شارك المقال
  • تم النسخ

الجزائر تتحرك من أجل فكّ عزلتها في منطقة الساحل بوعود شراكة محدودة

في أول جولة خارجية له منذ تعيينه وزيرا للخارجية الجزائرية، اختار أحمد عطاف التوجه إلى دول الساحل الواقعة على الحدود الجنوبية مع بلاده، في مسعى من الجزائر لإخراج نفسها من العزلة ومنافسة حضور المغرب القوي في أفريقيا خاصة في غرب القارة وجنوبها.

يأتي هذا في وقت تلوح فيه الجزائر باستثمار مليار دولار في مشاريع “تضامنية” في أفريقيا، وهو رقم يقول مراقبون إنه لا يقدر على تحسين واقع دولة واحدة من الدول التي زارها عطاف، وهو ما يظهر أن الجزائر تنظر إلى الدعم الاقتصادي بمنظور أقرب إلى الإكرامية أو شراء المواقف وليس كاستثمارات بعيدة المدى تؤسس لشراكات وتحالفات تنعكس إستراتيجيا على علاقاتها الأفريقية كما يفعل المغرب.

وكثّف المغرب، منذ سنوات، تواجده في عدد من الدول الأفريقية من خلال مضاعفة الاستثمارات والاتفاقيات. وقام العاهل المغربي الملك محمد السادس بسلسلة من الجولات للدفع بالتعاون الأفريقي إلى الأمام، في إطار المعادلة الاقتصادية رابح – رابح، والتي تنهض على رؤية إستراتيجية، عمادها نسج الشراكات القوية بين المغرب ودول أفريقية.

وبدأ وزير الخارجية الجزائري جولته الخارجية من موريتانيا في الخامس والعشرين من أبريل المنقضي، وختمها في النيجر يوم السابع والعشرين من أبريل قادما إليها من مالي، حيث سلم زعماء الدول الثلاث رسائل من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

ويرى المراقبون أن الجزائر لا تنظر إلى دول الساحل والصحراء كشركاء إستراتيجيين، ولكن كحزام أمني وعسكري لحماية أمنها القومي ولعب دور الشرطي في مواجهة أنشطة التنظيمات المتشددة وشبكات التهريب وموجات الهجرة غير النظامية، ومن دور حضور أمني وعسكري جزائري لمساعدة هذه الدول في مهمتها الصعبة، أي أنها تريد حربا بالوكالة مع دعم محدود.

ومن شأن هذه المقاربة التي تريد تحصيل مكاسب دون استثمارات ولا إنفاق أن تهز ثقة محيط الجزائر فيها وأن تفقد الدبلوماسية الأوراق الضرورية التي تناور بها مع المغرب.

وترك انسحاب القوات الفرنسية من مالي فراغا أمنيا في المنطقة، تحاول الجزائر ملأه على طريقتها، من خلال إحياء مجموعة دول الميدان، التي تضم كلا من موريتانيا ومالي والنيجر، وهي الدول التي زارها وزير الخارجية الجزائري الجديد.

وتعمل الجزائر على تطوير آلية عمل مجموعة دول الميدان، فبدلا من الاكتفاء بالتنسيق الأمني والعسكري على الحدود المشتركة، سيتم تحريك دوريات مشتركة على الحدود، على الطريق السودانية – التشادية وأيضا بين السودان وليبيا، خاصة بعد أن تحرر الجيش الجزائري من نص دستوري يمنعه من القيام بعمليات عسكرية خارج الحدود.

ولم يكن التنسيق الأمني والعسكري بين دول الميدان كافيا، في ظل ضعف القدرات العسكرية لجيوش المنطقة، وهذا ما يحتم على الجزائر مضاعفة نشاطها العسكري على الحدود المشتركة مع كل من مالي والنيجر وموريتانيا. ولا يعرف مدى استعداد الجزائر لتقديم الدعم الميداني لهذه الدول، وخاصة مالي، في مواجهة أنشطة المتطرفين، أم أنها ستكتفي بمطالبتها بحماية الحدود بقطع النظر عن مآل الحرب مع هذه الجماعات التي تحقق مكاسب ميدانية كبيرة في المنطقة.

لكن الجانب العسكري يجب أن يكون مرفوقا بمساعدات اقتصادية ومشاريع تنموية لمساعدة السكان المحليين على الاستقرار في مناطقهم، فليس غياب الأمن فقط ما يدفعهم إلى الهجرة نحو الشمال، بل أيضا الفقر وغياب التنمية والجفاف الناتج عن الاحتباس الحراري.

خصصت الجزائر مليار دولار كمساعدات تنموية للدول التي تطلبها، وعلى رأسها دول الساحل المجاورة، وأيضا تسريع المشاريع التكاملية على غرار الطريق العابر للصحراء، وخط الألياف البصرية المرافق له، ناهيك عن أنبوب الغاز العابر للصحراء، وطريق معبد بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية.

ويعتقد المراقبون أن الجزائر لا تبدو جدية في تنفيذ هذه المشاريع لأن استثمار مليار دولار لبناء الثقة مع شركائها يكشف عن سوء في التقدير أو استهانة بحاجيات جيرانها الجنوبيين، وهو لا يكفي كحد أدنى للمساعدة الأمنية التي تطلبها الجزائر، فضلا عن بناء شراكات اقتصادية.

وتحاول السلطة الجزائرية استدراك الفراغ الذي ورثته عن الخيارات الدبلوماسية السابقة، الأمر الذي كلفها فقدانها لنفوذها داخل القارة خلال السنوات الأخيرة في مقابل نجاح المغرب في كسب ثقل أفريقي داعم لمقاربته لحل أزمة الصحراء وعزل الجزائر وجبهة بوليسارو الانفصالية.

وطغى الجانبان الاقتصادي والأمني على زيارة عطاف لموريتانيا، نظرا للتهديد الأمني الذي يواجهه تجار البلدين على الحدود.

وسعي الجزائر لتوسيع تجارتها الخارجية نحو دول غرب أفريقيا، يمر عبر البوابة الموريتانية، لذلك كانت موريتانيا أول دولة يزورها عطاف، منذ تعيينه على رأس الدبلوماسية الجزائرية في السادس عشر من مارس الماضي.

وخلال لقاء عطاف بالرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، تمت الإشادة بـ”الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات الثنائية، وما أفضت إليه الدورة الـ19 للجنة المشتركة الكبرى، التي عقدت آخر اجتماع لها في نواكشوط في سبتمبر 2022، من نتائج تفتح آفاقا واعدة نحو تحقيق شراكة إستراتيجية، تقوم على مشروعات اقتصادية مهمة”.

وعلى رأس هذه المشاريع مباشرة عملية فتح بنك جزائري في نواكشوط، وإقامة معرض دائم للشركة الجزائرية للمعارض والتصدير، واستغلال حصص الصيد البحري المتاحة من طرف موريتانيا للجزائر، ناهيك عن مشروع الطريق بين مدينتي تندوف والزويرات، وفتح معابر حدودية.

يشار إلى أن يقين الجزائريين من استحالة الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي بعد سيطرة المغرب على معبر الكركرات، أجبرهم على اللجوء إلى خيار الطريق البري من داخل موريتانيا، وهو طريق طويل وغير آمن لم تكن الجزائر تتحمس له، لكنها اضطرت في الأخير إلى الاتفاق مع موريتانيا على الاستعداد للشروع في إنجازه.

وتسعى الجزائر إلى استعمال هذا الطريق لتصدير منتجاتها إلى دول غرب أفريقيا عبر موريتانيا، في مسعى لمنافسة المغرب على المكاسب التي حققها في هذه المنطقة، خاصة بعد أن مكنته سيطرته على معبر الكركرات من تأمين عبور الشاحنات إلى موريتانيا ثم نحو أفريقيا.

وتعتبر مالي أقل دول الجوار الجزائري استقرارا، لذلك جاءت زيارة عطاف إلى هذا البلد لإنقاذ “اتفاق الجزائر” بين الحكومة المركزية وجماعات الطوارق، التي لوحت بالانسحاب منه، نظرا لعدم التزام باماكو بتنفيذ بنود الاتفاق الموقع في 2015، خاصة ما تعلق بإدماج المقاتلين الطوارق في الأجهزة الأمنية والعسكرية للبلاد.

وانتزع عطاف وعدا من طرفي النزاع بالالتزام بـ”اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر”، وفق ما أكده بيان للخارجية الجزائرية.

وتنظر الجزائر إلى هذا الاتفاق على أنه تأكيد لفاعلية دبلوماسيتها، لكن هذا الاتفاق ظل حبرا على ورق خاصة بعد أن دخلت فرنسا على خط الأزمة المالية، ثم تدخلت روسيا لاحقا عبر مجموعة فاغنر لدعم النظام العسكري الحالي. كل هذا أفرغ المبادرة الجزائرية من محتواها وجعل الوضع في مالي بعيدا عن تأثيرها بالرغم من التصريحات الجزائرية المتكررة عن اتفاق 2015.

وكان أمن الحدود الجزائرية المالية أيضا هدفا رئيسيا من زيارة عطاف لباماكو، في ظل انتشار الجماعات الإرهابية في شمال مالي قرب الحدود مع الجزائر، التي تسعى لتعزيز التنسيق الأمني الثنائي أو بإشراك أطراف أخرى ضمن دول الميدان، على غرار لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC).

لكن لم يشر بيان الخارجية الجزائرية إلى تسيير دوريات مشتركة على الحدود، بالنظر إلى عدم تواجد لقوات مالية على الحدود مع الجزائر، رغم انسحاب قوات برخان الفرنسية منها، ما يجعل الوضع الأمني على الحدود هشا ويمكن أن يجلب متاعب إضافية للجزائر.

وفي النيجر، كان الملف الأكثر أهمية الذي بحثه عطاف مع رئيس النيجر محمد بازوم وكبار مسؤولي البلاد، هو ملف الهجرة.

وأصبح تدفق المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء إلى الجزائر يثير قلق البلاد، خاصة مع انتشار الجريمة المنظمة وتهريب السلاح والمخدرات على الحدود، ناهيك عن تحركات عناصر إرهابية في الصحراء الكبرى، ما يهدد أمن البلدين والدول المجاورة.

تسعى الجزائر لتطوير التنسيق الأمني بين البلدين ليشمل تحريك دوريات عسكرية مشتركة على الحدود، لمواجهة الجماعات المسلحة وعناصر الجماعات المنظمة، خاصة في وجود تقارير غير رسمية تتحدث عن تحرك عناصر قبلية من مالي والنيجر للمشاركة في القتال بإقليم دارفور غربي السودان إلى جانب قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

(العرب)

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي