شارك المقال
  • تم النسخ

إن تُبْدَ لكم تَسُؤْكم… الفـــــوز بالهزيمة!

      إن الوعي لا يمثل “عصا سحرية” لتحسس مواضع الفهم والبصيرة وحسب، بل أنه طريق مختصر يوصل الآدمي لفهم إخفاقاته، تماماً كما يفهم نجاحاته وذاته، وبالتالي فإن الوعي هو سبيل الاستسلام حين يكون ذلك الاستسلام من السلام والتسليم الواجب، سيما أنه من المفهوم والمعلوم، أن على الإنسان أن يرخي يديه، حين يقف أمام ما أوجده نفسه، وحيث يبدأ يتجه في “مسار” لم يخصص لوجوده فيه.

وقد ورد تعبيراً عن ذلك في أيما موضع عبر التاريخ، مدح “الصمت” حين يكون محموداً ومانعاً من الوقوع في جدال والتفكير فيما ليس من وراءه نفع، إذ أثر عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب قوله: ” لا تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ولا أمين الا من خشي الله تعالى، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله “، وأحسب أن السبر في الغيبيات مما لا يعني الآدمي، سيما حين يوقع في أمره ما لا يحمد عقباه، ولهذا عد الغزالي الصمت فضيلة، وأوصى به لقمان الحكيم. ومن أوتي الحكمة في هذا الصدد وغيره فقد أوتي خيراً كثيراً، وصدق الله العظيم.

وليس هذا فحسب، فالعقل والقدرة الإنسانية في باب الإدراك تقف عاجزة على العديد من “أبواب الوعي”، كعدم قدرتها على فهم ما يسمى ب: “فهم الاتحاد والحلول”، التي تتحد وقول الحلّاج: “أنا من أهوى ومن أهوى أنا”، التي تسير بنا لمسارات متقدمة في التصوف ذات التأثر بغيرها من المحاولات الفلسفة كالغنوصية والمسيحية. كما تعجز ملكات العقل عن تفسير تفاصيل بحد ذاتها كخلق السماوات والأرض في ستة أيام بالتحديد، وماهية تلك الأيام وكيفيتها، وما إلى ذلك.

وفي حين أن العقل عاجز عن إدراك الذات الإلهية، أو كما يصف ابن العربي قائلاً: “واعلم يا أخي أن العقول بأسرها قد علمت بقصورها وجهلها بحقيقة ذات باريها”، وبالتالي فلا بد من وعي لقصور القدرة الذاتية، ووجود ما يتعسر مناله، واستثمار ذلك في تحويل وتركيز الطاقة “العاقلة”، والواعية في المجالات التي تعود عليه بالفائدة.

وهذا لا يتوقف عند ذات الإله سبحانه وتعالى، بل إن الوعي بوجود حدود تحول دون اختراق الإنسان ذلك الفضاء الروحاني بتفاصيله بات واجباً في عالم وواقع يحتشد بادعاءات عكس ذلك، سلبت من العقول وأصحابها الكثير من الجهد والوقت، وأهدرت من أعمارهم دهوراً (نظراً لغلظ تحريمها)، في الجري خلف العدم، و”الوهم”، على الرغم من وجود ما يريح البال والخاطر من كل تلك التراهات، ويأخذنا لعوالم من السلام، في الكتاب الكريم (القرآن)، ومنه ما ورد في قل الحق: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، فمختصر كل ذلك الضيق موجود في فسحة طمأنينة قول الحق سبحانه وتعالى، فأي عناد يقبع في منتصفه الإنسان وفي نفسه معرفة غضة وآكدة على جهله؟ وكما يقول ابن العربي: “وعلمت ما تقول وما يقال لك ورزقت الفهم عن كل شيء وأنكرت المعروف وعرفت المنكور … وكنت أعلم الخلق بأنك أجهل الخلق ولم يبق لك من الهجر إلا رب زدني علما…. فيه تحيى وتموت….. “، وبالتالي فإن الإنسان حين يفوز بهزيمته “الراضية” بخسارة العناد النابع من الحمق يكون قد تجاوز مسارات طويلة في كسر غربته عن نفسه، وإن الوعي سبيل ممهد للاستسلام ….. هناك بين يدي الطمأنينة والسعادة القصوى، النابعة من الاعتراف بقصور القدرة الإنسانية، وعظم الإحاطة والحول الربّاني.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي