شارك المقال
  • تم النسخ

دراسة تكشف تفاصيل “التحولات الخطيرة” التي تهدد استمرارية مؤسسة الأسرة في المغرب

كشفت دراسة حديثة أن تأخر سن الزواج وارتفاع نسب الطلاق يهددان، مع عوامل أخرى، “استمرارية” مؤسسة الزواج في المغرب.

وقالت الدراسة التي أجراها أعدها “مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون”، إن مؤسسة الزواج تعرف تحولات خطيرة تهدد قيامها واستمرارها في أداء وظيفتي الأمن والسلم الاجتماعيين في المغرب.

وأضافت أن الارتفاع الذي وصفته بـ”المهول”، في نسب الطلاق، يكشف “تدهور قيمة قدسية الأسرة، وضعف مفهوم الالتزام الزواجي عند المتزوجين الجدد، واستسهال فك الارتباط”.

مقابل ذلك، يرى الأكاديمي سعيد ناشيد، في حديثه لـ”الحرة”، أن تأخر سن الزواج، ليس سلبيا، ويمكن النظر إليه من جانب إيجابي، مشيراً إلى أن “المرأة بات لديها القدرة والاستطاعة على إتمام تعليمها الجامعي وتحقيق أحلامها في الحصول على وظيفة أو مهنة راقية”.

وأوضح أن هذا التطور، “إن حدث سيكون في حالة تضاد مع ظاهرة سلبية أخرى وهي الزواج القسري وغير القانوني للفتيات الصغيرات وما ينجم عن ذلك من مشاكل اجتماعية خطيرة”.

من جهتها، ترى الأكاديمية المغربية خديجة مفيد، أن هناك تغيرات عديدة طرأت على مؤسسة الأسرة في البلاد، عازية بعض أسبابها إلى الظروف الاستثنائية التي عاشها المغرب جراء تفشي جائحة كورونا، وما صاحب ذلك من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية على مكونات الأسرة.

واسترسلت مفيد، في تصريح لـ”الحرة”، أن نتائج الدراسة يمكن النظر إليها من مقاربتين، مشيرة إلى عدم اتفاقها مع “المقاربة التي تخير المرأة بين حقها في التعلم والعمل وحقها في الزواج وتكوين أسرة صالحة تسود فيها قيم التسامح والتفاهم والمحبة”.

وأردفت: “لو أمعنا في نظرية عالم النفس الأميركي الشهير، إبراهام ماسو، والتي تعرف بنظرية (الهرم) لوجدنا أن الحاجات الفيزلوجية تأتي في قاعدة الهرم، بينما تحقيق الذات في أعلاه، وهذا يؤكد على أهمية الزواج كحاجة فيزيولوجية تكون منطلقا لتحقيق الاحتياجات الأخرى من الأمان إلى الاحتياجات الاجتماعية وصولا إلى تحقيق الذات الذي قد يتم الوصول إليه عن طريق العلم والدراسة”.

وأكدت على أن تدمير فكرة ومؤسسة الزواج في المجتمع المغربي و”بقية المجتمعات العربية الإسلامية” ينسجم مع “مفاهيم الرأسمالية المتوحشة التي تشجع مبادئ الفردانية وتعزيز النمط الغربي في نظرته السلبية إلى مؤسسة الزواج”.

وأما بالنسبة لارتفاع نسب الطلاق، فيقول ناشيد: “هذا أمر صحيح ولا يمكن نكرانه”، غير أنه يدعو للنظر إلى الأمر، من زاوية إيجابية أيضا، حسبه، حيث يشير إلى أنه “يعني أن المرأة قد أمست أكثر قدرة على نيل حقوقها والمطالبة بها”.

نسبة الطلاق عادت لترتفع بعد انخفاض نسبي

عادت أرقام الطلاق لترتفع في المغرب بعد انخفاض نسبي في السنوات الأخيرة، ولتخفيضها من جديد، كشف مسؤول مغربي عن مقترح لإخضاع المقبلين على الزواج لدورات تأهيل تهيئهم للحياة الزوجية،وهي خطة يراها محللون بأنها جيدة لكن ستنجح بشروط.

وتابع: “في الماضي كانت القوانين والعادات والتقاليد البالية تتواطؤ ضد المرأة ليكون مطلوبا منها أن تتحمل العنف المنزلي والصبر على أذى الزوج وعنفه، وأما الآن فإن الأمور قد تغيرت، وصار بإمكان النساء التوجه إلى المحاكم والقضاء لإنقاذ أنفسهن من التعسف والظلم”.

من جانبها، ترى مفيد أن مفهوم العنف المنزلي “لم يعد مفهوما اجتماعيا بل دوليا غربيا إن صح التعبير”، مضيفة: “نشهد هنا تضخيما في هذه المسألة لاستخدامها كأداة ضغط على الدول من قبل الجهات الرأسمالية الاستكبارية التي تساهم بالتعاون مع بعض (منظمات التنوير الليبرالي) وأنا أدعوها بـ (هيئات الجهل الليبرالي)، لكونها تريد، وبحجة حماية المرأة، تدمير القيم والعلاقات الأسرية في مجتمعاتنا”.

“تفشي ظاهرة الأمهات العازبات”

ونبهت الدراسة إلى “تفشي ظاهرة الأمهات العازبات”، وتزايد أعداد المولودين خارج مؤسسة الزواج، معتبرة أن ذلك يشكل “خطرا على الأمن الاجتماعي للمجتمع” المغربي، في ظل “العشوائية والهشاشة البنيوية للمؤسسات المعالجة والمستوعبة للمشكلات الاجتماعية”.

وحذرت مفيد، بحسب عرضها لنتائج الدراسة، من تسارع انقلاب الهرم السكاني للمجتمع المغربي، حيث تتوسع قمته نحو الشيخوخة وتتقلص قاعدته نحو الشباب بسبب تناقص عدد الولادات وتأخر سن الزواج والعزوف عنه، وطفو مشكلة كبار السن على السطح بسبب التحولات التي تعرفها الأسرة، وعدم وجود سياسة استباقية لاحتواء هذا المشكلة، على حد تعبيرها.

“التمييز الموضوعي”

وأشارت أيضا إلى “ضعف الالتزام الزواجي واكتظاظ محاكم الأسرة ومركزيتها وقلة عدد القضاة، وعدم وجود قضاء متخصص في الأسرة وتراكم الملفات، ما يحول دون تحقيق مقتضيات العدالة التي يستهدفها تشريع القوانين”.

واقترح التقرير “التمييز الموضوعي” بين حالات النساء اللواتي أنجبن خارج إطار الزواج اضطرارا وقهرا، وبين اللواتي أنجبن “اختيارا واستهتارا”، معتبر أن الفئة الأولى تحتاج إلى الدعم وتغيير الصورة النمطية بشأنها، بينما ينبغي على الفئة الثانية أن “تتحمل المسؤولية الجنائية في حق الطفل والمجتمع”.

وطالب التقرير بالحث على الزواج باعتباره “مؤسسة تحافظ على تماسك المجتمع المغربي”، وذلك مع تخصيص صندوق لدعم الزواج وتأسيس الأسرة لدى الشباب وإدماج التربية الجنسية برؤية قيمية في مقررات المناهج الدراسية لحماية الأطفال من الوقوع في الأخطاء.

وطالب التقرير بالعمل على لا مركزية محاكم الأسرة وتهييئها في كل مقاطعة وتجهيزها بما يتناسب مع طبيعة الأسرة، وتخصيص قاعات مغلقة للمداولة في المشاكل الزوجية والأسرية.

وكانت منظمة “إنصاف” الحقوقية، قد كشفت في العام الماضي أن عدد الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج يصل إلى أكثر من 3 آلاف طفل سنويا، مسجلة “ارتفاع نسب التخلي عنهم”، خلال العقد الأخير.

كشفت منظمة حقوقية مغربية، أن عدد الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج يصل إلى أكثر من 3 آلاف طفل سنويا، مسجلة “ارتفاع نسب التخلي عنهم”، خلال العقد الأخير.

وسجلت بيانات”إنصاف” تزايدا ملحوظا في تخلي الأمهات العازبات عن أبنائهن، حيث يصل العدد إلى 70 طفلا يوميا، مقابل 24 خلال الفترة بين سنتي 2003 و2009.

وأشارت المنظمة، في بيان لها، إلى أن مشكلة الأمهات العازبات في المغرب تجسد مجموعة من “الانتهاكات المترابطة والمركبة”، على المستويات القانونية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية.

واعتبرت المنظمة أن وضع الأمهات العازبات يتصف بـ”الهشاشة الاجتماعية والحرمان العاطفي”، كما تعد “مؤشرا دالا عن فجوات حقوق الإنسان في التشريعات المتعلقة بهذه الفئة وعلى انتهاك حقوقها”.

وفي معرض رده على تقرير “مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون”، يرى ناشيد أن الأمور قد شهدت تطورا وتحسنا في ملف الأمهات العازبات، مطالبا مشرعي القوانين بمزيد من مسايرة التطور الذي شهده المجتمع.

وتابع: “في الماضي كنا نرى الكثير من حالات إلقاء الأطفال الرضع في القمامة أو أمام المساجد والمشافي، ولكن حاليا اختفت هذه الظاهرة إلى حد كبير”.

وأضاف: “عندما كانت الفتاة تحمل جراء علاقة خارج الزواج، لم يكن أمامها سوى خيارين، إما الإجهاض السري والذي قد يشكل خطرا على حياتها، أو إنجاب الطفل ورميه في القمامة”.

وختم بالقول: “أما الآن فقد ظهر خيار ثالث، إذ أصبحت الكثير من الأمهات العازبات قادرات على اتخاذ قرار بالاحتفاظ بالطفل وإنجابه وتربيته والاعتناء به، وهذا برأيي تطور هام للغاية، ولكن أشدد مرة أخرى على ضرورة سن مزيد من القوانين التي تحمي هذه الفئة الضعيفة من المجتمع”.

وأما مفيد فشددت من خلال تصريحاتها لموقع الحرة بضرورة تجريم المؤسسات التي تشجع على استنباط مفهوم “الأم العازبة”، قائلة: “التشجيع على ذلك يخفي الكثير من المشاكل، فأنا ومن خلال تجربتي وجدت الكثير من الأمهات العازبات عبارة عن فتيات لديهن العديد من الأمراض نفسية مثل اضطراب ثنائي القطب، مما يجعلهن عرضة للاستغلال، وبالتالي عوضا عن معالجتهن فإن تلك المنظمات تشجعهن على الاستمرار بالإنجاب لدرجة أن هناك فتيات أنجبن أطفالا من عدة آباء خارج مؤسسة الزواج”.

ونبهت إلى أن ذلك يؤدي إلى مزيد من المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري وتخريب بنية المجتمع، على حد تعبيرها.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي