شارك المقال
  • تم النسخ

لتجنب الأسوء.. ما هي الخيارات الممكنة لمواجهة ندرة الموارد المائية في المغرب؟

يعيش المغرب على وقع تراجع ملحوظ وخطير في موارده المائية سواء تعلق الامر بالموارد المائية السطحية أو الباطنية ويعزى ذلك بالأساس الى التغيرات المناخية التي يعرفها العالم وارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل كبير، ناهيك عن عوامل أخرى ترتبط بسوء التدبير والاستغلال المفرط لهذا المورد الحيوي.

الموقع الجغرافي للمغرب في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط حيث الجفاف يعتبر السمة البارزة للمنطقة أدخل البلاد ضمن المجالات التي تعاني من الاجهاد المائي، وهذا معناه أن المغرب تعدى مرحلة الندرة المائية الى مرحلة أخطر وأصعب تنذر مستقبلا بأزمة عطش قد تضرب العديد من الحواضر والقرى المغربية.

ففي الوقت الذي بلغ فيه متوسط الموارد المائية 22 مليار متر مكعب ما بين 1940 الى اليوم، انخفض هذا الرقم الى 14 مليار متر مكعب ما بين 1980 إلى اليوم، ثم إلى 7 مليار متر مكعب فقط خلال سنة 2019. هذه الأرقام الصادمة والمزعجة تبين بالملموس التراجع المهول في حجم الموارد المائية، ويزكي هذا التراجع حصة الفرد من المياه حيث تراجعت الى ما دون المستوى العالمي 1000 متر مكعب، وتبلغ حاليا ما يقارب 600 متر مكعب، لا بل تنخفض إلى حدود 300 متر مكعب فقط في بعض المناطق وخاصة بالجنوب والشرق والجنوب الشرقي.

كما تراجعت نسبة ملء السدود بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة حيث انتقلت هذه النسبة مثلا من حوالي 62 % سنة 2018 الى 34 % سنة 2021 و12.7 %حاليا. هذا التراجع ليس وليد الظرفية الحالية بل هو تراجع مستمر وممتد عبر الزمن مما يجعل منه ظاهرة بنيوية يجب على المغرب أخذها في الحسبان والتعامل معها بكل واقعية ومسؤولية.

ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن هذه الموارد تتوزع مجاليا بطريقة غير متكافئة، حيث نجد أن معظم هذه الموارد مركزة في 7% من التراب الوطني أي أن أكثر من 50 % من الموارد المائية توجد بشكل أساسي في أحواض بعينها كحوض اللكوس وسبو.

ما يبعث على القلق والتخوف أكثر هو أن بعض التوقعات الرسمية تشير إلى أنه في حدود 2050 سيفقد المغرب حوالي 30% من موارده المائية مما يعني أن الوضعية المائية مقبلة على مزيد من التفاقم خلال السنوات المقبلة مع العلم أن الطلب على المياه يتزايد يوما بعد يوم وحجم الاستهلاك في ارتفاع مستمر سواء تعلق الأمر بالاستهلاك المنزلي أو الفلاحي أو السياحي أو الصناعي أو غيرها.

ورغم قتامة الصورة فإن هناك مجموعة من الإجراءات والحلول التي يمكن للمغرب اللجوء إليها رغم صعوبتها لمواجهة هذه الندرة المزمنة في موارده المائية، ومن هذه الإجراءات نذكر ما يلي:

  • مواصلة الانخراط في سياسة بناء السدود كخيار استراتيجي لتعبئة الموارد المائية وحمايتها من الضياع، فالمغرب كما هو معلوم بذل منذ ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم مجهودات كبيرة في هذا الاتجاه مكنته من النجاح في تعبئة كميات مهمة من موارده المائية حيث يتوفر المغرب حاليا على حوالي 149 سد كبير و15 سد قيد الإنجاز بالإضافة إلى 136 سد صغير. هذه المجهودات الهامة يجب تثمينها وتعزيزها وتقويتها لضمان تعبئة أكبر وأوفر للموارد المائية.
  • الاهتمام أكثر بتحلية مياه البحر حيث يتوفر المغرب حاليا على 9 محطات للتحلية أبرزها محطة شتوكة آيت بها بمنطقة سوس والتي تعتبر واحدة من أكبر المحطات على الصعيد الافريقي. تطوير عملية التحلية وتوسيعها من شأنها أن تساهم في ضمان تزود آمن بالماء الصالح للشرب للمدن الساحلية.
  • اعادة النظر في بعض الخيارات الاقتصادية التي تم اعتمادها كدعامة أساسية للنسيج الاقتصادي الوطني وخاصة قطاع الفلاحة حيث يجب التخلي نهائيا عن بعض المنتوجات الفلاحية التي تستهلك كميات مهمة من المياه وتعويضها بمنتوجات أقل استهلاكا للماء وتوسيع عملية السقي الموضعي على حساب السقي السطحي. كما يجب تقنين وترشيد استعمال المياه في القطاع السياحي بشكل يقلل من تبذير هذا المورد الهام ويحافظ على استدامته.
  • المحافظة على الفرشة المائية الباطنية باعتبارها مخزونا استراتيجيا لا يمكن اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة القصوى وذلك بتقنين وتنظيم عملية الاستفادة من هذه الفرشة وزجر كل المخالفات التي من شأنها تعريض هذا المخزون لخطر الاستنزاف.
  • نشر ثقافة الاقتصاد في استهلاك المياه في جميع القطاعات وذلك من خلال تنظيم حملات تحسيسية لتوعية المستهلكين بخطورة الخصاص المائي الذي يعانيه المغرب وبضرورة اقتصاد الاستعمال والتعامل العقلاني مع هذا المورد الطبيعي الهام.
  • تطوير وتوسيع تقنية الاستمطار الصناعي التي بات المغرب يلجأ إليها في بعض المواسم الجافة والتي تؤدي إلى تساقط الأمطار مما ينعكس إيجابا على الموارد المائية السطحية ويساهم في تغذية الفرشة الباطنية.

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي