Share
  • Link copied

باحثون وسياسيون: تحولات المنطقة تفرض رؤية مغايرة للقضية الفلسطينية

إ. عدار من الرباط

لتأم مجموعة من الباحثين الأكاديميين والفاعلين السياسيين قصد مقاربة مستجدات القضية الفلسطينية، في لقاء نظمه التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة بتنسيق مع الجمعية الفرنسية الإفريقية، احتضنه نادي المحامين بالرباط، مساء الأحد 13 أكتوبر الجاري، حضرته نخبة من الفعاليات السياسية والحقوقية والأمناء العامين ورؤساء جمعيات المجتمع المدني وبحضور وزير الإسكان الأسبق السيد إدريس التولالي ووزير السياحة السابق السيد موسى السعدي وعدد من المحامين.

وقدم إدريس هاني، المنسق العام للتجمع الذي أدار الجلسة، للقاء بومضات تنير طريق الفهم السليم للقضية، معتبرا الومضة الأولى فسلفية تجيب عن سؤال مهم جدا يتعلق بعلاقة القضية بالوجدان والفكر، حيث قال:إذا كانت القضية الفلسطينية التي يجب ألا تكتفي بأن تسكن الوجدان العربي ووجدان الأحرار بل أن تسكن الوعي والفكر والخطط والثقافة، اذا كانت ستكون هي القضية المركزية فهل استطعنا أن ننتج أنطولوجيا سياسية تحدد المكانة الرمزية للقضية الفلسطينية بحيث تصبح في قضية أنطولوجيا بالمعنى تماما الذي ذهب إليه هيدغر وهو يحاول في خضم رؤيته الأنطولوجيا الجديدة ونقده للميتافيزقا الغربية يضع ألمانيا وبالتالي أوربا في قلب الأنطولوجيا السياسية بحيث أنّه لم يجعل من محاولته هروبا من مسؤولية التموضع الجيوبوليتيكي لبلده، لكن السؤال : هل استطاع العرب تأسيس أنطولوجيا سياسية؟


وفي الومضة الثانية، التي خصصها للجيوبوليتيك وارتباطه بالتحولات الإقليمية تساءل الباحث عن كيف أنّ الربيع العربي المفتعل أزاح فلسطين من الواجهة فظهرت أولويات أزاحت مركزية القضية الفلسطينية التي تعرضت ولا زالت إلى محاولة للتصفية الممنهجة.

أما الومضة الثالثة تتعلق بالوعي الشقي وكيف أنّ تمكن الهزيمة من العقل العربي أدت به إلى حالة من الوعي الشقي لها وجهين: وجه يجسده عبيد المنزل المتماهين مع طروحات الاحتلال ويتحدثون لغته أكثر منه وهم طلائع التطبيع، ووجه تمثله حالة دونكشوط الذي سيقوده الإحباط وخيبة الأمل لكي يصبح ضد العدالة التي كان يدافع عنها باستماتة الى حد مقارعة طواحين الهواء.

أما الومضة الرابعة وتتعلق بالوعي الزائف وجملة المغالطات التي تروج في سياق ملتبس جدا، مثل عبارة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم ، وهي مغالطة سمجة وكأن الدول يمكن أتصرف كقطعة من العقار ناهيك عن أن الفلسطيني الذي تغنى بأرضه وكمزارع هو أكثر ارتباطا بالأرض، وثمة مغالطة أخرى كقول بعض المطبعين : لم تكن هناك دولة اسمها فلسطين، وتصدى الباحث لهذه المغالطة باعتبار أولا ولا اسرائيل كانت دولة في كل تاريخها فضلا عن ان الوضع الطبيعي للدول التي كانت تمارس حكما محليا تابعا للعثمانيين أصبحوا دولة والا كان هذا سيجري على سائر الدول العربية ولعل لهذا السبب يتم العمل على هشاشة الكيانات العربية فضلا عن ان الدولة هي شعب وأرض ثم إغرادة تنتج ميثاقا وعقدا اجتماعيا لقيام الدولة، الشيء الذي أعقه الاستعمار البريطاني لفلسطين.

واعتبر الباحث أن الامبريالية لا تبسط هيمنتها الا عبر الوعي الشّقي… مضيفا بأن التسيير بأهمية القضية الفلسطينية والعمل على جعلها قضية حية وبأنّها قضية الجميع وينبغي أن تكون قضية إجماع لدى كل أحرار العالم…

ثاني المتدخلين في اللقاء هو محمد لومة، وهو بالإضافة إلى كونه مؤرخا للحركة الاتحادية، مناضل ميداني عايش القضية الفلسطينية لا من موقع القرب ولكن من موقع الفاعل على أعلى المستويات، فهو قيادي في منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة، كما ناضل إلى جانب جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتخرج ضابطا من الكلية العسكرية في دمشق، وأصبح مكلفا بتدريب الفلسطينين والمنظمات الحليفة كالجيش الأحمر الياباني والمنظمات التركية المسلحة وغيرها، وبالتالي فهو خبير بالميدان من موقع القائد في المعركة وما زال جسده يحمل ندوب المعركة.

خصص ورقته لمشاركة المغاربة في الكفاح الفلسطيني، حيث اعتبر أن منطقة المشرق العربي منذ قرون سحيقة ولا تزال بالنسبة لنا، نحن المغاربيين بمثابة القبلة، أو المنارة الهادية والمرشدة، أو البوصلة التي ينعكس في صفحتها بكل صفاء عمقنا العربي، الإسلامي، وهكذا لم يكن من قبيل الصدف العابرة ان قامت كتلة العمل الوطني المغربية منذ عام 1934 بإحداث لجنة خاصة ضمن لجان برنامجها السياسي لمناهضة الاستعمار الفرنسي.. دعتها بلجنة حماية فلسطين والأماكن المقدسة بل وجعلت ترتيبها بين اللجان، يأتي قبل لجنة الشؤون الاقتصادية للقطر المغربي نفسه، ولقد فعلت الكتلة ذلك، حتى قبيل قيام دويلة اسرائيل في ماي 1948 بنحو أربعة عشر عاما، هذا مع العلم بأن الكتلة المغربية يومها كانت بمثابة التنظيم السياسي المغربي الأول.

وأضاف الباحث، هكذا، ظلت أنظار المغاربة مشدودة الى القضية الفلسطينية، لدرجة تنظيم التظاهرات المليونية الشهيرة في الألفية الثالثة، في أهم مدن المغرب، وذلك في كل مرة يرتفع فيها منسوب التآمر والعدوان والتوسع ضد عمقنا العربي الإسلامي.


مشيرا إلى انه لا يمكننا هنا نسيان واقعة بليغة مؤداها أن الأمين العام لجامعة الدول العربية الأستاذ عبد الرحمان عزام عشية إعلان قرار تقسيم فلسطين في 1947، توجه الى الأمير المناضل محمد بنعبد الكريم الخطابي في القاهرة رفقة الرئيس اللبناني رياض الصلح وعدد غفير من القادة السياسيين والدينيين العرب، وذلك لمناشدته توجيه نداء لكافة الشعوب العربية لدعوتها إلى إعلان الجهاد في فلسطين لمواجهة مخاطر التقسيم، وزرع كيان غريب في جسم المنطقة، لخدمة الصهيونية والإمبريالية العالمية، وذلك اعتبارا للمكانة العالية للأمير الخطابي في وجدان كل العرب المسلمين.

ووأوضح أنه على خطى القادة المتطوعين الأوائل من أجل فلسطين: الكولونيل الهاشمي الطود- حمادي العزيز- عبد الحميد الوجدي- ابراهيم القاضي- حدو أقشيش وغيرهم…، واقتداء بمساراتهم انخرط بدوره كمتطوع في صيف 1968 في تداريب منظمة الصاعقة- طلائع حرب التحرير الشعبية- التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي، وذلك بمعسكر الزبداني بضواحي دمشق كأول عضو زكته قيادته الحزبية المغربية، حيث ضحيت بوظيفته كمدرس ابتدائي في إقليم اكادير للذهاب إلى المشرق العربي بينما كان سنه لا يتجاوز 21 عاما.
لومة أخضع مقاربة مستجدات القضية إلى التاريخ الذي عايشه من باب التطلع للمستقبل باعتبار القضية تسكن وجدان العرب والمسلمين في كل مكان، وبالتالي لا يمكن أن تضيع نهائيا مهما اشتدت الأزمة.

من جهته تطرق هشام الشرقاوي، رئيس المركز المغربي للسلام والقانون والمنسق الإقليمي للشبكة الإقليمية حول العدالة الجنائية الدولية في شمال إفريقيا، في ورقته إلى القضية الفلسطينية ومحكمة الجنايات الدولية، تطرق فيها إلى نشأة المحكمة، سنة 2002، وهي محكمة متخصصة في جرائم الحرب، وذكر الباحث أن فلسطين لم تخظ بالوجود في هذه المحكمة نظرا لمجموعة من الاعتبارات.


وذكر أن السلطة الفلسطينية تقدمت بملف عن المجارز التي ارتكبتها إسرائيل سنة 2009 في قطاع غزة، غير أن الملف تم رفضه لأن السلطة الفلسطينية لم تكن تتوفر على الصفة، وبعد حصول السلطة الفلسطينية على صفة دولة ملاحظ بالأمم المتحدة أصبح لديها القدرة على التقدم، وانضمت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في أبريل 2015 بعدما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ميثاق روما في نهاية عام 2014.

وتجري المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015 دراسة أولية بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك منظومة الاستيطان الإسرائيلية.

وكان هشام الشرقاوي حذرا في ورقته، التي اختار لها عنوان القانون الدولي غير متناس أن هناك موازين قوى تتحكم في سير العدالة الدولية.


وفي سياق متصل تدخل عمر الزيدي، المعتقل السياسي السابق في صفوف اليسار الجديد، معتبرا أن قضية فلسطين دخلت حياته منذ أكثر من 50 سنة، حاول من خلال ورقته أن يحيط بالإكراهات التي تعيق النضال الوطني الفلسطيني، متناولا بالفحص والتحليل تحولات القضية منذ سبعينات القرن الماضي وإلى الآن، منذ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، مرورا بتعرض حركة المقاومة الفلسطينية للمؤامرات من قبل العرب.

الزيدي اعتبر أن الأوضاع الحالية أصبحت أكثر سوءا معرجا على أن امريكا انتقلت من محاربة الشعوب مباشرة إلى خوض الحرب بالوكالة، مستدلا على ذلك بالحرب التي خاضتها القوى الغربية ضد سوريا عن طريق توظيف الحركات الإرهابية، وأنه لم تعد إسرائيل وحدها وكيلا لأمريكا بل أصبح لها وكلاء كثيرون، مستعدون لإشعال الفوضى في أي دولة ترفض توجيهات أمريكا، ويكفي دليلا على ذلك أن رئيس وزراء العراق لما أشار مباشرة إلى تورط أمريكا وإسرائيل في قصف الحشد الشعبي تم إشعال الفتنة.

ويذكر أن مدير الجلسة اعتبر أن هذا اللقاء الوطني الذي جاء تحت الضغط، قائلا إنه ليس لدينا دعم ولا أي شيء من هذا وإنما نحن مجاذيب من أجل القضية الفلسطينية…

ولا بد من معرفة ما يقصد من كلمة مجاذيب لأنّه بالفعل كان مصرا على اتمام هذا اللقاء على الرغم من أنه تعرض قبل يومين لوعكة صحية، لكنه أبى إلاّ أن تتمّ، وقال في سياق التحضيرات بأنّ فلسطين تستحق العناء ولا يهمّ ما يحصل.

Share
  • Link copied
المقال التالي