شارك المقال
  • تم النسخ

الكنبوري: أنا مثقف حر غير منتم إلا إلى وطني… والهوية المغربية مستهدفة

قال الكاتب المغربي إدريس الكنبوري إنه مستهدف من الجهة التي أقحمت اسمه في نازلة تدنيس تذكار عبد الرحمن اليوسفي بطنجة، وأوضح في حوار مع جريدة “بناصا” بأن أصحاب البيان “لا يهمهم لا اليوسفي ولا غيره، وهذه هي الصراحة، والدليل، برأيه، هو إقحامه إلى جانب عبد العالي حامي الدين، لأنهم “لديهم معه معركة ليست هي معركتي”.

وأضاف المفكر المغربي بالقول: ” لو كانوا شجعانا كان عليهم أن يتصدوا إلى من اتهم اليوسفي بالسكوت عن التزوير في الانتخابات لفائدة حزبه لكي يتم التبرير القانوني للتناوب الذي قاده”.

الحوار مع الكنبوري تطرق إلى أشياء أخرى تكتشفونها في ثنايا الحوار…. إليكم الحوار كاملا.

خرجت جمعية تسمي نفسها “الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب” ببيان بعد تدنيس تذكار عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله بطنجة، وهذا البيان تم إقحام اسمك. لماذا برأيك تم إقحام اسمك؟

هذا سؤال يمكن أن يوجه إليهم، إن كانت لديهم الشجاعة الأدبية للإجابة عليه. فيما يخصني الأسباب واضحة، هناك عملية توزيع أدوار تقوم بها فئة معينة، مثل المحاربين في جبهة، البعض يوظف الورقة الحقوقية والبعض يوظف الورقة العرقية والبعض يوظف الورقة الثقافية وهكذا، وبعضهم يسند بعضا، وهم يخوضون حربا منسقة.

ومنذ فترة طويلة صار هؤلاء يعتبرونني عدوا لهم بسبب مواقفي الفكرية وآرائي التي أعبر عنها، إذ أصبح صوتي مزعجا لهم ويفسد عليهم حفلاتهم المشبوهة. وهذا عندي موقف قديم سبق أن عبرت عنه في مقالات واضحة وصريحة، وقلت مرات عدة إنه يجب أن نميز بين المعركة مع الإسلاميين المغاربة كفصيل سياسي، وبين المعركة ضد الإسلام.

قلت لهم إن خضتم معركة ضد الإسلاميين لن تجدونا هناك، أما إن خضتم معركة ضد الإسلام فنحن موجودون. هم لا يستطيعون الفصل ونحن لا نستطيع الجمع. فأنا لدي معادلة بسيطة للغاية: إذا كان لديك الحق في التعبير عن رأيك ضد الدين في هذا البلد، أنا لدي نفس الحق في التعبير عن رأيي مع الدين في هذا البلد. إذا كنت تريد أن تهدم صرح الدين في هذا البلد، أنا مهمتي إعادة بناء ما هدمته. إذا كنت ستقول لي إنني ليس لدي الحق في الكلام باسم الدين، أقول لك ليس لديك الحق في الكلام باسم اللادين، إذا قلت لي إن الدين ملك للجميع، أقول لك أنا واحد من الجميع وأنا أتحدث عن ملكيتي، لأن الملكية حوزة، وأنا أتكلم عن حوزتي.

إنها لعبة قديمة وصفها القرآن قبل خمسة عشر قرنا، فقال”وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، ساء ما يحكمون”، يعني أن هؤلاء يتصرفون كما يريدون ويزعمون أن الله للجميع، ثم يبيحون لأنفسهم ما يريدون تحت هذا الزعم الكاذب. وهذا كلام لا يقوله سوى مجانين، إذ كيف نبيح الدفاع عن كل إيديولوجيا أو أطروحة ثم نمنع الناس من الدفاع عن الأطروحة الدينية التي هي أصل عند المسلمين.

أما أصحاب البيان فهؤلاء لا يهمهم لا اليوسفي ولا غيره، وهذه هي الصراحة، بدليل إقحامي إلى جانب عبد العالي حامي الدين، لأن هذا لديهم معه معركة ليست هي معركتي، ما يعني أن البيان هو بيان كيدي. أما اليوسفي فلو كانوا شجعانا كان عليهم أن يتصدوا إلى من اتهمه بالسكوت عن التزوير في الانتخابات لفائدة حزبه لكي يتم التبرير القانوني للتناوب الذي قاده، وعليهم أن يردوا على الذين قالوا إن اليوسفي جيء به لأداء دور رفض أداءه امحمد بوستة، فقد كان مجرد بديل، وعليهم أن يردوا على من قال إن اليوسفي كذب على المغاربة وصنع لنفسه تاريخا مزيفا مثل الحكم بالإعدام والاعتقال وغيره، وعلى من قال إن اليوسفي كان يستفيد من معاش مثله مثل عبد الإله بنكيران، وغير ذلك كثير، لكنهم لا يستطيعون لأن اليوسفي رحمه الله لا يهمهم، يهمهم أن يأكلوا به طعاما محرما، وقد حرم الله الحرام.

يقال بأنك كتبت تدوينات بعد وفاة اليوسفي تتحدث فيها عن تجربته السياسية…؟

ـ نعم، أنا كتبت تدوينة مطولة بعد خبر الوفاة عن اليوسفي أتحدث فيها عن مساره لكي يعرف الناس والقراء الذين يتابعونني قصته، كتبتها بشكل حيادي.

وماذا حدث بعد ذلك؟

الذي حدث هو أني كتبت تدوينة ثانية أجري فيه تقييما سريعا لمرحلة التناوب التوافقي التي عايشتها كصحافي كنت أغطي الأخبار وأكتب التقارير ومقالات الرأي، وهي عندي بالعشرات، ثم كتبت تدوينة ثالثة بعد أن رأيت أن هناك من يريد أن يجعل منه أسطورة في المغرب. اليوسفي ليس أسطورة وليس زعيما سياسيا بالنسبة لي، وهذا حقي في البداية والنهاية، اليوسفي كان كاتب عام حزب سياسي لم أكن عضوا فيه، لذلك ليس زعيما لي ولا يمكن أن يكون لي زعيما إطلاقا، وليس عندي فيه مخايل الزعامة لأن الزعامة لها خصائص لا يتوفر هو على واحدة منها.

كان اليوسفي رحمه الله وزيرا أول في حكومة دبرت الشأن العام في بلدي ودبرت أمور المواطنين الذين أنا واحد منهم، لها إيجابيات وسلبيات، وهنا تقف الأمور. وأنا أعتقد أن أي اتحادي خالص مؤمن بالاختلاف سوف يؤيد موقفي.

لا يمكنك أن تفرض علي شخصا كزعيم، من أعطاك هذا الحق؟ هل الزعامة بالإكراه؟ بل هذه إهانة بالغة لشخصية اليوسفي رحمه الله، لأن الزعيم هو الذي يفرض نفسه على الناس، لا الذي تصنعه جوقة من المنافقين تجار السياسة.

والمضحك أن أصحاب البيان انزعجوا لأنني تحدثت عن بنكيران، واعتقدوا أنني أقارن بين الرجلين، وهذا لم أقم به إطلاقا، بل قلت إن بنكيران لا يقل حظوة عن اليوسفي، وهذا هو الواقع. هم يريدونني أن أميز بين اليوسفي الاتحادي وبنكيران الإسلامي على أساس الانتماء، لا، أنا ميزت بينهما على أساس المسؤولية السياسية التي تولياها بعد الانتخابات والتزكية الملكية، كرئيسين لحكومتين، من هذه الناحية من حقي أن أقارن بين الرجلين، ومن حقي أن أقول إن بنكيران لديه بعض مواصفات الزعامة ليست لليوسفي، وهذا بسبب التربية السياسية وبسبب المميزات الفردية والثقافة الشخصية.

اليوسفي لا يعرفه أحد، أنا شخصيا رافقت رحلة اليوسفي سنوات كصحفي وغطيت أنشطته الحكومية ومع ذلك لا أعرفه، لأن الرجل لم يكن يتكلم، ولم تكن تستطيع أن تسمع رأيه بوضوح كرجل سياسة، بل كان يبدو كسائق قطار هو قطار التناوب لديه مهمة معينة، لذلك كتبت أيضا بأن اليوسفي يدين بكارزميته لصمته، والناس هم الذين تكلموا عنه وصنعوا منه أسطورة، بينما بنكيران هو الذي يتكلم، وهو الذي يخوض النقاش العمومي، وهو الذي يعبر عن نفسه ولا يعبر عنه غيره، وبالتالي أنا كباحث ومثقف هل أبيح لنفسي أن أتلاعب بأدوات التحليل السياسي والثقافي؟ أبدا، يجب أن يكون الإنسان موضوعيا لأن التحليل مسؤولية فكرية وأخلاقية.

هناك من يقول بأن الكنبوري أخطأ في اختيار التوقيت في نقد تجربة اليوسفي أو تجربة أي كان، وكان عليك أن تنتظر وقتا آخر للنقد ولاسيما أن الموت يقال فيه كلام آخر كما جرى العرف والعادة في مثل هذه الظروف؟

ــ لا يمكن لأحد أن يفرض علي التوقيت، أنا مفكر ومثقف ومواطن في البداية والنهاية ولا يوجد فوقي سوى الدستور، والدستور يضمن لي حريتي في الرأي. هؤلاء لا يفهمون شيئا سوى الوشاية والكيد، فهذه تقاليد الإعلام في العالم كله، ما إن يتوفى مسؤول معين حتى تبدأ التحليلات والآراء والنقاشات حول تجربته، في أوروبا وفي غير أوروبا.

أنا لست من أسرة اليوسفي حتى أنتظر مرور أربعينية الرحيل، أنا مواطن وهو كان مسوؤلا عني، هذه هي العلاقة بيننا، لو أنه لم يكن وزيرا أول ربما كنت لن أكتب عنه كلمة واحدة، لأن اسمه خارج مسؤوليته الحكومية ليس مهما، صحيح كان من السياسيين الأوائل وكان من الرعيل الأول الذي أنشأ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد الانفصال عن حزب الاستقلال، ولكنه في الحقيقة كان في الصف الثاني بعد البصري وبوعبيد وبن بركة وعبد الله إبراهيم، وهو لم يكن له مسار سياسي مثلهم.

بعد صدور بيان الجمعية التي تسمي نفسها “الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب” قمت أنت بكتابة بيان، هل شعرت بأنك مستهدف؟

ـ طبعا لا بد أن أشعر بأنني مستهدف، ولا يزال عندي هذا الشعور لأنني أتوقع كل شيء، وكان غرضي في البيان هو إحاطة الرأي العام داخل وخارج المغرب بحقيقة ما يدبر للمثقفين الأحرار في المغرب من دسائس ومؤامرات لتهميشهم وإسكاتهم، وعندما أقول المثقفين الأحرار فأنا أعني ما أقول. لا أتحدث عن ثقافة وصف القمر وكتابة الروايات بجانب المسبح في الفيلا الفارهة كما يفعل البعض، والتغزل بالديمقراطية وهو يستفيد من خيرات الاستبداد، بل أتحدث عن ثقافة الدفاع هو الهوية الوطنية والدينية في بلدي رغم الظروف والإقصاء والتهميش والفقر.

ألم تتواصل مع هذه الجبهة وتشرح لهم موقفك؟

 هذا شرف لن ينالوه. ……

طيب، لماذا أنت مستهدف؟

أنا مستهدف لأنني جزء من هوية مستهدفة في المغرب، ولأنني طالما عبرت عن آرائي بكل وضوح وصراحة، ولأنني أريد أن تنتصر الحقيقة وأن يظل الوطن موحدا وراء خط ديني وسياسي واحد هو الذي تمثله المؤسسة الملكية وإمارة المؤمنين.

أنا مثقف حر غير منتم إلا إلى وطني، وإذا كان لا بد أن تكون لي جهة أنتمي إليها فهي إمارة المؤمنين. وسبق أن كتبت قبل سنوات إن هؤلاء يريدون إسقاط هويتنا الدينية، وبعد ذلك يمرون إلى إمارة المؤمنين آخر قلعة للإسلام في بلدنا.

لا ينبغي الثقة في مثل هذا الخطاب المزيف الذي يدعي التمسح بإمارة المؤمنين تحت دعوى محاربة التطرف أو الأصولية، تلك أكاذيب مفضوحة. لو كان هؤلاء فعلا صادقين لرأيناهم على الأصل يقفون إلى جانب بعض القضايا المرتبطة بالدين والهوية، التي هي قضايا مندرجة تحت صلاحيات إمارة المؤمنين، لكنهم ضد كل شيء، وهذا كاف، ولن أفصل فيه.

بعدما أصدرت بيانا في النازلة حصل تعاطف واسع من قبل مجموعة من أصدقائك ومتابعيك داخل المغرب وخارج المغرب، ومن جنسيات غير مغربية، هل كنت تتوقع حجم التعاطف معك؟ وكيف كان شعورك؟

حقيقة لم أكن أتوقع كل هذا الحجم من التعاطف الكبير، ومن شخصيات وأصدقاء محترمين فعلا وأنقياء، وهذا ما يزيدني شرفا، وما زادني شرفا أن الذين التزموا الصمت حيال ما تعرضت له أبانوا أنهم إما من الجبناء أو من الحاقدين أو ممن لا قضية لهم لا في الثقافة ولا في السياسة والفكر.

لنقلها بصراحة، لا توجد في المغرب تقاليد فكرية على الإطلاق، أقول وأكرر على الإطلاق. والمثقفون الذين ينتمون إلى الجيل السابق على جيلي لم يؤسسوا لهذه التقاليد، بل كرسوا التمييز والعنجهية والتعالي على الشعب والنزعة البورجوازية، وكرسوا العصبية الحزبية فنقلوها إلى الثقافة فكرسوا العصبية الثقافية، والأسماء معروفة سواء من الذين رحلوا أو من الأحياء.

إنك تسمع وترى الكثيرين يخطبون عن المثقف العضوي عند غرامشي، ولكنهم أول من يغدر بالمثقف ويتواطأ ضده، وهم رجال أقوياء عندما يتحدثون عن النقد الصارم لكنهم لا يستطيعون أن يدلوا بكلمة حق دفاعا عن الهوية أو دفاعا على الحق في ممارسة النقد، هؤلاء مثقفون يأكلون الخبز.

ـ هناك من يذهب إلى أن هناك صراعا بين تقدميين ومتنورين بالمغرب وبين محافظين وإسلاميين، وربما أنت واحد من الصنف الثاني، هل ترى أستاذ إدريس أن هذا الكلام صحيح؟

يجب أن نعيد النظر في المفاهيم، وهذه واحدة من الجبهات التي أكافح من خلالها وهو ما يزعج هؤلاء.

لا يوجد في المغرب تقدميون ومتنورون على الإطلاق، إلا نماذج قليلة ربما لكن لا تظهر كثيرا في الواجهة لأن الذين يحدثون الصخب والضجيج هم الذين يحتلون الساحة. التقدمي والمتنور لا يعيش على حساب الآخرين، التقدمي لا يعيش على الريع، التقدمي المتنور لا يعيش بشخصيتين، واحدة أمام الرأي العام وأخرى في البيت ومع الشلة الضيقة، التقدمي لا يُبلغ بخصومه، التقدمي لا يحارب هوية الشعب، ولا يأكل مما لم يتعب من أجله. المتنورون في أوروبا كانوا يعيشون على عملهم وليس على الريع أو على ما كسبوه مع الدولة التي يلعنونها صباح مساء، الذين في الجامعة كانوا يعيشون من أجرتهم كجامعيين فقط، وكانوا رجالا عاشوا معاناة، وواجهوا الجهات القوية حقا لا الحلقة الضعيفة كما يفعل هؤلاء الجبناء الذين يستأسدون على الضعفاء، إذا كانوا تقدميين فعلا فليتحدثوا عن رجال الأعمال مثلا، ألا يوجد في أي بلد سوى السياسيون والمتدينون؟ أين رجال الاقتصاد؟ لماذا لا يتحدثون عن كبار رجال الاقتصاد مثلا؟.

أما عن المحافظين والإسلاميين فهناك فرق، الإسلاميون ليسوا دائما محافظين والمحافظون ليسوا إسلاميين، العلماء في المغرب محافظون لكنهم ليسوا إسلاميين، المثقفون المحافظون في المغرب ـ وآن الأوان لكي يعبروا عن أنفسهم كتيار محافظ حقا وأن يعلنوا بأنهم الخط الثقافي والاجتماعي الأصيل الذي يمثل التنوير ـ ليسوا إسلاميين، بل قد تجدهم في الجبهة المضادة للإسلاميين وفي مواجهة معهم.

هؤلاء الذين يدعون التقدمية والتنوير لا يفهمون مثل هذه الخطوط المميزة بين التيارات داخل المجتمع، ويعتبرون أن أي شخص محافظ إسلاميا، وهذا غير صحيح.

مثلا أنا شخصيا عبرت مرات كثيرة عن مواقف معارضة للإسلاميين، مثلا في الموقف من السلفية الجهادية حذرت أكثر من مرة من أن يتدخل حزب العدالة والتنمية في الملف لأنه سيوظفه سياسيا ودينيا لصالحه وسوف يجردنا نحن كمجتمع إمكانيات التعامل مع هذا التيار.

في النقاش حول الحريات الفردية قبل أشهر رددت على عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح وقلت له إن الإسلاميين ليس لهم الحق في أن يعلنوا تنازلهم عن قضايا تهم الدين، لأنهم ليسوا الجهة المعنية بالموضوع، بل الجهة المعنية هي الدولة وإمارة المؤمنين.

ماذا يعني مثلا أن يتفق الإسلاميون والعلمانيون في المغرب على المساواة في الإرث على سبيل المثال، مراعاة للمصلحة السياسية أو للتعايش داخل الحكومة أو غير ذلك؟ هل معنى هذا أننا يجب أن نسكت؟ لذلك قلت في لقاء صحافي آنذاك إن الإسلاميين إذا فرطوا في قضية معينة فإن الشعب لن يفرط فيها.

طيب، كيف يمكن أن نتجاوز في المغرب هذه الاصطفافات، والتي غالبا ما نراها بعيدة عن الفكر والثقافة وتتوسل بطرق أخرى من أجل الإطاحة بالشخص المختلف فكريا أو ثقافيا، والثقافة هنا بمفهومها العالم Savante؟

الأمر اليوم في غاية التعقيد. أنا لست شخصا حالما أو يفكر على كرسي من الحرير. الأمر اليوم يتجاوزنا كمغاربة وعرب، هناك معركة حضارية كبرى لها عدة مستويات ولا يمكن فصل إحداها عن الأخرى.

الكنيسة العالمية تلاحظ أن سهم الإسلام في ارتفاع كبير في العقدين الماضيين، وهذا يجعلها تعد العدة لمعارك مقبلة وتضع مخططات لمحاربة الإسلام والمسلمين. علينا أن نلاحظ بأنه في حقبة الاتحاد السوفياتي كانت هناك الملايين من المسلمين تحت الحصار السوفياتي لا يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم كمسلمين، لذلك كانت مساحة المسلمين في حجم معين، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تحرر هؤلاء المسلمون وصارت لهم تعبيرات سياسية وثقافية ولغوية، فاتسعت مساحة الإسلام عالميا بهؤلاء، واليوم هؤلاء المسلمون بين معسكرين، إما إيران أو تركيا، وفي النهاية سيكونون في خدمة مشروع إسلامي.

مقابل ذلك إسرائيل اليوم في أعظم نجاح لها عبر التاريخ كله منذ ما قبل الميلاد. لم تنشأ في التاريخ كله دولة يهودية قوية كما هي اليوم، ربما ما عدا مملكة الملك داود، وإسرائيل اليوم حصدت هذا النجاح من خلال إعلان نفسها دولة يهودية، فانتهت تلك الأسطورة الغبية التي كانت تقول لنا إن إسرائيل دولة علمانية.

إفريقيا اليوم بدأت تتحرر من الهيمنة الأوروبية والغربية تدريجيا، وهذا يعني أنها ستتخلص تدريجيا أيضا من هيمنة الكنيسة الغربية، ويجب أن نعرف بأنه لأول مرة بعد قرون عدة تحول مركز الثقل في المسيحية إلى إفريقيا، فاليوم أكثر من 60 في المائة من المسيحيين يوجدون في افريقيا، والباقي موزع بين أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، يعني أن أوروبا بدأت تفقد مركزيتها كقارة مسيحية كما كان الأمر في الحروب الصليبية مثلا وفي غزو أمريكا.

اليوم أيضا هناك تحولات في العالم الإسلامي لأن المسلمين بدأوا يشعرون بهويتهم، وهناك جيل جديد من المفكرين والمثقفين يعودون إلى الأصول في الفكر والفلسفة والفن والسياسة والاقتصاد، والباراديغم الديني أصبح حاضرا بقوة، وما عزز ذلك فشل الإيديولوجيات السابقة كالماركسية والليبرالية ثم الإسلاموية، لأن النزعة الإسلاموية كرست الطائفية على حساب الانتماء إلى الأمة، وهذا الانقسام سيزداد استفحالا في السنوات المقبلة، لذلك نحن نرى اليوم فشلا للإسلاميين في العالم الإسلامي كله، بصرف النظر عما يتلقونه من ضربات من الاستعمار العالمي، لكن أنا أتحدث هنا عن الشعوب التي لم تعد ترفع الشعار الإسلاموي، ولكنها ترفع الآن ما هو أخطر، هو الشعار المسلم، وهو شعار موجه ضد جميع الإيديولوجيات بما فيها إيديولوجيا الإسلاميين.

ثم ما نسميه استقطابا في المغرب اليوم ليس استقطابا فكريا أو ثقافيا، بل هو استقطاب سياسي فقط، أما البهارات الثقافية على السطح فهي سياسة في ثوب ثقافي. فالذين يخوضون هذه المعارك ليسوا من المفكرين ولا من المثقفين الذين لهم هم ثقافي، أو لديهم مسار أكاديمي، أو لديهم إنتاجات وأطاريح فكرية، هم مجرد شرذمة قليلين مثل بعض الرواة الذين كانوا يحضرون سوق عكاظ وينقلون ما يقول الشعراء إلى قبائلهم عندما يرجعون. فإذا كان من حوار حقيقي فأنا أدعو المثقفين والمفكرين الحقيقيين إلى فتح نقاش وطني حول الهوية الدينية والوطنية في بلادنا، ومستقبل هذا البلد، وسد الطريق أمام طابور خامس يتشكل اليوم تحت أعيننا، وهذا لن يحصل إلا بأمرين: ثورة فكرية تنطلق من الجامعة، وثور إعلامية تنطلق من الإعلام.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي