في كل إدارة يوجد حرس قديم لا يبالي بالدستور ولا بالخطب الملكية ولا بالقوانين والتشريعات. حرس موجود لتطويع الإدارة والقانون والدستور بما يخدم مصالحه وتوجهاته واستراتيجيته. حرس مستعد لقتل الكفاءات وتصفية كل من يقترب من جحر فساده ولو بالصدفة.
هذا الحرس هو ما يطلق عليه بالبيروقرلطية الإدارية.له ضحايا كثر، ويستطيع مقاومة حتى الوزراء المعينين بموجب ظهائر ملكية، إذا تعارصت توجهاتهم وسياساتهم القطاعية، مع تصوراته ومشاريعه ومصالحه الضيقة، التي تنافي مع المصلحة العامة.
هذا الحرس متمدد داخل الإدارة، ويشكل شبكة مصالح أخطبوطية خطيرة، لا يحكمها اي وازع أخلاقي أو قانوني، ويحارب خصومه بوسائل قذرة، تتجاوز القانون وأحكام الدستور. حرس لا يؤمن بربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري، ويقوم بتطويع المرافق العمومية، وتسخيرها في تنزيل أجندته الخاصة، دون أي قيد قانوني او أخلاقي.
حرس له شبكة من الخدم الأوفياء داخل كل إدارة، يقتاتون من امتيازاته التي يغدق عليهم بها بوسائل ريعية مختلفة. حرس بات يشكل تهديد حقيقي للاستقرار الوظيفي لجزء كبير من الموظفين الشرفاء، إن هو شعر بأي تشويش أو خطر داهم على مصالحه المتضاربة والمتنوعة.
غريب أمر هذا الحرس، الذي كلما أعتقد المغاربة أن زمنه ولى داخل الادارة المغربية، كلما انبعث من رماده مثل طائر الفنيق. وكلما ووجه بالقانون والدستور، كلما طغى وتجبر وتمادى في جبروته وغيه.
من أين يستمد هذا الطاعون القاتل الذي ينخر جسم الادارة العليل قوته؟ من يحميه؟ ومن يشرعن تعسفاته؟ من يبيح له تجاوز الدستور والقانون والمؤسسات؟ ماذا تعني له الخطب الملكية التي طالما أشارت له وبوضوح في تشخيصها لواقع الإدارة المزري؟
مؤسف جدا ما يحدث في عدد من الإدارات التي أصبحت بفعل ممارسات الحرس القديم المسكون بالنزعة السلطوية، مجالا لممارسة كل انواع الطغيان، بأساليب عفى عنها الزمن، وتمس في العمق بالحقوق والحريات، وبمصداقية المرفق العمومي، وبتوجيهات ملك البلاد، الذي شخص في أكثر من خطاب اعطاب الإدارة وحث على التطبيق السليم للقانون فيها.
مؤسف أن نقرأ في الصحافة أن مؤسسة دستورية مثل مؤسسة الوسيط، التي ترفع تقاريرها إلى عاهل البلاد سنويا، تحث عدد من الإدارات على التطبيق السليم للقانون، أو على تنفيذ الأحكام القضائية التي حازت قوة الشيئ المقضي به، او إحترام تظلمات وشكاوى المواطنين، في الوقت الذي تصر فيه تلك الإدارات، على التعامل مع مطالب هذه المؤسسة التي لا يمكن نكران مجهوداتها، بمنطق كم من حاجة قضيناها بتركها.
من المخجل أيضا، أن تلجأ بعض الإدارات إلى تبخيس أسئلة الفرق البرلمانية، لا سيما، الكتابية منها في الوقت الذي يلزمها القانون بضرورة الرد داخل آجال قانونية لا تعيرها اي اهتمام، وكأن القوانين شرعت لكي تهمل وكأن البرلمان موجود لتأثيت المشهد المؤسساتي في البلاد!
مؤسف أن تصدر المحاكم الإدارية آلاف الأحكام القضائية لفائدة المتضررين من الإدارة دون أن ينفذ منها الجزء الأكبر، بذريعة أن السطر المالي المخصص لتنفيذ الأحكام القضائية في ميزانيتها القطاعية، لا يسمح لها بذلك، رغم ان تلك الأحكام تصدر باسم جلالة الملك!
أي فلسفة هذه التي تسمح باذمان هذا النوع من الممارسات المرفوضة بحجة سلطان الإدارة ولو مس بسلطان الإرادة؟
مؤسف للغاية، أن تستغل بعض الادارات سلطة التأديب، التي يمنحها لها القانون لممارسة الشطط والتعسف في استعمال الحق، دون إحترام الضمانات القانونية المخولة للموظفين، وهو الأمر الذي تقره أحكام القضاء الإداري، بعد أن يكون الموظف قد عانى من الظلم.
ومؤسف جدا أن يحكم الإدارة في تعاملها مع موظفيها ممارسات عدوانية غالبا ما يكون دافعها نفسي لمجرد تنبيهها إلى أخطائها في تنزيل القوانين، وكأن الموظفين قطيع من الحمير والبغال!
الاعطاب كثيرة، والخروقات متعددة، ومظاهر التعسف لا حصر لها، ومع ذلك، لا جهة تستطيع وقف هذا النزيف، وحماية حقوق المرتفقين، وتحصين الموظفين من العقلية السلطوية في الإدارة، التي أدمنت الشطط وتطويع القوانين والمرافق العمومية، وتبخيس المؤسسات الدستورية، ونهج سياسة الكيل بمكيالين، ومحاربة الكفاءات عبر صناعة الدسائس.
عيب ان يستمر كل هذا العبث الإداري اللامتناهي، وعيب أن تستمر بعض الإدارات في عدوانها على الأشخاص، والقوانين، دون استحضار خطب ملكية سامية قالت كل شيئ عن واقع إداري مرير.
تعليقات الزوار ( 0 )