Share
  • Link copied

بلحاج: الجزائر في حاجة إلى حل سياسي.. وورقة “الجبهة” لمْ تمزق

نور الدين لشهب من الجزائر

يبسط، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، رؤيته للحوار مع النظام الجزائري، ووقوف التنظيم الإسلامِي المنحل، بموقف موحد إزاءها، ما دامتْ السلطات في الجزائر، حسب قوله، تتبنى خيار مخاتلة وخداعٍ، يجسدُ بطبيعته السياسية منشأ إشكال، يجري السعي لمعالجته بحلٍّ اجتماعِي وأمنِي.

ويستغربُ بلحاج كيف أنَّ الجزائر التي تستقدمُ فصائل مسلحة من مالِي لتبحثَ لها عن حل سياسي بفنادقها، تعجزُ عن القيام ببادرة مماثلة لحل أزمة الداخل، ذاهبًا إلى أنَّ الجبهة الإسلاميَّة للإنقاذ ليستْ ورقة جرى تمزيقها، وإنما لها تواجد اجتماعِي، ينبغي أنْ يمارس أطرها الحقوق السياسية والمدنية. كما أكد أن للجبهة جناحا جمعويا وإن كان محدودا.

موقفكم من رفض الحوار مع النظام، هل هو موقف قيادة الجبهة داخل الجزائر أم أن هناك إجماع داخل القيادة في الداخل والخارج؟

الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا تحاور ولا تفاوض هذا النظام، إلا في إطار مؤتمر.

يعني هذا موقف القيادة داخل وخارج الجزائر؟

داخل وخارج الجزائر..

يعني أن لكم موقفا موحدا؟

نعم، هناك موقف موحد على أساس أنه لا حوار مع هذا النظام. والدليل أنهم عندما أرسلوا الرسالة إلى الشيخ عبد القادر بوخمخم رد على رئاسة الجمهورية، وقال لهم بأن طرح الجبهة موجود في بيان مقاطعة الانتخابات الرئاسية السابقة.

النظام تحدث معه باعتباره واحدا من الرموز الوطنية وليس من موقعه قياديا في الجبهة الإسلامية المنحلة؟

على كل حال، عندما تقول فلان شخصية وطنية، فهناك معايير لتحديد الشخصيات الوطنية، هناك معايير لمعرفة هذه شخصية وطنية أو شخصية علمية أو شخصية فنية.. فما هو المعيار أن تقول هذه شخصية وطنية وهذه شخصية غير وطنية..

اسمح لي أن أقاطعك، السلطة تعترف أن في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة شخصيات وطنية، وهذا الاعتراف مهم بالنسبة لرصيدكم الاجتماعي والتاريخي؟

الشيخ عباسي مدني هو شخصية وطنية، وتاريخية وثورية، وعلمية في نفس الوقت، ألا تستطيع السلطة أن تبعث له رسالة وتستقدمه بطائرة إذا كان هذا فعلا في خدمة البلد بعيدا عن المناورات والمخادعة حتى يأتي إلى الجزائر ويتحدث ويقول رأيه؟

إذن السلطة لها رأي تريد أن تفرضه عن طريق الخداع والمخاتلة ونحن لا نمشي في هذا. ونحن أيضا التقينا مع أويحيى ونحن في السجن، والتقينا ليمين زروال ونحن في السجن، والتقينا بجنرالات ونحن في السجن. هذا علام يدل؟ إنه يدل على أن أصل الأزمة سياسي..

بلحاج: الجزائرُ يلزمها حلٌّ سياسي .. وورقة "الجبهة" لمْ تمزق

الحوارات كانت معكما، أنتما الشيخان؟

نعم كانت مع الشيخين..

على أي أساس كانت تدور هذه الحوارات؟

على أساس إيجاد حل للأزمة، لأن الأزمة أصلها سياسي، وكنا نطرح الحل السياسي، وهم كانوا لا يريدون الحل السياسي بل يريدون فقط حلا أمنيا وحلا اجتماعيا، ونحن كنا نقول لا بد من حل سياسي في الجزائر، أزمتنا أزمة سياسية ولا بد أن تحل سياسيا، وإذا حلت سياسيا بالتأكيد ستأتي كل الإجراءات، التعويض وإطلاق سراح المساجين وتعويض الذين لحقت بهم الجروح والعاهات والعائلات .. من جميع الأطراف، من هذا الطرف وذلك الطرف لأننا نريد أن نعالج أزمة ولا نريد أن نعالج أزمة بخلق أزمة أخرى. أي نريد العدل في هذا الباب. يعني ما ذنب عائلة عسكري أو شرطي أو دركي وربي يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى. نحن نريد لهذه العائلات الأخرى أن تجد حقوقها كاملة غير منقوصة في هذه البلاد، وأن نقر بأن هذه أزمة قد وقعت، ووقعت أزمات وحروب أهلية في بلدان غير الجزائر وتم حلها مثل جنوب أفريقيا والأرجنتين وإسبانيا وراوندا..

وأود أن أشير هنا أن عبد المالك سلال يتناقض لما يقول لن نتحاور مع من تلطخت أيديهم بالدماء ولا نتحاور مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحزبها قد حل، وفي نفس اليوم نجد أن حركة الأزواد والحركات المسلحة في مالي كانت هنا البارحة في الجزائر وعقدت صلحا، وهي حركات تبحث عن إيجاد حل سياسي، فهم يشجعون الحلول السياسية في بلدان الآخرين وتنكرونها في بلداننا نحن؟ نحن أولى والأقربون أولى بالمعروف. ينادون بحل سياسي في سوريا وفي مصر يتحدثون عن حل سياسي وفي مالي حل سياسي، وهنا نؤكد أن الحديث عن حل سياسي بين جماعات مسلحة، كيف أن تستقبل حركات مسلحة من مالي وتأتي هنا إلى فندق بالجزائر وتحت إشراف وزير الخارجية وفي بلادك لا تستطيع أن تقوم بالحل السياسي؟

قلت بأن الحوارات معكم والتي تم تسريبها إلى الصحافة كانت بالون اختبار للداخل والخارج، ألم تكن بالون اختبار بالنسبة لكم في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أجل تمحيص الصف داخل الجبهة، ربما يظهر جيل من الشباب غير مرتبط بالقيادة أو ظهور تيارات مختلفة أو التعويل على إحداث انشقاقات..؟

على كل حال فالمولى عز وجل في القرآن الكريم يقول: “وآتوا البيوت من أبوابها”. فالجبهة الإسلامية للإنقاذ ظلت في الساحة السياسية 36 شهرا، 22 شهرا تحت قيادة عباسي مدني، و7 أشهر تحت قيادة عبد القادر حشاني رحمه الله، فلا يمكن أن نحمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ جميع أزمات الجزائر من قبل الثورة وأثناء الثورة وبعد الاستقلال، لأن الآن أصبح معتادا أن تسمع من وزير له مشاكل في قطاعه، يقول هذا من العشرية السوداء، وزير التعليم يقول هذا من آثار العشرية السوداء.. تجد جميع المسؤولين يبررون الفشل بالعشرية السوداء، يعني ما من وزير يأتي ويسأل عن قطاعه وعن الآفات التي تنخره إلا ويقول نحن خرجنا من أزمة العشرية السوداء.

لكن السؤال: من الذي صنع الأزمة في العشرية السوداء؟ أناس انتخبهم الشعب فأخرجتم لهم الدبابة والطائرة والسجون والتعذيب والتنكيل والمحتشدات وإلى آخره. نحن لم يخترنا جنس آخر، نحن اختارنا الشعب الجزائري الذي سمع منا كما سمع من غيرنا، واختارنا، وباستطاعة الشعب الذي اختارنا اليوم أن ينزعنا بالصندوق. نحن لم ننزع بالصندوق، وبالتالي لا نعترف بحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لأنه ليس هنالك قوانين. عندنا في الجزائر قانون القوة وليست قوة القانون. فهؤلاء الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية هم الخارجون على القانون، هم أولى الناس بالمعاقبة، وهم أولى الناس بالسجون، ونصبوا أنفسهم اليوم أوصياء على الجزائر وأنهم يعرفون مصلحتها وأن الشعب الجزائري لا يحسن الاختيار. فلا بد أن نصوب اختيارنا كأن الشعب الجزائري لم يبلغ سن النضج السياسي.

إذن الجبهة الإسلامية للإنقاذ لها قيادة موحدة؟

لها قيادة موحدة، ولها رؤية موحدة، ولها اتجاه موحد، وهي أيضا لا تستبعد السلطة ولكن لا تريد أن تفرض عليها السلطة ما تريد، الجبهة الإسلامية تريد مؤتمرا جامعا يجمعنا نحن والمعارضة والسلطة للخلوص إلى قواسم مشتركة.

يعني أن القيادات التي تتحدث بين الفينة والأخرى على أنها تقبل بالحوار مع السلطة لا علاقة لها بالجبهة الإسلامية للإنقاذ؟

هذه قيادات تصرح هي بنفسها، تقول نحن نتكلم باسمنا، والشيخ أحمد سحنوني قال مثل هذا الكلام في فضائية إعلامية، وقال بالحرف: أنا أتكلم باسمي، مدني مزراك رأى طريقا آخر غير الطريق الذي نحن فيه، لهم ذلك وهم أحرار، ولكن أنا أتحدث لك عن قيادة الجبهة التي هي مؤتمنة على خيار شعبي، لأننا كنا حزبا سياسيا وخاض معارك انتخابية، وانتخبه الشعب وخرج من دائرة الحزب فقط إلى أن أصبح من المفروض نحن الآن في دواليب الحكم، كانت لدينا البلديات وهي الخلية ألأساسية في الدولة، وكان عندنا المجلس التشريعي، وكل هذا قد أزيح بقوة الحديد والنار والقتل والسجن والتعذيب ..

نسمع أحيانا في فيديوهات على اليوتوب “مدني بقى مرتاح الجبهة باقي لاباس”، هل تشعرون أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا تزال تتمتع بشرعية شعبية ..؟

حتى أكون معك صادقا، وأكون واضحا، أولا الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليست ورقة تم تمزيقها إداريا، الجبهة الإسلامية لها تواجد اجتماعي، الآن على فرض أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليست لها قاعدة شعبية، قياداتها وإطاراتها، ألا يحق لهم أن يمارسوا حقوقهم السياسية والمدنية.

أصبحوا يقولون إن الجبهة لا يمكن أن نعيدها لأنها فقدت شعبيتها، كيف؟ هل دخلت معارك انتخابية عن طريق الصندوق وفقدت شعبيتها، وجود الشعبية من عدمها، ووجود التجدر من عدمه، هذه الأمور تظهر في الانتخابات، فنحن لسنا حزبا معتمدا الآن، نحن حزب محلول. طيب ولنفرض أنكم حللتم حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولكن لا زال لهذا الحزب رجالاته وقادته وإطاراته، فهؤلاء لا يحق لهم أن يقوموا بالعمل السياسي والمدني مع العلم أن الجزائر موقعة على اتفاقات دولية للحقوق السياسية والمدنية لجميع المواطنين؟.

هب أننا بقينا في الجبهة عشرة أفراد، لا أكثر ولا أقل، ألا يحق لنا أن نعمل في إطار العمل السياسي والمدني؟ بصرف النظر عن الشعبية والتي تبقى مسألة نسبية، قد تختارني اليوم ولي شعبية وبعد مدة تقل هذه الشعبية، فالحزب الصغير قد يصبح كبيرا، والحزب الكبير قد يصبح صغيرا، هذي هي طبيعة العمل السياسي.

نحن نعلم أن الإسلاميين عموما ولاسيما في المنطقة العربية، حتى لا نعمم، لهم جناح دعوي وتربوي وهناك إطار سياسي، بالنسبة لكم أنتم في الجبهة الإسلامية تعرض الحزب إلى الحل، أليس لديكم جمعيات موازية تُعنى بالتربية؟

لاشك أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن منصرفة للعمل السياسي فقط، كان لها عمل سياسي وعمل دعوي وعمل خيري، والنظام كان يعلم هذا، والشعب أيضا يعرف هذا، ولكن حين ضُربت، ولا يوجد أي حزب حدث له ما حدث في العالم العربي مثل ما وقع لحزب الجبهة، يعنى وقعت كارثة حصدت ضحايا كثر بلغ عددهم حسب إحصائيات رسمية 250 ألف قتيل، وخارج إحصائيات الرسميين فقد وصلت 700ألف، فضلا عن اليتامى، والذين بلغ عددهم أكثر من مليون، وعن الأرامل وعن المعطوبين… إذن حجم الكارثة كان كبيرا، ولذلك فالحل السياسي هو الطريق الأقرب والأنجع والأسلم والذي سيجنب البلاد والعباد ويلات أخرى..

سألتك عن العمل الجمعوي والدعوي…

العمل الجمعوي موجود..

موجود؟

نعم، ولكن في حدود الطاقة والمقدرة، اليوم هناك أناس خرجوا من السجن وكانوا محكومين بعشر سنوات وخمس سنوات، لا يزالون متابعين أمنيا إلى حدود اللحظة، بحيث يتم استدعاؤهم في بعض الأحيان إلى مراكز الأمن حتى يطمئنوا أين هم، وهناك أناس لم يعيدوهم إلى أعمالهم، وهنالك من ضاعت أسرهم، وهنالك شرخ كبير في المجتمع، وكل هذا من جراء الانقلاب على الإرادة الشعبية.

والآن يكفي الجبهة الإسلامية للإنقاذ أنها طرحت طرحا معقولا، والحمد لله ربي العالمين، لعلكم تابعتم طرحها ضمن أحزاب التنسيقية، ولاحظتم أن جل الأحزاب طرحوا نفس الطرح، وأغلبهم دعوا إلى ضرورة وجود دستور توافقي وإيجاد حل توافقي تشارك فيه السلطة، ولكن ليس للسلطة التي فعلت ما فعلت أن تملي سياساتها على الشعب الجزائري.

أجمع أغلب المتدخلين في التنسيقية على دعوة الجيش لحماية الدولة الجزائرية وليس لحماية النظام، ما رأيك في هذي النقطة؟

بالنسبة لموضوع الجيش بالنسبة إلي، وهذا رأيي الشخصي، أتساءل، ماذا يقصدون بموضوع الجيش؟ الجيش فيه قادة وفيه قاعدة، قادة المؤسسة العسكرية فيهم من هو متورط في الانقلاب، وفيهم من يطاله العقاب، لأن المؤسسة العسكرية خرجت عن الأطر الدستورية، انقلبت على إرادة الشعب، بأي حق؟ شعب يختار فتخرج له الدبابة وتفتح المحتشدات والسجون وتفتح البلاد على المجهول، إذن لابد أن نفكر جيدا، بعض الناس يتحدثون عن الجيش. الجيش جزائري والكثير من العائلات الجزائرية أبناؤها في الجيش، لكن القاعدة لا تملك من أمرها شيئا، قاعدة الجيش لا تملك إلا أن تطبق الأوامر دون مناقشة، وهذي طبيعة العسكري.

أنا أتحدث عن القادة الذين يسيرون قواعد الجيش برا وبحرا وجوا، هذه القاعدة متورطة في الانقلاب على الإرادة الشعبية، هل يمكن أن يأتي الإصلاح ممن أفسد؟ هل يمكن أن يأتي الإصلاح ممن أجرم؟ أيمكن أن يأتي الإصلاح ممن عذب؟ ألا تدري أن مراكز الأمن المختلفة التي من المفروض أن يلجها مواطن حتى يشعر بالأمن تحولت إلى مسالخ ومذابح وأماكن للتعذيب وإهانة كرامة الجزائري من مختلف الأعمار. ولذلك نحن ننادي بالحل السياسي على عجل قبل أن يأتي يوم يحدث ما لا تحمد عقباه في البلاد، وعند ذلك ولات حين مناص.

أنتم رفضتم دعوة النظام إلى الحوار ولبيتم دعوة المعارضة ضمن تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وهنا نذكر أن المعارضة الآن تضم مجموعة من الأحزاب والشخصيات التي وقفت مع النظام لاستئصالكم، ومنهم من طالب الجيش بالنزول بالدبابة لوقف المسلسل الانتخابي آنذاك؟

أولا، هناك فرق بين المعارضة والجيش، المعارضة لا تملك ما تغريك به، ولا تملك أن تعطيك منصبا، ولا أن تعطيك مالا، ولا أن تعطيك حتى الاعتماد، أو ترجعك للساحة السياسية، ثم إن هذه المعارضة في فترة من الفترات ساندت هذا النظام أو شاركت فيه، ثم تبين لها مع طول الزمن أن هذا النظام لا يُؤتمن، وأصبحت تنادي بنفس ما كنا ننادي به في وقت ما، فليس من الحكمة، وليس من بعد النظر ألا نتجاوب مع هذا المطلب، شريطة أن يحتفظ كل طرف بمشروعه وبمرجعيته الفكرية والسياسية، ويبقى القاسم المشترك أن يذهب هذا النظام بطريقة سلمية كما سبق وأن شرحت حتى لا أعيد.

بعد ذلك نرجع الكلمة إلى الشعب ليختار بين هذه البدائل المتناقضة بطريقة سياسية وبطريقة سلمية، الإسلامي ينادي بمشروعه، والعلماني ينادي بمشروعه، والوطني ينادي بمشروعه، وإذا ظهر حزب آخر فكل واحد ينادي بمشروعه، والذي يختار هو الشعب، وعندما يختار الشعب ينبغي أن نحترم اختياره، ومن يختاره الشعب اليوم، قد ينزعه غدا، وهكذا والأيام دول، وبالتالي الحل السياسي الشامل والعادل والمنصف والذي يعطي للجميع حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية، ثم بعد ذلك جميع الأحزاب السياسية والمدنية حرة في اختيار مرجعياتها والشعب حر في اختيار بين هذه المرجعيات المتداولة أمامه، أنا حزب حر أعرض ما عندي على الشعب، وأنت حزب حر اعرض ما عندك على الشعب، والشعب حر فيما يختار بين البدائل المعروضة عليه.

حزب الجبهة الإسلامية سامحت وغفرت للمعارضة التي كانت استئصالية، وكان بعض قادتها ظهيرا للنظام بما فيها الإسلاميون، محفوظ النحناح رحمه الله طلب من الجيش النزول إلى الشارع وتوقيف المسلسل الانتخابي، سعيد السعدي مشهود له بنزعته الاستئصالية، أنتم تسامحون المعارضة وتجلسون للحوار معها في مقابل ذلك لم تسمحوا للنظام ورفضتم الحوار معه؟ أو ليست هذي مفارقة؟

القضية ليست قضية مسامحة أو غير مسامحة، السلطة استخدمت المعارضة في وقت معين، وفي ظرف معين، وبطريقة معينة..

هل المعارضة كانت قاصرة حتى تستخدمها السلطة؟

الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا تعارض المعارضة، وإنما تعارض النظام، ومن باب التصحيح التاريخي؛ قيل أثناء اجتماع المعارضة بأن أول مرة تلتقي المعارضة على طاولة واحدة، فالمعارضة هذه في زمن الاشتراكي التقت، وأنا كنت في سجن واحد مع جماعة سعيد السعدي في تيزي وزو وكنت معه في البرواكية وكنت معه في لامبيس، وكنت مع جماعة أحمد بنبلة رحمه الله، وكنت مع جماعة الأفافاس لآيت أحمد في سجون واحدة قبل التعددية.

إذن فالمعارضة كانت تلتقي في السجون، وكنا مختلفين مع مجموعة الأفافس وسعيد السعدي والإسلاميين ومجموعة مصطفى بويعلي رحمه الله، وكنا في سجون واحدة. ولكن في ذلك الوقت كانت لهم نظرة كون هذا النظام عذب الجميع، وخرجنا، هناك من خرج قبلي وهناك من خرجت قبله، وأنا خرجت من السجن عام 1987، وهناك من خرج بعفو رئاسي على عهد الشاذلي بن جديد رحمه الله، لكن هذه المعارضة مع مجيء التعددية حصل هناك تنافس والتقت، والشيخ عباسي مدني كان يقوم بمناظرة بينه وبين عبد الحميد مهري، وبينه وبين سليمان عميرات وكذلك سعيد السعدي، وكان مكتب الجبهة الإسلامية للإنقاذ يأتيه الأحزاب ونناقش ونتنافس، ولكن لم نعارض الأحزاب السياسية، نعارض أفكارها طبعا.

من الناحية التاريخية، لابد للإنسان أن يكون منسجما وله نظرة، وربما في شكلها الأخير ظهرت هكذا، ثم بعد ذلك كان النظام يضرب هذا بذاك، ونحن رغم ما فُعل بنا، أنا لا يهمني أن يكون سعيد السعدي أو غيره، وبالمناسبة فالرئيس حزب RCD هو محسن بلعباس، وهناك بعض الصحافيين يقحمون سعيد السعدي من أجل تحقيق أغرض في ذلك، سعيد السعدي هو مناضل في الحزب، ومعناه أن RCD الآن ليس هو حزب ذلك الزمان، قد تكون له أفكار وهو حر، وهناك أحزاب أخرى وطنية وهناك أحزاب أخرى إسلامية قد نختلف معها، ليس هذا يعني أن الأحزاب الإسلامية على شكل واحد، قد تلتقي في قواسم مشتركة ولكن تختلف على مستوى البرنامج أو على مستوى الأولويات أو على مستوى التعامل مع الواقع، والاجتهادات السياسية ليست ملزمة لأحد، ولكن الكلمة في الأخير تعود للشعب.

نحن لم نكن نعارض المعارضة، وكنا نتنافس معها ونزلنا لصناديق الاقتراع، وكانت موجودة، والشعب اختارنا. هل منعت الجبهة الإسلامية الشعب من اختيار الفلاني أو الحزب الفلاني؟ في التشريعيات اختار الشعب جبهة التحرير واختار الأفافاس واختار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ونحن عندما ندرس هذه الأحزاب فهي مكونات الشعب الجزائري، اختار الشعب الإسلاميين لأنه شعب مسلم، واختار الأفافاس وهذا أصل أمازيغي، واختار جبهة التحرير التي تمثل من جعله المولى عز وجل سببا في تحرير البلاد والعباد، وهذي مكونات الشعب الجزائري، وهذي هوية الشعب الجزائري. الشعب أعطانا نحن حوالي 187 مقعدا والآخرين أعطاهم 15 مقعدا، وهناك 25 مقعدا للأفافاس، فهذا اختيار شعب. الشعب انتخب الأصل الأمازيغي والبعد الإسلامي والاتجاه الوطني الذي كافح الاستعمار.

قد يكون هذا السؤال هامشيا، كم حصلتم على مقاعد في منطقة تيزي وزو؟

في ذلك الوقت شاركنا في كل البلديات، وكان لدينا في جميع البلديات من يمثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ على مستوى القطري، لم يكن حزبنا في العاصمة فقط بل كان حزبا وطنيا، وحصلنا على منتخبين في جميع الولايات الأمازيغية من الشاوية وغرداية وتيزويزو..

مقارنة مع الأحزاب الأخرى؟

هم أكثر منا، ولكن كان لنا موطئ قدم، والأمازيغية لا يمكن أن تحصرها في مكان واحد، وهذا خطأ، نحن عندنا الأمازيغ في غرداية وفي تمراست وفي إليزي وفي باتنة وخنشلة وأم البواقي ..

مرت أكثر من 20 سنة على انقلاب الجيش على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وخلال هذي السنون ما فتئنا نسمع ونطالع ونقرأ أن ظلما حاق بحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ألا تتحملون أنتم، شيخ علي، جزءا من الخطأ؟ ألم ترتكبوا بعض الأخطاء؟ ألم تراجعوا أنفسكم فيما وقع من باب ” قل هو من عند أنفسكم”؟

على كل حال، شف الأخطاء موجودة في أي حركة سياسية، لابد أن يقع الخطأ، ولكن ينبغي أن نميز بين الخطأ والخطيئة، النظام وقع في خطيئة، ولم يقع في خطأ.


طيب، هذا بات معروفا..!

(يستدرك مقاطعا) لا، لا، لما تسألني أجبك بما أعرف، (يضحك) لكن حبذا لو نسمع من الآخرين أن يدلونا على أخطائنا حتى نقول لهم: هل هو خطأ؟ هل هو اجتهاد سياسي؟ ثم لابد أن ننزع الحدث من زمانه ومكانه وظرفه، ونحن لا نريد أن نقوم بعملية إسقاطات، الوسائل الإعلامية التي تتوفرون عليها أنتم الآن لم تكن موجودة في وقت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والعالم آنذاك كان مختلفا، فالاتحاد السوفياتي كان لا يزال قائما، فالأخطاء ممكن أن تقع، ربما في اختيار الرجال، ولكن على وجه الندرة وليس على وجه القاعدة، أي على وجه الاستثناء، فلا يمكن أن نجعل من الخطأ الاستثنائي هو القاعدة، ونحن نعرف أن النظام وأبواقه وأزلامه وإعلامه أيضا يجعل من الحبة قبة، قد يحدث عندكم في المغرب مشكل، لكن الإعلام اليوم قد يستطيع أن يجعل منها رأيا عاما، وهي في الحقيقة لا تستلزم ذلك كله، فلا بد أن نعرف هل هذا خطأ استثناء في زمان ومكان، أما أن نقول بأن الجبهة الإسلامية لا تخطئ فنحن نعرف بأن النبي صلى الله عليه وسلم في السيرة أخطأ بعض الأشياء وصوبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى النبي أخطأ في بعض الاجتهادات عليه الصلاة والسلام ” ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض” و”عبس وتولى”.

إذن هناك أخطاء اجتهادية وليست أخطاء مبنية على عمد وسبق إصرار، ولهذا في الحقيقة لا أستطيع أن أقول بأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ كقيادة ارتكبت أخطاء عن عمد وسبق إصرار، ولا يمكن أن تحاسب حزبا من أجل خطأ هنا أو هناك.

الانقلاب الذي وقع في مصر مؤخرا على الشرعية الانتخابية إذا ما قارناه بما وقع في الجزائر قبل 23 سنة، نجد على أن هناك فرقا، بالرغم من أن الانقلاب كان ضد الإسلاميين في كل من مصر والجزائر، الإسلاميون المصريون سجنوا الرئيس والقيادة من الصف الأول والصف الثاني وأحكام بالمؤبد بلغت المئات، تعرضوا للسحل والقتل والحرق، ومع ذلك نجد أن الإسلاميين في مصر تمسكوا بمنهج السلمية ما يربوا عن عام كامل ولا يزال الناس متمسكين بنهج السلمية، ولكن ما وقع في الجزائر إبان الانقلاب على المسلسل الانتخابي وتم اعتقال الشيخين (علي بن الحاج وعباسي مدني) طلع الناس إلى الجبال، أو ليس هذا خطأ وقع فيه إسلاميو الجزائر؟

(يتأمل السؤال)..

هل يعني هذا أن الجبهة الإسلامية كانت حديثة التشكل والتكوين على خلاف الإخوان المسلمين الذين هم موجودون في الشارع المصري ما يربو عن 80 سنة؟ أم هذا يؤول إلى عامل اختلاف الذهنية والعقلية لكل من الشعب الجزائري والشعب المصري؟ أم أن هناك أخطاء وقع فيها إسلاميو الجزائر فاستفاد منها إسلاميو مصر؟ أم ماذا؟

سؤالك مهم جدا، هذا السؤال المهم أتمنى أن تؤلف إزاءه الكتب حتى تُعقد المقارنة بين التجارب، ليس فقط بين الجبهة في الجزائر والإخوان في مصر، ولكن بين ما حدث في السودان أيضا، وبين ما حدث في مناطق أخرى، وفي سوريا أيضا نفس الشيء، لأن الموضوع هذا كبير حقيقة، ويحتاج إلى تأسيس نموذج فكري مؤسساتي ومستقبلي.

عندما يُعتدى على حركة إسلامية أنى كان اسمها، إخوان أو جبهة أو غير ذلك، بعد أن أخذت حقها عن طريق الصندوق وبطريقة سلمية وشفافة، ويُعتدى على حقها، لا أقول تُلغى الانتخابات وتُعاد، لأن هذا ممكن، بسبب معين كان بإمكان جنرالات الجزائر في ذلك الوقت أن يقولوا: لنوقف مسار الانتخابات ونعيدها بعد ستة أشهر، حتى لا ندخل في بحار من الدماء، وكان يمكن أن نجنب البلاد.

واذكر لما أدخلونا السجن في عام 1991 لم يحدث القتل مباشرة، ولم يحدث حمل السلاح، بل واصل الشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله المسيرة حتى أوصل الجبهة في ظرف 7 أشهر إلى الفوز، إذن بالرغم من سجن قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم يكن الرد عنيفا، كان هناك عمل سياسي بعد دخولنا للسجن وتولي الشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله القيادة، ثم بعدها جاءت الانتخابات التشريعية وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وألغيت الانتخابات.

ولم تلغ الانتخابات على أساس أنها تُعاد بعد ستة أشهر مثلا أو بعد سنة. والذي حدث هو عملية التصفية، أي تصفية الجبهة عن طريق القانون بحلها، وتصفية القيادة عن طريق إدانتها، والتصفية الإعلامية بشن حملة إعلامية واسعة من أجل تشويهنا في أعين الناس، ولم يفتح لها المجال أن ترد على ما اتهمت به، ثم بعد ذلك وقعت التصفية الجسدية، وكانوا يأخذون الناس ويقتلونهم خارج القضاء، والقضاء أصبح أداة في وجه السلطة الفعلية، أي الجنرالات ومن لف لفهم من السياسيين، واستباحوا دماء الناس، دخلوا إلى الديار، واعتدوا على الحرمات.

إن الشعب الجزائري يختلف في نفسيته عن الشعب المصري، إذن هناك اختلاف نفسيات وليس خلاف فكر وحسب، لأن المصريين أيضا عندما استعمرهم البريطانيون لم يحدثوا ثورة كالتي حدثت في الجزائر، وليس كل دولة استعمرت كان لها نفس ردود فعلها ضد الاستعمار. هنا لا بد أن نعرف نفسية الشعوب، أنت إذا عرفت بأن شعبك حاد المزاج، وشعب ثوري، وأغلبهم أبناء الشهداء وأحفاد شهداء وأبناء مجاهدين، ويقولون لك نحن أخرجنا فرنسا لنعيش في الحرية حتى يأتي هؤلاء ويفعلون فينا مثل ما فعلت فرنسا وأكثر، “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ***على المرء من وقع الحسام المهند”.

لقد ظلم هؤلاء أكبر من ظلم فرنسا، والذين فعلوا بنا هذا هم ضباط فرنسا، أين كان نزار وأين كان الجنرال تواتي وأين كان العماري؟؟ طبعا كانوا في فرنسا.

أما الإخوان في مصر فهم تنظيم عمره ما يزيد عن 80 سنة، وتنظيم موجود في العالم، وله إطارات وأموال وصناعات، ولا يمكن مقارنة الجبهة الإسلامية للإنقاذ مع الإخوان في مصر، لا على مستوى الشعب ولا على مستوى الحزب، ولا على مستوى حدة الاعتداء.

نحن أيضا قتلونا في ساحة أول ماي وفي ساحة الشهداء وفي الأبيار وفي قسنطينة وفي وهران، ولكن بالرغم من ذلك لم يحمل الناس السلاح، وعندما دخلنا للسجن لم يحمل الناس السلاح، إذن السلاح لم يكن واردا في الأصل. ولكن عندما ألغيت الانتخابات وسُجن القادة، واعتقلوا الدكتور عبد القادر حشاني رحمه الله، فحين تسجن من يفكر للجموع مذا تنتظر من هذي الجموع أن تفعل في غياب من يرشدها ويفكر لها، ونحن نعلم أن الأجهزة الأمنية في الجزائر قتلت وسفحت وسحقت، فحصلت ردة الفعل هذه من شعب يختلف في نفسيته ومزاجه عن الشعوب الأخرى.

والسؤال: لو لم تكن الأزمة سياسية بخصوص جبهة الإنقاذ الإسلامية، فلماذا جاء قانون الرحمة، تم تلاه قانون الوئام، ثم قانون المصالحة، وبعد ذلك هذه المشاورات؟؟

إنهم يبحثون عن حل بشكل جزئي متمثل في جانبه الأمني والاجتماعي والإنساني، أما الحل السياسي فيظل مغيبا، وذلك من أجل امتصاص غضبة الشعب.

في الجزائر حاليا هناك من نزل من الجبل وحين لم يحصل على حقه عاد كرة أخرى إلى الجبل، والمشاورات الآن والحوارات المزعومة لها بعد أمني أكثر من البعد السياسي خوفا أن ينقلب هؤلاء ويحدثون ما يحدثون في البلد، ولذلك لا يمكن أن تكون الشعوب صفحات طبق الأصل. كل شعب له خصائصه وله نفسيته وله عقليته.

سؤال أخير لو تكرمت فضيلة الشيخ علي بن حاج، هناك خلاف بين المغرب والجزائر حول ما يسمة بملف الصحراء، أنتم في جبهة الإنقاذ كيف ترون طبيعة هذا الخلاف؟

على كل حال نحن نتمنى بحكم أننا ليست لنا سلطة، وكما قلت لك لا رأي لمن لا يطاع، لو كانوا يسمعوا لنا لقلنا لا بد من حل سياسي وفتح الحدود، لكن ليس نحن من نحكم في الجزائر، ولا الإسلاميون في المغرب الذين يقودون التجربة الحكومية يمسكون بيدهم زمام الملف. هذا الملف يتجاوزهم.

Share
  • Link copied
المقال التالي