شارك المقال
  • تم النسخ

هجرة قبل الهجرة

معظم الشباب يضيع وقته للعيش وفق ما يمليه عليه نظام اجتماعي معين،كأن ينتظروا الدولة أن تفتح لهم أبواب الوظائف المريحة او ينتظرون ترِكة اجدادهم لتُقسَّم عليهم فيأخذ كل حظه منها.. ولكنهم يغفلون عن الانضباط على قوانين الوجود والسنن الكونية ليعيش كل فرد تجربته في الحياة على حدى ويعطي لنفسه حقا لصناعة مجده الخاص بنفسه..

إن غفلة الشباب عن التأمل فيمن كانوا قبلهم وأفنوا شبابهم وهم ينتظرون أن تتحقق مطالبهم وأحلامهم بنفس الطريقة التي ينجرفون خلفها الان لأمر مؤسف ، فغالبا ما رحل هؤلاء الاوائل عن الدنيا ولم تتحقق لهم تلك المعجزات.

عدد قليل من الناس الذين فطنوا أن النجاح هو صناعة شخصية فردية عميقة؛ يقوم بها الانسان وفق تجاربه الخاصة التي عاشها في واقع ما؛ عندما أحسن فهمه وعرف كيف يقوم بتفكيك الشيفرة للخوض في غمار ذلك العالم الجديد ..

لكلّ عصر خصائصه الواقعية التي يجب ان يتعلمها الانسان ليثبت وجوده ونجاحه فيه.. والشباب الحالي لا يمكنهم ان يدركوا الواقع بدون ان يتعبوا على انفسهم لتعلُّم التخصصات التقنية التي تحاكي التكنولوجيا المعاصرة كمجالات الهندسة والحواسيب او التعب على دبلومات مهنية مطلوبة لإيجاد وظيفة مع شركة ما او البداية بمشروع صغير خاص ..

على سبيل المثال في ريف المغرب.. كل فصل صيفٍ إلا ويكثر الحديث عن الهجرة الغير الشرعية إلى يومنا هذا فتكثر معها الاخبار المفجعة، ففي كل صيف هناك عشرات من شباب المنطقة يعبرون البحر إلى الضفة الأوروبية وهم بين غريق وناجي.. فالغريق يفجه أمه واهله فيه والناجي يصل إلى الضفة الأخرى ليكمل حياته في الغالب في المحن والمعاناة مع الأعمال الشاقة في أوروبا؛ التي يتهرب منها الأوروبيون لمشقتها كالعمل في الشركات التي تعتمد على حمل الأثقال او الزراعة والفلاحة .. الان السؤال الذي يطرح نفسه: هل يشقّ هؤلاء الشباب البحر ويغامرون بأرواحهم من أجل إفناء أعمارهم وصحتهم في أعمال شاقة كهذه؟ هل هذه هي الكرامة الإنسانية التي ينشدونها ؟!

مايزال شباب الريف يهاجرون هجرة غير شرعية كل صيف على الطريقة التي هاجر بها من قبلهم منذ عقود، سواء عن طريق شراء قارب يشترك فيه عدد من الاشخاص، او عن طريق التهريب من قبل تجار البشر؛ تعددت الطرق والنتيجة واحدة. يصل الشباب إلى العالم الأوروبي ليصطدموا بعصر تغيرت معطياته جذريا ولم يعد كل الشباب صالحون للعمل والنجاح فيه ، حتى وإن كان هؤلاء الشباب من سكانه الأصليين إذا لم يكونوا يملكون دبلومات وتخصصات تحاكي هذا العصر! فلو أن هؤلاء الشباب صرفوا تلك الأموال التي يقترضونها لدفعها لهؤلاء المهربين على تكوينات مهنية ويتعلموا إلى جانب ذلك لغة معينة لكان حظهم في الهجرة الشرعية أوفر بكثير وبالتالي فرص عملهم ستكون مرتفعة جدا عوض هذا التحرك الغير المدروس والمدعوم بخطة معينة !

لربما لن يبقى هناك داعي للهجرة؛ إذا ما كوّن الشاب نفسه وخاض في ميدان العمل، عندها قد ينتقل بنفسه من وضع مادي مزري إلى وضع أفضل في بلده، وبذلك يكون أيضا يسهم في تطوير وبناء وطنه أوتوماتيكيا ولربما يكون هو السبب لخلق عدد من الوظائف والمهن لفريق من الشباب الذين قد يشتغلون بجانبه فينقذهم من معاناة البطالة هم أيضا.. وقد تكون الهجرة من أجل العمل صالحة أحيانا لتعلم الخبرة في مجال ما وإتقانها والعودة بها إلى الوطن لبنائه والإسهام في خلق فرص العمل للمحتاجين من أبناء البلد؛ كما يفعل الأتراك على سبيل المثال ممّن بدؤوا تأسيس أعمالهم في ألمانيا وغيرها ثم عادوا لوطنهم بالخبرات والمهارات المهنية ووظفوها في وطنهم الأم.. فأين العباقرة المغاربة وأين أصحاب الأموال ورجال الأعمال ممن يسهمون بعقولهم وأموالهم وتجاراتهم في بناء مجد غيرهم وتركوا وطنهم يهب فيه الريح وينعق فيه الغِربان.. من يعود؟!

قبل عدة ايام تكلمت مع شابة فرنسية في مقتبل العمر من أصول ريفية مغربية، تشتكي الحياة في فرنسا وأنها لم تعد صالحة للعيش وأن فرنسا اصبحت ضد المسلمين والمحجبات بالخصوص، وأنها تفكر في العودة إلى المغرب أو العيش في بلد عربي معين .. فلمّا سألتها عن دراستها وتخصصها قالت انها تركت دراستها قبل المرحلة الجامعية.. وُلِدت بفرنسا ولكنها لم تكمل دراستها بسبب انها كانت تشتغل في اي محل تجاري او فرن او اي عمل يمكنها من الحصول على المال، وهذا ما كان يأخذ معظم وقتها، والان لما انطوى ذلك الزمن وتغير العصر وأدركتنا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؛ قَلّت فرص العمل او اصبح لها شروط معينة كخلع الحجاب وغير ذلك. فدخلت في البطالة والاكتآب واصبحت ترى الدنيا مسودة حولها..

فكل ما لديك أيها الشاب هو هذه اللحظة الوحيدة فقط، ليس لديك غيرها. إما أن تقضيها في تفكير ومعاناة أو تقضيها في حضور صناعة الذات وتكوينها لتكون مؤهلا في الغد لإيجاد فرصة عمل ما..

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي