شارك المقال
  • تم النسخ

التغير الاجتماعي.. مشكلة مؤسسات التنشئة

يعيش المجتمع كباقي دول العالم ما يعرف بمفهوم التغيُّر الاجتماعي الذي عرّفه عالم الاجتماع البريطاني “غيدنز” أنه تلك الفترة التي تعيش فيها المجتمعات نمط التغيّر السريع في مختلف هياكلها المؤسساتية، الاقتصادية، الثقافية و الاجتماعية ما يؤدي بالضرورة إلى خلق شروخ واسعة في المنظومات المركزية بها كالثقافة و القيم.

لا مندوحة أن أهم المؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن التربية هي الأسرة و المدرسة حيث أن عالم الاجتماع الفرنسي ايميل دوركايم عبر بشكل صريح في كتابه التربية أن المدرسة و الأسرة لهما دور نقل القيم و الممارسات و العادات المتواجدة لدى الكبار إلى الأجيال الصاعدة في المجتمع عبر فعل التنشئة، و يرى غيدنز أن العائلة هي مجموعة من الأفراد المرتبطين فيما بينهم مباشرة بصلات القرابة و يتولى أعضاؤها البالغون مسؤوليّات تربية الأطفال، غير أن هذه الأخيرة، لم تعد تلعب دورها الريادي في مساعدة المدرسة للقيام بالتنشئة.

ففي ظل الانحباس القيمي و تعرض المجتمع لموجات التغير المستمر المفروضة بعوامل العولمة أصبحت المدرسة تسائل الأنماط المعتادة للتنشئة الاجتماعية و تثير المخاوف لدى الأولياء حول اللايقين الذي يلقي بثقله على مستقبل المجتمع، حين اكتفت الأسر فقط بالسعي لرفع من مستوى الدخل و تحسين ظروف العيش في إطار الاهتمام أكثر بالأنشطة الاقتصادي و مواجهة التضخم، والظفر ببعض الامتيازات المادية مقابل التنازل على الأدوار التربوية والقيمية لها بالمجتمع.

و لعل من نافل القول أن نشير أن اللامبالاة و الهروب من وزر المسؤولية و الاحتجاج باستحالة الفعل عناوين كبير لطُرق تدبير الأسر لردات الفعل السلبية الناتجة من الأجيال الصاعدة، فعلى النقيض من التمثل الشائع بآن الأسر تبتكر استراتجيات فعالة لردع السلوكات الغير المقبولة، نجدها تتخلى عن أدورها الاجتماعية وتوكلها بشكل ضمني للمدرسة.

ما أنتج مجموعة من الاضطرابات على المستوى التفاعلي و التواصلي بين المؤسستين ، حيث أصبحت التفاعلات البنذاتية المبنية من الأولياء داخل حقل التربية تُحمل أعباء عدم نجاح التلاميذ و تغيباتهم و سلوكتهم الغير المقبولة إلى عدم اشتغال المدرسة بالقدر الكافي، حين تقف المدرسة في حيرة حول هل تقدم التنشئة الاجتماعية الأولية أم تنصبُ إلى التركيز على الأدوار المنوطة بها تربويا و معرفيا، فقد أصبح الأولياء في السنوات الاخيرة يطلبون من المدرسة أن تقوم بحل بعض مشاكلهم الأسرية و يعترف آخرون بعجزهم عن تقويض سلوكات الأبناء و حثهم على التمدرس و الدراسة.

من زاوية أخرى، خلف التغير الاجتماعي تمثلاث موحدة لدى غالبية الناشئة تقوم على عدم الوثوق في شعارات المدرسة و اعتبارها سلما للترقي الاجتماعي عبر الجد و المثابرة و التفوق الدراسي ، بل لا تترك غالبية التصورات المهيمنة على المدرسة أي هامش للتصديق عند التلاميذ، وينبع هذا الفهم من النمط الكوني السائد في المواقع الافتراضية التي نابت عن دور الأسرة و المدرسة في خط مسارات التنشئة ، حيث أصبحت الهوية المفروضة على الأجيال الصاعد من تلك المواقع بالضرورة، منتجة لواقعهم المعاش و متحكمة في النموذج القدوة لديهم . فلا يمكننا اقناع الناشئة اليوم بأن المدرسة سبيل للنجاح المجتمعي و هم يشاهدون أغلبية صانعين المحتوى في البلاد لا يتوفرون على شواهد أو دبلومات و لم يواصلوا دراستهم إلى مستويات عليا، بل على العكس، منهم من يتفاخر أنه لم يكمل حتى سنوات التمدرس الإلزامية و لم يحصِل الشواهد الأولية و تعود عليه هذه المنصات الافتراضية بالأموال الطائلة دون تأدية ضرائب أو الخضوع للقوانين و تنظيمات مؤطرة لأنشطته.

تتعدد الأسباب الثاوية خلف الحيثيات المصاحبة للتغير الاجتماعي في التأثير على منظومة القيم، و ما أنتجه من اضطرابات في علاقة المدرسة بالأسرة، و لا تني الصورة المرجعية اليوم عن إبراز عجز الأسرة و باقي المؤسسات في أن تكون مركز إدماج الناشئة في المدرسة، و بينما يسعى المجتمع لتعزيز سياسة التنمية الاقتصادية ، تكنس العولمة معظم الموانع القيمية و الأخلاقية عند الناشئة، ما يجعل المستقبل يحط المدرسة و الأسرة أمام تحديات تجعلهما عاجزتين على خلق الآثار القيمية و الأخلاقية التي أحدثتهما في السابق لدى الفرد الذي يعد الخلية الأساسية في المجتمع اليوم.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي