لا يكاد الرأي العام المغربي يستفيق على وقع تفاصيل حادثة اغتصاب حتى يصدم بمأساة أخرى. ففي حين يحصي مختصون “حالات اغتصاب الأطفال بالعشرات سنويا”، تشير دراسة إلى استمرار هذه الجرائم في منحى تصاعدي، مما يطرح تساؤلات عدة بشأن أسباب تفشي هذه “الظاهرة” وتداعياتها المختلفة على المجتمع، وسبل التصدي إليها.
وفي مدينة سيدي سليمان المغربية، تعرضت طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات لـ”اغتصاب متكرر”، مما أدى إلى إصابتها بمضاعفات صحية ونفسية، وفقا لموقع “بديل”.
ومنذ أيام، تقدمت عائلة الطفلة بشكوى للشرطة المحلية التي انتقلت إلى عيادة الأطباء الذين كشفوا على الضحية، حيث أكدوا بدورهم وقوع عملية الاغتصاب.
وتمكنت الشرطة من توقيف المشتبه فيه، البالغ من العمر 21 سنة، بناء على شهادة الطفلة، ليتم الإفراج عنه لاحقا، بعد الاستماع إليه وأخذ أقواله في الواقعة.
وتوجهت أم الطفلة الضحية، إلى طبيب في مدينة القنيطرة، وهناك اكتشفت الحقيقة المؤلمة، عندما أخبرها الطبيب أن طفلتها “تعرضت للاغتصاب”.
ووفق شهادة الأم، طلب الطبيب من والدة الطفلة التبليغ عن الحادثة، لكن الأم فضلت الانتظار حتى “إخبار الأب”.
غير أن حالة الطفلة زادت سوءا، قبل أن تضطر الأم لعرضها مرة أخرى على طبيب آخر في المدينة، اكتشف أن الطفلة “تعرضت للاغتصاب مرات متكررة من طرف شخص بالغ”، وأكد لها أنه سيبلغ الشرطة.
وأكدت أم الضحية أن الطفلة كشفت لرجال الأمن أن “الشخص الذي قام باغتصابها هو ابن الجيران، الذي كان يمارس عليها نزواته مرات متكررة”.
وباتت الطفلة تعاني مجموعة من الاضطرابات بسبب ما تعرضت له من استغلال وحشي، وفقا لحديث الأم.
وعبرت عن استغرابها لإطلاق سراح مغتصب طفلتها وعدم متابعته، مطالبة بـ”محاسبته وأخذ حقها منه”.
جرائم متكررة
يشير رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إلى “تكرار مثل هذه الجرائم” في المغرب، كـ”ظاهرة مجتمعية متجذرة وقديمة”.
ويوضح في حديثه لموقع “الحرة”، أن هذه الجرائم “ليست مستجدة” لكنها ظاهرة موجودة، مشيرا لوجود “عشرات الحالات من اغتصاب الأطفال سنويا” في المغرب.
وفي المملكة “لا توجد إحصاءات دقيقة” عن عدد الأطفال الذين تعرضوا لـ”الاغتصاب”، وفق المتحدث.
لكن دراسة مغربية، في مطلع يناير، كشفت أن حالات العنف تجاه الأطفال المصرح عنها من قبل وزارة الصحة واليونيسف ارتفعت في البلاد ما بين العامين 2012 و2018، من 1814 حالة إلى 5069.
وأجريت الدراسة من قبل جمعية “أمان” المغربية و”المبادرة العالمية للأولاد GBI” بالتعاون مع “ECPAT”، واستندت إلى آراء 36 أخصائيا اجتماعيا في الخطوط الأمامية على اتصال بالأطفال ضحايا العنف الجنسي في المغرب.
الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب.. دراسة تكشف عن أرقام صادمة
كشفت دراسة حديثة أنجزتها كل من جمعية “أمان” المغربية و”المبادرة العالمية للأولادGBI” بالتعاون مع “ECPAT”، والتي استندت على آراء 36 من الأخصائيين الاجتماعيين في الخطوط الأمامية على اتصال بالأطفال ضحايا العنف الجنسي في المغرب أنه من أصل 5069 عنف ضد الأطفال رُصدن في البلاد خلال العام 2018 من قبل وزارة الصحة، شكل الأطفال الذكور 57 في المئة من إجمالي حالات العنف، فيما شكلت الإناث نسبة 43 في المئة.
وفي تفصيل لحالات العنف، تبين أن نسبة الفتيان الذين تعرضوا للعنف الجنسي هي 39 بالمئة، في حين شكلت الفتيات 61 في المئة، وفقا للدراسة.
بحسب رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عندما يتم اتخاذ إجراءات قانونية وقضائية تجاه المغتصبين والمتحرشين، فإن القضاء لا يصدر “أحكاما ذات فاعلية أو نجاعة” من شأنها القضاء على هذه الظاهرة،
ويقول إن “القضاء يصدر أحكاما مخففة” تجاه المتهمين، ليقضوا عقوبات “بسيطة” ويخرجوا بعدها من محبسهم، ويكرروا تلك الجرائم.
ومن جانبها، ترى رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي” المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل، نجاة أنور، أن تلك الجرائم تمثل “ظاهرة” تحمل إشكاليات صحية واجتماعية وإنسانية”.
وتقول لموقع “الحرة”، “لن نستطيع القضاء على الظاهرة بشكل كلي عن المجتمعات مادامت هناك عوامل محفزة تخلق لنا مغتصبين”.
وفي 22 مايو، قضت محكمة الاستئناف بمراكش في قضية اغتصاب قاصر، بخمس سنوات سجنا نافذا في حق المتهم، وبتعويض مدني لفائدة الضحية يقدر بـ40 ألف درهم.
وتعرضت الضحية لـ”هتك العرض والاحتجاز”، عندما كان عمرها أقل من 18 سنة، بعدما اعترض سبيلها شخص وأجبرها على مرافقته تحت التهديد بالسلاح الأبيض إلى منزله.
وفي 31 مايو، نددت فعاليات حقوقية بحكم قضائي، وصفته بـ”المخفف”، أصدرته محكمة مغربية على متهمين باغتصاب فتاة قاصر، وطالبت بمراجعته أمام الاستئناف وتشديد العقوبات في قضايا الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال.
وتعرضت الطفلة فاطمة الزهراء للاغتصاب عام 2021 حين كان عمرها 15 عاما، في قرية نواحي مدينة طاطا، جنوب شرقي البلاد، نتج عنها وضعها طفلة عمرها الآن ثمانية أشهر، بحسب إفادات خالها لوكالة “فرانس برس”.
وبعد تقدم العائلة بشكوى للقضاء، أسفرت التحقيقات عن توقيف متهم رئيسي هو مدرب الفتاة في فريق محلي لكرة القدم، وملاحقة 5 متهمين آخرين تورطوا أيضا في اغتصابها، اعتقل أربعة منهم، بينما لا يزال متهم آخر في حالة فرار.
وقضت المحكمة الابتدائية بمدينة أغادير، بالحكم على المتهمين بالسجن عاما واحدا فقط رغم إدانتهم بتهمة “هتك عرض قاصر دون عنف” في ديسمبر 2021، بحسب خال الضحية.
ووقتها، وصفت وسائل إعلام محلية هذه القضية كونها “تكرارا” لمأساة الطفلة سناء (12 عاما) التي قضت محكمة ابتدائية بسجن 3 متهمين باغتصابها عامين فقط.
وفي أواخر شهر مارس الماضي، أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط، حكما قضائيا يدين ثلاثة أشخاص بسنتين سجنا بعد اتهامهم بـ”التناوب جماعيا وبصفة متكررة على اغتصاب طفلة في الـ 11 من عمرها، ما نتج عنه حمل وولادة”.
وتعود وقائع الجريمة إلى العام الماضي، وكان عمر الطفلة وقتها 11 عاما حين تعرضت لاغتصاب متكرر نتج عنه حمل وولادة طفل.
وتعرضت”الطفلة سناء” للاغتصاب في منطقة ريفية قرب مدينة تيفلت بضواحي العاصمة.
وبعدما تقدمت عائلتها بشكوى، أدين في 20 مارس ثلاثة راشدين بتهمتي “التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف”، لكن العقوبة لم تتجاوز السجن عامين لأحدهم و18 شهرا للآخرين، بالإضافة إلى إلزامهم بدفع تعويضات للضحية، تناهز قيمتها 4800 دولار.
وأثار الحكم، الذي كشفت عنه ناشطات حقوقيات، استياء واسعا في المملكة باعتبار أن عقوبة الجريمتين لا تقل عن السجن 10 أعوام، ويمكن أن تصل إلى السجن لمدة 30 عاما، حسب “فرانس برس”.
لماذا تتكرر هذه الجرائم؟
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يفسر أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، تكرار مثل هذه الجرائم ويفند أسبابها “الأسرية والمجتمعية والأمنية والاقتصادية”.
ويرى المتحدث أن هناك تقصيرا من قبل الأسر يتعلق بـ”الشعور بالأمان الزائد الذي يدفعهم لترك أطفالهم الصغار في الشارع دون رعاية أو اهتمام”، مما يخلق “بيئة متقلبة تسهل ارتكاب جرائم الاغتصاب سواء للفتيات أو الأطفال”.
وهذا الإهمال أو “الاطمئنان الزائد عن الحد” بترك الأطفال دون رعاية، يزيد من نسب انتشار جرائم الاغتصاب، وفق حديث صادق.
ويقول “وقتها تحدث الكارثة وتظهر نداءات وصرخات الأهالي المنددة بحدوث ذلك”.
ويشير المتحدث إلى تكتم بعض الأسر وعدم التبليغ عن “تعرض طفلهم للاغتصاب”، خوفا من “الفضيحة”، بالإضافة إلى “بطء إجراءات التقاضي” تجاه المتهمين باغتصاب الأطفال، أو صدور أحكام “غير رادعة”، ما يزيد من تكرار تلك الجرائم.
ويوضح صادق أن “انتشار معدلات الفقر والجهل والبطالة” من الأسباب المجتمعية لتكرار جرائم اغتصاب الأطفال.
ويتحدث أستاذ علم الاجتماع عن بعد آخر يتعلق بوجود “أشخاص لديهم مشكلات نفسية”، يستغلون الأطفال لإشباع شهواتهم.
وهناك أشخاص “غير أسوياء” لديهم عجز في إقامة “علاقة جنسية” مع أشخاص في أعمارهم، مما يدفعهم “للتحرش بالأطفال واغتصابهم”.
وهناك من يتحرش بالأطفال أو يغتصبهم من باب “حب الفضول”، والتأكد أن “الطفل لن يفهم ماذا حدث له”، وفق المتحدث.
من جهته، يؤكد عبد الإله الخضري، وجود “أسر لا تعتني بأطفالها”، واصفا ذلك بـ”مشكلة حقيقية” في المجتمع المغربي.
ويجعل ذلك بعض الأطفال “عرضة للتحرش والاغتصاب”، لعدم عناية الأسرة بالأبناء، مشيرا إلى وجود “أسر مفككة اجتماعية أو تعاني من انفصال الزوجين”، حسب حديثه.
ويرى أن هناك “إشكالية اجتماعية عميقة” في المغرب، في ظل وجود “فراغات قانونية ومؤسساتية” تفاقم الوضع.
ويشير كذلك لوجود “أشخاص مصابين بأمراض نفسية وعقلية خطيرة” دون وجود إطار قانوني أو مؤسساتي يتكفل بهذه الفئة، أو قوانين تجبر المؤسسات الاجتماعية على العناية بها.
وحسب رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، ينبغي “دراسة تلك الفئات من الجانب النفسي جيدا”، لكونها تعاني من اضطرابات نفسية حادة، على حد تعبيره.
تحليل نفسي لـ”مغتصب الأطفال”
ويحلل استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، شخصية “مغتصب الأطفال” الذي يصفه بـ”المصاب باضطراب جنسي”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير لإصابة البعض باضطرابات تدفعهم لـ”إقامة علاقات جنسية مع الأطفال”، فيما يعرف بـ”البيدوفيليا”.
ويتحدث استشاري الطب النفسي الذي عمل على قضايا سابقة لاغتصاب الأطفال، عن عدة أنواع من “مشتهي الأطفال”.
وحسب فرويز، هناك 3 نظريات تفسر هذا “الاضطراب النفسي”، وهي “تعرض هذا الشخص للاغتصاب وهو طفل، مما يدفعه لفعل ذلك مع طفل آخر”، بدافع “الانتقام من المجتمع”.
وهناك نظرية ثانية تفسر ذلك وهي “معاناة ذلك المغتصب من عيوب في أعضائه الجنسية، لا تمكنه من إقامة علاقة سوية، والشعور بنوع من الدونية، مما يدفعه للتحرش بالأطفال واغتصابهم كعملية تعويضية”، وفق المتحدث.
وفيما يخص النظرية الثالثة، فتشير إلى وجود “خلل في خلايا المخ”، مما يدفعها للعمل بنشاط عكسي يتوجه لـ”الأطفال عوضا عن النساء”، حسبما ذكر فرويز، الذي لا يرجح هذه الفرضية.
تداعيات خطيرة
يحذر عبد الإله الخضري من تأثيرات “مدمرة” لتكرار هذه الجرائم على المجتمع المغربي.
ويشير لزيادة أعداد “مرتكبي جرائم اغتصاب الأطفال”، ويقول إن “أعداد تلك الفئات تتزايد بشكل مطرد داخل المجتمع”.
وحسب تقديرات رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، وصلت أعداد هؤلاء لـ”مئات الآلاف” نتيجة التفكك الأسري، وولادة أبناء “دون هوية الأب”، وانتشار الإدمان، ووجود مشكلات اجتماعية واقتصادية أخرى.
ويقول “نحن أمام ضحايا يعيشون طوال حياتهم في وضع مرتبك وتتفاقم وضعيتهم النفسية والعقلية، ناهيك عن طموحهم في المستقبل”.
وضحايا تلك الجرائم “لا يحظون بالرعاية الصحية والنفسية اللازمة”، حسبما يوضح.
ونفسيا، يشعر الطفل الذي تم اغتصابه أو التحرش به بـ”الخوف الشديد” ويصاب بـ”الاكتئاب”، واضطرابات بالنوم والأكل، وينعزل عن المجتمع، حسبما يوضح فرويز.
وقد يصاحب ذلك “لعثمة”، وإذا كان الطفل حاملا لجين “مرضي”، فقد يصاب بـ”مرض نفسي”.
ويقول “لقد شاهدنا حالات يصاب خلالها الأطفال بالتبول اللاإرادي والصراخ مساء، وعدم القدرة على النوم”.
وإذا أصيب الطفل بـ”سلوك معيب غير مبرر”، فذلك قد يعني تعرضه لـ”تحرش جنسي”.
ويضيف سعيد صادق بعدا آخر لتلك التداعيات، هذه المرة من “الجانب الاجتماعي”، إذ يشعر المجتمع بـ”الخوف وعدم الأمان” خشية تعرض أطفاله لـ”الاغتصاب”.
ويقول إن عدم معالجة الظاهرة “سيعيد إنتاجها في مسلسل متكرر”، نتيجة تعرض المزيد من الأطفال للاغتصاب، مما يحولهم لـ”مغتصبين عندما يكبرون”.
كيف يمكن التصدي لذلك؟
حسب رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي”، لا يمكن القضاء على الظاهرة إلا إذا اعترف “مشتهي الأطفال” أن حالته مرضية، ويجب معالجتها نفسيا.
ويجب كذلك “خلق عوامل الردع والعلاج عبر التوعية”، وإنزال أقصى عقوبة على المغتصبين، وفقا لحديثها.
وتكشف أن منظمة “ماتقيش ولدي”، باعتبارها قوة اقتراحية كما هو مخول للمجتمع المدني في دستور المغرب، وضعت لدى رئيس الحكومة مقترح “آلية إنذار بيدوفيل”.
وتوضح أنها آلية أمنية من أجل تتبع “البيدوفيليين” الذين قضوا عقوبتهم “الحبسية” ثم عادوا لحريتهم.
ويتم من خلال الآلية المقترحة، إعلام السلطات الأمنية المحلية بخروج المتهمين من محبسهم، لتقييم خطورتهم وتحديد مستوى تشديد الرقابة عليهم، حسب التقييم النفسي لكل حالة، وذلك من أجل “حماية الأطفال”.
وتقول نجاة أنور “لو سادت تلك العوامل مجتمعة، فلا يمكن أن تتكرر هذه الجرائم مرة أخرى”.
وفي 18 أبريل، كشفت الحكومة المغربية عن تخطيطها لإنشاء مؤسسات لإيواء ورعاية الأطفال ضحايا الاغتصاب، بحسب ما أفاد به وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خلال جلسة بمجلس النواب.
وأوضح أن وزارتي العدل والأسرة وضعتا تصورا لإحداث مؤسسات إيواء ورعاية للأطفال ضحايا الاغتصاب، في خطوة تهدف إلى “دعمهم وعزلهم عن المحيط الذي تعرضوا فيه للاغتصاب”، بحسب ما نقله موقع “لكم ٢”.
وأكد وزير العدل المغربي “ضرورة تتبع حالات الأطفال ضحايا الاغتصاب ومواكبتهم نفسيا واجتماعيا مع الحفاظ على حقوق الأطفال عموما وحمايتها، ومن ضمنها سلامتهم البدنية واحترام كينونتهم ووجودهم”، مشيرا إلى أن وزارته ستعيد النظر في القانون الجنائي لحماية هذا المبدأ القانوني الدولي.
وشدد وزير العدل المغربي على ضرورة إلغاء ظروف التخفيف من النص الجنائي المتعلق باغتصاب الأطفال، وعدم الاعتداد بتنازل أولياء الضحايا.
(الحرة)
تعليقات الزوار ( 0 )