Share
  • Link copied

الأثر الاقتصادي لآفة التشهير الإعلامي

أنطلق في هذا المقال من موقع التحليل الاقتصادي، لأن هذا العبد الضعيف مختص في الاقتصاد على المستوى العملي والبحث الأكاديمي. ولذلك فإن ما أكتبه هو رأي وفق منهجية علمية وأخلاقية، وهو غير موجه لأي جهة ما إلا من اعتبر نفسه معنيا، أو جزءا من الممارسات التي ستكون موضوعا لهذه المادة، والتي ستحاول تفكيك ظاهرة يحاول البعض جعلها عادية ولايستوعب مخلفاتها وآثارها في المجال الاقتصادي عبر استهداف أحد أسس الأمن الإعلامي، وعبره خرق بعض فصول القانون الجنائي تحت غطاء ما قد يوفره قانون الصحافة والنشر من هوامش الحرية التي قد تستعمل وتستغل في غير محلها.

أما بعد،

لقد دق بلاغ السيد الوكيل العام بالدار البيضاء ناقوس التحذير وهو ينبه مجموعة من الفاعلين في الحقل الإعلامي، وكذلك بعض الصفحات والمواقع المجهولة الهوية، والتي تحمل بعض الأسماء والتسميات المشبوهة والتي ربما تشتغل لخدمة أجندة خارجية تستهدف مصالح المغرب ومؤسساته، كما تستهدف بعض الشخصيات الوطنية التي أصبحت لها مكانة في مجالات متعددة وتأثير يزعج بعض الأطراف(…) في الداخل والخارج، ما يجعلها مادة خصبة للتشهير بفعل ما تحدثه من تأثير…!

ليس ذلك التأثير المعروف في بعض منصات التواصل الاجتماعي، بل في سياسة الواقع داخل الدولة الواقعية وليس كما قال الكاتب الصحافي الدكتور نور الدين لشهب “الدولة الافتراضية” في مقاله الأخير.

أما بعد،

إن عملية النشر قبل وضع المادة في إطار القانون يجب أن تخضع أولا للرقابة الذاتية والأخلاقية والدينية، وكذا التبين بطرائق أجناس الصحافة المعروفة، التحقق والتبين من الخبر مصداقا لقوله تعالى”يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”، وهذا الوازع الأخلاقي مهم جدا لأنه يجعلك أولا تقيس آثر المادة الصحفية وقيمتها الخبرية وتأثيرها داخل المجتمع وحتى على مستوى الفاعلين في مختلف المواقع والمراكز، وليس ما قد تجلبه تلك المادة من تفاعل ومشاهدات ولايكات وتكبيسات وما يترتب عن ذلك من مداخيل حتى لو كانت تلك المادة تستهدف الأشخاص لا الأفكار، قد تروجها بعض المصادر غير موثوقة في سياقات وخلفيات بعيدة عن مهنة الصحافة والإعلام.

مهمة الإعلام، ومهنة الإعلام لا يمكن اختزالها في بروفايلات محددة وشروط تقنية محظة مادام هناك أساتذة في الجامعة وغيرها يسهمون عبر كتابات علمية ومقالات محكمة تنشر في مجلات مفهرسة وتعطي حقائق ومعطيات مثبتة وفق نظريات ومناهج وإحصائيات وليس بمنطق “غير أجي أفم وقول”.

أما بعد،

وما دمنا في سياق النظريات فإن التشهير تناولته مجموعة من النظريات، كنظرية agenda setting theory التي تهدف لوضع أجندة إعلامية والتأثير عبر مواضيع يتم إخضاعها للأولوية في التناول والتحكم فيها بغرض رسم صورة وواقع تتم صناعته وتشكيله لدى الرأي العام وفق أهداف محددة مسبقا، وبغض النظر عن الواقع الحقيقي والقضايا الحقيقة، وهي نظرية تعود لسنة 1968 وضعها كل من Mcobs و Chao.

وتتقاطع هذه النظرية مع مفهوم الافتراض Assumption الذي يهدف إلى جعل المتلقي يتقبل الخبر على أنه حقيقي دون سؤال أو دليل أو برهان عبر افتراضات تطلق على شخص ووسطه وعلاقاته وعائلته أو حتى بسبب مظهره أو انتمائه لطبقة اجتماعية، أو توجه سياسي بحسب تموقعه الفكري أو حتى الجغرافي.

وقد تم استعمال هذه الأساليب، والتي يمكن تفسيرها على قاعدة هذه النظريات، في عدة مناسبات من طرف وسائل التواصل الاجتماعي على الخصوص، وحتى بعض المواقع الصحفية في الداخل والخارج، والتي استهدفت شخصيات عمومية وأفراد وحتى مؤسسات اقتصادية إبان فترة ما عرف بالمقاطعة التي ركزت على شركات وعلامات تجارية دون غيرها، وقد تسبب ذلك في أضرار اقتصادية، وخلالها عرفت الاستثمارات الخارجية Flux IDE تراجعا باعتبار مبدأ “رأس المال جبان”.

وقد تراجعت نسبة الاستثمارات، حسب إحصائيات البنك الدولي، خلال هذه الفترة من 3,5% إلى نسبة 1% من الناتج الداخلي الخام.

أما بعد،

إن مفهوم التشهير يتجاوز في بعض الحالات أشخاصا أو شخصيات عامة وعمومية، بل قد تكون هذه العملية المركبة آلية لاستهداف مؤسسات و حتى الأمن الاجتماعي للمواطنين كما جرى في نشر بعض الأخبار والإشاعات حول تسمم اللحوم الذي أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق بخصوصه.

وقد سبق أن تعرضت شركة Fribori البرازيلية لحملة حول فساد اللحوم في العام 2012 جعلتها تتكبد خسائر كبيرة في السوق البرازيلي وتخسر حصتها من السوق، كذلك في العام 1994 بالبرازيل اضطرت مدرسة Escola base غلق أبوابها وتسريح عمالها جراء ما تعرض له أصحابها من عمليات تشهير عبر تقارير إعلامية والأمثلة عديدة في هذا الباب، حيث يمكن أن ينتج نقل أخبار غير موثوقة أضرار قد تجعل المجتمع يتفاعل سلبيا وقد يؤدي ذلك لأضرار اقتصادية في غياب ضمانات حماية، ليس فقط عبر آليات قانونية ولكن كذلك عبر رفع منسوب ومستوى الوعي عند قاعدة الاستهلاك الواسعة للمادة الإعلامية، وهذا ما يمكن كذلك فهمه واستيعابه عبر نظرية Cultivation theory، وقد كان أحد ضحايا هذه الحملات رئيس جامعة كرة القدم عبر استعمال قاعدة جماهيرية لإحدى الفرق الكروية.

أما بعد،

إن مسلسل الإصلاحات والتراكمات الإيجابية في المجال الحقوقي في بلادنا، وهو ما توج برئاسة المملكة المغربية لمجلس حقوق الإنسان بجنيف عبر اقتراع ديمقراطي، أكد تصور ثلثي أعضاء المجلس حول المغرب وما حققه من إنجازات عبر تحولات كبرى في مجال التشريعات والتصديق على الاتفاقيات الدولية وحماية حرية الأفراد، وهو ما يتناقض مع بعض الممارسات تقودها أطراف معروفة وأخرى في الخفاء والتي لايجب أن تستعين ببعض المفاهيم المثالية من أجل ممارسات دنيئة تعتمد شتى أنواع الابتزاز والترهيب في غياب إطار قانوني يضبط بعض الوسائل والوسائط في ظل بعض الإكراهات المرتبطة في سياق عام و عبر اللجوء لمؤسسات تصدر تقارير دولية تحت الطلب (…)، وكذلك في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي العابرة للحدود والتي أصبحت ملاذا في ظل ضعف وهوان الإعلام الكلاسيكي والصحافة التقليدية وغياب الإنتاج والنقاش العمومي في مواقع الميكروفونات ونزول منسوب النقاش الفكري إلى الحضيض.

أما بعد،

إن الاختلاف في الرأي لايعني العداوة و التموقع في الدفاع أو الهجوم …فهذه ليست لعبة … فالصحافة وسيط مسؤول داخل المجتمع لها دورها في نقل الخبر وتحليله ورفع منسوب الوعي داخل المجتمع و تأطيره …أما مسألة الأمن القومي والشبكات الإجرامية فلها بالمرصاد مختلف المؤسسات الأمنية التي لها دورها في حفظ الأمن ومحاربة الجريمة ومراقبة عمليات “التخابر” مع الجهات الخارجية إن وجد ثم عرضه على القضاء مع إحترام لقرينة البراءة، لأن هذا ليس بأي شكل من الأشكال اختصاص لصحفي او إعلامي متخصص، وحتى إن امتلك معطيات وأدلة فما عليه إلا التوجه إلى الجهات المختصة والتبليغ عن الجريمة التي يعلم بحدوثها، وهذا من واجبات المواطنة.

كما أن نشر خبر جريمة يعلم عدم حدوثها هو مجرم كذلك طبقا للقانون ويسئ إلى الوطن وإلى مؤسساته الأمنية والقضائية والتي تجعلنا في المملكة المغربية نفتخر بها كنموذج فريد ومشرف إقليميا وحتى على المستوى الدولي عبر ما تراكم في هذه الحقول منذ هيئة الإنصاف والمصالحة و التأسيس لمفهوم العدالة الانتقالية والرفع من أفق الحريات في العهد الجديد.

ما نحتاجه اليوم هو نقاش عمومي يجعلنا نساهم جميعا كل من “بلاصته ونص بلاصته” في مواكبة مسار بلدنا مدافعين عن ثوابتنا ومتشبثين بأخلاقنا، كما قال الشاعر ” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت*** فإن ذهبت أخلاقهم هم ذهبوا”.

Share
  • Link copied
المقال التالي