءها” إلى أن الحسن الثاني كان يريد أن يقود انقلابا على تجربة حسن عبد الله الترابي انطلاقا من دولة تشاد على عهد الرئيس التشادي الحسين هبري، واستقدم الحسن الثاني شخصيات عسكرية سودانية للرباط للترتيب للانقلاب.. السؤال: ألم يكن حسن الترابي يريد طمأنة الحسن الثاني من خلال كلامه عن بيعته خليفة للمسلمين؟

كل شيء ممكن، ولكن الذي يجب ألاّ ننساه هو أن الخطاب صحيح، يعني اعتمد على مادة تاريخية ومادة دينية ومادة أنتروبولوجية صحيحة، هل وظفها الترابي لأهداف ثانوية بسيطة ذات قيمة تكتيكية؟ هذا محتمل. ولكن أنا أستبعد أن رجلا مثل الترابي يمكن أن يلعب مع الحسن الثاني الذي هو رجل استراتيجي ويتقن المناورات.

المشكل لا يوجد هناك، في نظري، حتى بالنسبة للقذافي، لأن الخطاب الغربي الرزين سياسيا يتحدث عن أن المغرب أخطأ عندما فسخ عقده مع القذافي في تأسيس الاتحاد العربي الإفريقي خصوصا بالطريقة التي تم بها ذلك الاتحاد العربي، والذي تأسس باستفتاء وفسخ من طرف واحد. لو لم نتخل- نحن المغاربة- عن الاتحاد العربي الإفريقي نتيجة ضغوط أمريكية معروفة وما شابه ذلك، لما كان مشكل الصحراء قائما اليوم.

طيب لماذا فرط المغرب في عمقه الإفريقي على عهد الحسن الثاني؟

هذا راجع إلى الإمكانيات وميزان القوة، لأنه لا ننسى أن مشكل الصحراء هو من أجل عزلنا عن إفريقيا، ومن أهم أسبابه تكوين موريتانيا. ومن المعلوم أن المغرب له جميع المؤهلات لكي يكون دولة عظمى، ويمتلك جميع المؤهلات الجغرافية والبشرية والاقتصادية والثقافية، وكذا التماسك الشعبي والذاكرة…الخ.

وما ينقص المغرب هو شيء بسيط فقط، وهو ما نختصره في كلمة الديمقراطية.، فالغرب يعرف نواقصنا وفضائلنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا. والحسن الثاني بالطبع كان معروفا بعلاقته القوية مع الغرب ومحاولة تلافي الاصطدام معه، يختلف معه هنا أو هناك، لكن يحاول أن يضمن جهة ضد جهة، فهو إذا كان مع اليوم الأمريكيين لتلافي الاصطدام مع الأوربيين، فغدا سيكون مع الأوربيين لتلافي الصدام مع الأمريكيين، وأيضا كان مع الاتحاد السوفيتي ..

كما ينبغي أن نتذكر أن مجموع قرارات الأمم المتحدة والجمعية العامة صوت فيها المغرب أكثر من 170 مرة مع الاتحاد السوفياتي، وحوالي ستين مرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فإذن الحسن الثاني ورث تكتيك جده الحسن الأول، إنه يستغل تناقضات العدو لضمان استقلال البلاد. ولهذا أعتبر أنها مسألة ميزان قوة بالدرجة الأولى، وهو غير مستعد للاصطدام، خصوصا وأن ما يشركه مع الغرب كبير جدا، ولكن الغرب لا يثق لأنه لا يهتم بالأشخاص بل يهتم بالجغرافيات؛ الأشخاص عارضون، أما الجغرافيات فثابتة.

إن الجغرافية تفرض منطقها، وفي نظري مازالت على المغاربة مسؤوليات أن يدافعوا عن أفريقيا وأن يحموها وأن ينصحوها وأن يدعموا العلاقة معها كما يفعل الآن صاحب الجلالة.

كيف ترى انفتاح المغرب على إفريقيا على عهد الملك محمد السادس؟

هذا شيء إيجابي جدا جدا، وأظن أن الدبلوماسية الدينية في هذا الصدد لا بأس باشتغالها، أنا لا أعرف التفاصيل طبعا، ولكن من المؤكد، والقرائن على ذلك كثيرة، فمنذ أن جاء السيد أحمد توفيق وشرع في تنظيم موسم سيدي الشيكر، من هنا كانت نقطة الانطلاق عمليا، وهناك بوادر كثيرة سواء في بنائنا للمساجد أو استقبالنا للائمة من أفريقيا. ومن حسن الصدف أن هذا الذي يحدث اليوم لا يتناقض كبير التناقض مع تخوفات الغرب، بل بالعكس أصبحوا هم يتمنون أن تمتد الخصوصية أو التجربة الدينية التي وصفت بإعادة هيكلة الحقل الديني إلى أفريقيا خوفا من الإرهاب. ومن حسن الصدف أيضا أن أفريقيا التي كانت متروكة كخزان محتمل بالنسبة للغرب، خصوصا في قضايا الطاقة، بعد أن دخلت إليها الصين، أصبحت موضوع تنافس قوي.

من هنا أصبح الغرب غير حذر من دخول المغرب إلى أفريقيا حتى يكون جسرا لالتحاقهم بها عن طريقه لأن الخطر الصيني بالنسبة إليهم ماثل. وهذه المبادرات المغربية الراهنة، سواء في القطاع المالي أو الاقتصادي أو التجاري أو الفلاحي بالخصوص؛ من قبيل مبادرات المكتب الشريف للفوسفاط وعموم الدبلوماسية المغربية، وخصوصا الدبلوماسية الدينية، شيء مهم، وشيء جديد استدراكا للزمن الضائع. وأنا أعتقد أنه مازال علينا أن نضاعف المجهود، خصوصا وأن المبادرات اليوم لم تعد كما بالأمس القريب تثير تخوفات الغرب.

إذن نصل إلى سؤال يتعلق بخطاب الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية، تابعتم هذا الخطاب والذي تحدث عما سماه بـ”الخريف العربي” في انتقاد واضح لما سمي بالربيع العربي، انتم كنتم الأوائل الذين انتقدوا الربيع العربي ومن قناة ليبية على عهد معمر القذافي أثناء بداية “الثورة” الليبية، كيف تابعتم خطاب الملك؟

طبعا أنا الآن أكثر ارتياحا من أي وقت سابق، لأنني منذ تاريخ 28 يناير 2011، حيث وجدت نفسي في ميدان التحرير في القاهرة، بدأت أشك، وكانت لي مرجعيات من مقابلات؛ منها لقاء كان مهما جدا جمعني ومحمود أمين العالم وجورج حاوي بالقذافي، وحكى القذافي كثيرا وبشكل مفصل عن مخططات، وعندما وقع ما وقع تذكرت الكلام. هذا فضلا عن خطابه في مؤتمر سرت للقمة العربية. القذافي قال لكل الملوك والرؤساء ما قاله اليوم محمد السادس من أن الجميع مستهدف، وأن الفرق بين مكونات الجميع هو في زمن الاستهداف، وأنه طالما ينتهون من جهة ينتقلون إلى جهة أخرى.

اليوم، الملك محمد السادس بشجاعته وجرأته وصدقه يذكرنا بتراث آبائه وأجداده في الدولة العلوية الذين ناضلوا للدفاع عن الكيان والوحدة والسيادة والدولة المغربية، قال ما قلته حوالي شهرين، إنه بعدما انتهوا من المشرق تخريبا عمرانيا لإعادة البناء على يد شركاتهم. وبعد أن فشلوا سياسيا في تفكيك سوريا وما كان سيؤدي إلى تفكيك العراق ولبنان وبالتالي الدخول في الحرب مع إيران الخ، ها هم ينسحبون تدريجيا، ولكن ليس من العالم العربي، ولكن من مشرقه نحو المغرب، وقلت ما قاله صاحب الجلالة إن المستهدف الآن هو السعودية والمغرب.

الجديد في الخطاب الملكي، بالنسبة إلي، هو أنه عمم أن الخطر لا يهم السعودية وحدها بالخليج العربي، بل أضاف الأردن؛ أي الملكيات عمليا، ثم نبه إلى مسألة مهمة جدا كنا نحن نقول إن الفوضى العارمة تتوسل بتناقضات موضوعية تفجرها وتفسدها وتقلب العلاقات فيما بينها، أو تصطنعها، وكنا نقول إن التناقضات في المشرق لا توجد في المغرب التي دخلت منها؛ أي التناقض المذهبي والتناقض الديني والطائفي والقبلي، لأن المغرب تجاوز كل هذا وأصبح على درجة عالية من الانسجام، بقيت نقطة وحيدة بدؤوا يصطنعونها هي المسألة اللغوية، أيضا عولجت لأن صاحب الجلالة نبه بأن مدخلهم في مخططهم لإنتاج الفوضى العارمة والتفكيك في المغرب هو الصحراء. إذن هذا هو الجديد.

إن قضية الصحراء لم تعد فقط قضية انفصال واجتزاء جزء من المغرب وإنتاج كيان تكون مهمته أو وظيفته هو التشويش على المغرب كما كان الحال في المشرق مع لبنان بالنسبة لسوريا، والكويت بالنسبة للعراق، والآن جمهورية جنوب السودان، إلى آخره، بل الهدف أخطر، كما عبّر عن ذلك صاحب الجلالة، وهذا صحيح، لأن استهداف فصل الصحراء عن الوطن الأم لا يقف عند حد الانفصال، بل تفكيك المغرب، لأن المنطق نفسه الذي يستعمل لفصل الصحراء عن المغرب يمكن أن يستعمل غدا لفصل الريف، وبالتالي شرق المغرب، ثم بعد ذلك سوس، وهكذا دواليك…

ولهذا أعتبر أن الخطر، كما عبّر خطاب صاحب الجلالة في خطابه التاريخي والعظيم جدا، هو خطر محدق وماحق وخطير، وهو مظهر من مظاهر المؤامرة، فالذين كانوا يتكلمون على نظرية المؤامرة، ها هو صاحب الجلالة كرجل دولة تكلم عن مؤامرات.

بمعنى أن الملك رجل دولة ويمتلك معلومات، وليست انطباعات وتخيلات؟

طبعا، إذا لم يكن يمتلك هو معلومات سأمتلكها أنا؟! هو يتكلم من معطيات وليس من تخمين أو استنتاج أو من قراءات لنصوص، ولذلك كان كلامه يطابق ويعكس ويعبّر عن الواقع من قبل أعلى رمز للدولة المغربية. وخلال حديثه قال ما قلناه وزكى ما عبرنا عنه، وكنت من المضطهدين بسبب مواقفي، عندما قال إن الربيع هو خريف، وإنه لم يكن يستهدف الإصلاح أو غير ذلك، وإنما كان يستهدف التخريب والتفكيك، ومن ثمة دعا إلى أن نواجه المخطط. وأنا بالمناسبة، إذا سمحت، سأثير الانتباه إلى خطاب التلفزيون المغربي الذي هو مؤامرة على الخطاب الملكي.

كيف ؟

لأن صاحب الجلالة يقول إن العدو ممن كانوا يظهرون الصداقة في حين كانوا يغدرون ويطعنون من الخلف، وهذا لا يطابق حالة الجزائر. ثم هو يقول إن هدف الانفصال اليوم ليس هو مثل هدف الانفصال بالأمس، ليس هو فقط .

بمعنى أن الملك كان لا يقصد الجزائر؟

طبعا. الجزائر هي أيضا مستهدفة، بينما في الخطاب التلفزيوني يتحدثون عن الجزائر. هل الجزائر دولة تستطيع أن تشتري أمين عام للأمم المتحدة؟ هل يستطيع الأمين العام للأمم المتحدة أن يبتعد قيد أنملة عن الأهداف الإستراتيجية الكبرى؟

إذا كانت الجزائر تلتقي مصلحيا، مؤقتا وبالغباء من قبلها، مع المخطط الأمريكي، فهذا مفهوم. ولكن المخطط يتجاوز الجزائر لأنه هو قال إن ما يستهدف المغرب يستهدف السعودية والأردن ويستهدف الخليج العربي كله، وإن العدو واحد، لا يمكن أن يكون هو الجزائر.

وفق كلامك هذا، ما دخل الجزائر في قضية الصحراء؟

هذا مشكل آخر، ولكن الخطاب لا يتكلم عن الجزائر، فأصل الموضوع هو ما عبّر عنه بومدين عندما صرح مع بداية 1976 تصريحا علنيا وهو منشور، قال إن قضية الصحراء بالنسبة لنا هي حجرة الحذاء، حسب مثل فرنسي مشهور، وعندما تكون حجرة صغيرة في الحذاء تقلقك، توترك، تعثرك.. ولكن الهدف ليس هو أن تقطع رجلك، هذا في الأصل مبادرة الجزائر، وبالتالي قلت لو استمر الاتحاد العربي الإفريقي، واستمر معنا القذافي ونحن معه في الأهداف المشتركة، لكان المشكل قد حل، ولكن استمراره جعل قوة خارجية تستثمره الآن لأهداف ومصالح لا علاقة لها بأصل المشكل.

صحف فرنسية وصفت الخطاب الملكي بـ”الشعبوي”؟

الفرق بين الشعبوي والشعبي بسيط. بالنسبة لنا شعبي، لأن المغاربة الحقيقيين، وليس المثقفون المعقدون والمرتبطون بقطر وأمثال قطر المغرضون، استوعبوا وسيستوعبون أكثر، والملكية تعرف أن الأهم في علاقتها هو الشعب المغربي، لذلك الخطاب يعبر عن الشعب المغربي تماما ولا يعبر عن النخبة المغربية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي