شارك المقال
  • تم النسخ

الوجود الحق بين التشبيه والتنزيه

الله سبحانه وتعالى هو المنزه عن الحلول في الحوادث والموجودات وكيف يكون  ذلك وهو خالقها ، وبائن عنها  فهو خالق المكان والزمان  فلا يمكن أن يحتوياه، أو  يحداه  فسائر الموجودات ، لا تحل فيه  لأنها مجرد ظلال  ليس لها وجود على الحقيقة ، وهو محايث لها بائن عنها مسيطر عليها من كل الجهات ، فالعالم ظلاله وأسماؤه ،فالكون كروي لا يستقيم معه قول التحت والفوق ، فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.

  ولذلك فوجود العالم  إنما هو وجود. وهمي حكمي قائم  بالوجود الحقيقي  لله  لأنه الى الفناء والعدم سائر، ولذلك  فهذا الكون قائم به وليس قائم بذاته ،ولذلك فهو لا يحده، من أي جهة بأي شكل من الأشكال ، وهو الحي القيوم بمعنى أنه لا يجوز عليه العدم والفناء والموت،  وهو السميع لا كسمع المخلوقات بأذن والبصير  لا  كبصر العيون  المحتاجة إلى النور وهو المتكلم لا بلسان ، القادر قدرة مطلقة وكيف يجوز  عليه  مشابهة المخلوقات وهو ليس كمثله شيء،  لا يتصور  فيه القعود ولا الجلوس ، والنزول  والصعود ، والحركة والانتقال من مكان الى مكان  لأنه إذا تحرك كحركة المخلوقات.

لم يكن في المكان الذي كان فيه ، وامتلأ به المكان الذي انتقل إليه ،وذلك محال في حقه وهو القائل  وهو معكم حيثما كنتم ، والقائل وهو أقرب اليكم من حبل الوريد كما أنه يستحيل  في حقه الجلوس  والوقوف والعقود لأن الجلوس لا يكون. إلا للأجسام  بقصد  الاستراحة بعد التعب  وذلك محال عقلا ومنطقا في حق ذات الله، أما الاستواء فإنما هو. إشارة للملك والتمكن والاستيلاء. والسيطرة  أما اليد  والوجه والساق فننبثها  لله كما أثبتها لنفسه على وجه يليق به   دون أن نتخيلها جوارح ،جسدية كجوارح المخلوقات ، وإنما نأخذها على معاني القوة والبطش والجد. والصمدية والقيومية ، فالله  تعالى  مطلق العقل والحكمة يخاطب المكلفين بما يستطيعون عقله وفهمه ولا يأمر بمستحيل  كما أنه لا يمكن أن يخاطبنا بغير معقول وإن كان قادرا  على. فعل  كل شيء    ،لانه  تعالى  عن ذلك لا يسقط في التناقضات والمفارقات ، ولا يحطم قوانينه  الطبيعية والفزيائية   والقيمية، وإن كان قادرا  على ذلك  فهو  مثلا وإن قادر  لا يمكن أن يعدم ذاته  تعالى  ذلك علوان كبيرا   ولأنه هو من جعل لنا العقل ميزان للتفرقة بين الخير والشر ، وكان هو مناط التكليف ، كما أنه هو من خلق الأفعال والأعمال وبث فينا الإرادة. لكسبها.  ومنحنا الحرية في  الاختيار ، حتى يميز الخبيث عن الطيب والمؤمن عن الكافر ،  وحتى يصح  القسطاس المبين  وتتحقق،العدالة الإلهية ، يوم الحساب العظيم،  ونعتقد كذلك أن كلام الله الذي أوحى به لرسوله قديم ، من حيث معناه لكنه مخلوق بكلماته وألفاظه ، فالقرآن  المبثوث  في القلوب والصدور  قديم  والمنطوق بلسان النبي مخلوق  والمقروء بالأصوات  مخلوق من الله على لسان كل قارئ  وهذا مذهب الامام البخاري  حين قال لفظي بالقرآن مخلوق، ولهذا السبب تعرض للمحنة ونفي   حتى مات.

أما السلفية  من  البلهاء المعتوهين المشبهة والمجسمة ،فيأخذون الكلام على ظاهرة  وإن أدى قولهم الى جعل الله صنما ووثنا كبيرا في السماء. يجلس على كرسي كما يجلس الملوك ، تعالى الله عن ما يتصورون، والحال أن ما ردت  في آيات التشبيه إلا لتقريب المعنى الأذهان وقد حار في ذاته الحائرون، وتاه التائهون.

وقد قال الشيخ ابن عربي قدس الله سره:(اعلم أن المطلب الأهم عند مريد المعرفة الإلهية هو صرف الهمة إلى تحقيق الوجود والتحقق به في الشهود إلى أن بتجرد عن ملابس الصور الحسية والعملية والخيالية تجردا أصليا  لا تجردا عارضيا فيكون كما هو كائن  أزلا وأبدا  وهذا باب المعرفة يدخل منه المريد الوفق الى بيت  العرفان ، ومقام الإحسان …واعلم بأنك إذا سمعتنا نقول، إن الوجود هو. الله تعالى فلا تظن أننا نريد بذلك. أن الموجودات هي الله تعالى سواء كانت الموجودات معقولات أو محسوسات، وإنما نريد بذلك أن الوجود. الذي قامت به جميع الموجودات هو الله تعالى.  

ولذلك قال أحد. العارفين:

كل ما في الكون وهم وخيال // أو عكوس،أو مرايا أو ظلال

وخير ما نختم به في هذه المسألة ما قاله الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر :(وبالجملة،فالقلوب به – تعالى- هائمة ،والعقول فيه حائرة ،يريد العارفون أن يفصلوه تعالى بالكلية عن العالم من شدة التنزيه فلا يقدرون، ويريدون أن يجعله عين العالم من شدة. القرب فلا يتحقق لهم ، فهم على الدوام متحيرون ،فتارة يقولون هو ، وتارة  يقولون ما هو ؟ وتارة يقولون هو ماهو ؟ وبذلك ظهرت عظمته تعالى .

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي