يشهد المغرب منذ سنوات وتيرة متصاعدة في شراء الأسلحة وتطوير قدراته العسكرية، مُثيرًا تساؤلات حول دوافع هذا التوجه ودلالاته على خارطة التوازنات في المنطقة المغاربية التي تغلي بعض دولها بالمفارقات وبالتناقضات وبسيادة عقلية المغامرة والتخبط والتآمر.
وتُبدي إسبانيا قلقًا من تزايد التسلح المغربي، خاصةً مع صفقات الأسلحة الحديثة التي يُبرمها المغرب مع دول غربية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، وتخشى إسبانيا من أن يُشكل هذا التطور تهديدًا لسيطرتها على ثغري سبتة ومليلية، كما تنظر الجزائر بريبة إلى التسلح المغربي.
ويُعدّ استرجاع الصحراء المغربية قضية محورية في السياسة الخارجية للمملكة، حيث يُمكن ربط التسلح المتزايد للمغرب برغبة في تعزيز موقفه التفاوضي في ملف الصحراء، وخلق ديناميكية جديدة على الأرض تُرجّح كفة ميزانه في النزاع.
ويرجّح محللون وأكاديميون مغاربة استشارتهم جريدة “بناصا” الإلكترونية، أن وراء هذا التسلح دوافع مُتعددة، بعضها يتعلق بالأمن الداخلي للمغرب، وبعضها الآخر يرتبط بتطورات إقليمية ودولية.
الدوافع الأمنية والتهديدات الإقليمية
ويواجه المغرب تحديات أمنية داخلية وخارجية، أبرزها النزاع حول الصحراء المغربية وتوترات الحدود مع الجزائر، حيث يُمكن النظر إلى التسلح كوسيلة لردع أي عدوان محتمل، وتعزيز قدرة المغرب على الدفاع عن سيادته ووحدته الترابية.
وفي هذا الصدد أشار الخبير بالشأن الأمني والعسكري محمد شقير، إلى أن ميزانية الدفاع الوطني التي يصوت عليها عادة بالاجماع وبدون مناقشة من طرف نواب الأمة تعرف خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا مطردا نتيجة لعدة اعتبارات، أولها أن المغرب ومنذ أكثر من 45 سنة وهو يخوض حربا في الصحراء بتكاليفها اللوجستكية والبشرية الباهضة.
وأوضح شقير في تصريح خص به جريدة “بناصا” الإلكترونية، إلى أنه وحتى وبعد وقف إطلاق النار فقد دخل المغرب في حرب استنزاف نتيجة ما يتطلبه ذلك من مراقبة عسكرية وتموين الجنود المرابضين.
وأضاف، أن العامل الثاني، يتمثل في تحديث الجيش الذي دشنه الملك محمد السادس منذ توليه الحكم، والذي شمل تطويرالأاسطول الجوي وبناء قواعد بحرية بالإضافة إلى اقتناء قمرين للتجسس واقتناء مجموعة من دبابات متطورة ومدرعات صالحة لحرب الصحراء.
سباق التسلح بين المغرب والجزائر
أما الاعتبار الثالث، بحسبه، والذي يعتبر حاسما هو تسابق التسلح الذي تفرضه الجزائر على المغرب حيث تخصص قيادتها أكثر من 10مليار دولار سنويا لاقتناء معداتها العسكرية، خاصة من روسيا والتهديد التي تمارسه على حدود المغرب ومحور عقيدتها العسكرية حول استعداء المغرب مما يفرض على المغرب اقتناء أسلحة متطورة سواء جوية أو تجسسية أو برية لمواجهة هذه التهديدات مما يزيد من رفع الانفاق العسكري بالمغرب.
وأشار شقير، إلى أن الزيادة في ميزانية القوات المسلحة ليس فقط في السنة المقبلة بل في الخمس سنوات المقبلة خاصة بعد العمليات الأخيرة في الكركرات والمناوشات على جدرن الدفاع في الصحراء وتعديل الدستور الجزائري الذي يسمح للرئيس بخوض الجيش الحرب خارج التراب الجزائري مما ينذر بإمكانية شن حرب في المنطقة ينبغي للمغرب أن يستعد لها بكل الوسائل تبعا للمقولة السياسية المشهورة: “إن من يريد السلام ينبغي أن يستعد للحرب”.
محمد الطيار الخبير والباحث في الدّراسات الإستراتيجية والأمنية، يعتبر أن القوة الاقتصادية والتكنولوجية فضلا عن القدرة العسكرية وتصنيع الدولة لسلاحها، من أهم معايير قوة الدولة واستقلاليتها، ولتحقيق ذلك وضع المغرب استراتيجية عسكرية أصبحت، تحت قيادة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تستند على قاعدة مؤسساتية صلبة، ورؤية متكاملة تقوم على مواكبة شاملة للتطورات العالمية في صناعة الأسلحة، وتبتغي تعزيز موقع المملكة في مجال الاستثمارات العسكرية.
وأكد الطيار في حديث مع جريدة “بناصا”، أن الاستراتيجية المغربية متنوعة ومتعددة الأبعاد، وتقوم على تعزيز قدرات الجيش المغربي الدفاعية والعملياتية واللوجيستيكية، والرفع من قدرته على مسايرته الأنماط الحديثة للحروب، حيث تم اعتماد مخطط شامل يشمل تجهيز وتطوير القوات المسلحة وفق برامج مندمجة، تقوم أولا على الاهتمام بالعنصر البشري وإعداده وتأهيله لمواكبة التغيرات وتطوير منظومة التخطيط والقيادة، وامتلاك الامكانيات التقنية الحديثة.
توطين الصناعة العسكرية وإنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع
وهذه الاستراتيدية تشمل أيضا توطين الصناعات العسكرية ودخول عصر الصناعات العسكرية من الباب الواسع، لتلبية حاجيات الدفاع والأمن الوطني، والعمل على إدراج الصناعة العسكرية ضمن النسيج الصناعي الوطني، من أجل لعب دور مهم في التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقلال تدريجياً في مجال الصناعة الدفاعية وتنمية البحث العلمي مع بناء علاقات تعاون بين القوات المسلحة الملكية ونظيرتها من الدول الشقيقة والصديقة.
ولفت الخبير الأمني، إلى أنه وفي هذا الاطار المواكب لتوطين الصناعة العسكرية بالمغرب، تم أيضا إنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع التابع للكلية العليا للدراسات العسكرية، والذي جاء بعد الاعلان عن برامج التطوير والبحث العلمي التي تم اطلاقها من قبل بشراكة مع الجامعات والمعاهد.
وشدد المتحدث ذاته، على أن الإعلان عن إنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع، يستهدف بالأساس المساهمة في تكريس ثقافة المقاربة الاستراتيجية في التعامل مع إشكاليات وتحديات الأمن القومي المغربي، ويستهدف كذلك الرفع من القدرة على استشراف المستقبل، لأنه لمسايرة الأنماط الحديثة للحروب والتحولات الجيو استراتيجية التي تشهدها الساحة الدولية، لابد من التنسيق الفعال بين جميع عناصر القوة الوطنية.
كما أن إقبال دول من الوزن الكبير كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والبرازيل والصين وتركيا، المعروفة على المستوى العالمي بصناعتها العسكرية القوية، وغيرها، على إبرام شراكات “غير تقليدية” مع المغرب فيما يخص تجارة الأسلحة و توطين الصناعة العسكرية، يأتي لكون المغرب دولة تتمتع بمصداقية فيما يخص العلاقات السياسية والتجارية والعسكرية، ويأتي كذلك بسب الانطلاقة الاقتصادية القوية التي شهدتها المملكة خلال العقدين المنصرمين، وانتقال العديد من الشركات الدولية إلى المغرب وفتح استثمارات حققت نجاحا كبيرا على المستوى الدولي ومنها صناعة السيارات وأيضا تصنيع الطائرات التجارية.
وخلص محمد الطيار، إلى أن دخول المغرب لمجال التصنيع العسكري لا يتعلق فقط بالتهديدات والمخاطر المرتبطة بقضية الصحراء المغربية ودور الجزائر في الحفاظ على بيئة غير آمنة في المنطقة، بل يدخل في إطار بناء استراتيجية خاصة للردع والدفاع، والاستعداد الدائم والتحسب لوقوع مخاطر غير متوقعة يصعب التكهن بحدوثها أو بآثارها، فضلا عن تعزيز موقع المملكة في مجال الاستثمارات العسكرية.
هشام معتضد، الخبير في الشؤون الاستراتيجية والسياسية في حديثه لصحيفة “بناصا” عدد العوامل التي تدفع المملكة المغربية للرفع من وتيرة التسلح، قائلا: إن تحيين وتطوير الترسانة الأمنية والعسكرية للمغرب يندرجان في إطار الديناميكية الطبيعية للدول من أجل مواكبة سياقها الإقليمي وحاجيات مكوناتها الدفاعية والأمنية من أجل المحافظة على أدوار مؤسساتها المكلفة بالحماية الترابية وصون الأمن القومي والدفاع الوطني.
وأوضح الخبير المغربي، المقيم بكندا، أن المغرب تبنى رؤية جريئة منذ سنوات بخصوص “الكم” و”الكيف” المتعلق بتسليح مختلف فرقه العسكرية لتستجيب لتطلعات المغرب الإستراتيجية على المستوى الإقليمي ومواكبة توجهاته السياسية في إفريقيا، خاصة وأن الرباط تضع مؤسساتها الدفاعية والأمنية في صلب تطوير مفهومها للدولة والسلطة.
وأضاف، أن رفع مزانية الدفاع وتبني خريطة طريق تعتمد على تنويع الشركاء العسكريين والأمنيين، بالإضافة إلى توجه الدولة الرامي إلى إحداث صناعة عسكرية ودفاعية وأمنية محلية كلها أعمدة جديدة ستمكن القطاع الحربي المغربي من تقوية حضوره العسكري في المنطقة والتموقع إستراتيجيا ضمن ديناميكية توازن القوى إقليميًا وقاريا بما يسمح للرباط تنزيل رؤيتها السياسية خارجيا.
الهشاشة السياسية لبعض الأنظمة في أفريقيا
من جانب آخر، اعتبر معتضد، أن الاضطرابات الأمنية وعدم الإستقرار السياسي في الساحل والصحراء، بالإضافة إلى الهشاشة السياسية التي تعيشها بعض الأنظمة لشمال إفريقيا وتسريع التسلح العسكري لإسبانيا، أضف إلى ذالك التغييرات السوسو-ديمغرافيا التي تعرفها المنطقة المغاربية والساحل والصحراء والإسثتثمارات المغربية في إفريقيا، كلها عوامل ضمن أخرى تحتم على الساهرين لتخطيط القطاع الدفاعي والأمني للمغرب على ضبط مسار تطوره والحفاظ على صلابة منصته الإستراتيجية.
وحسب المصدر نفسه، فإن ملف الصحراء والديناميكية الإقتصادية والسياسية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة بالإضافة إلى الأدوار الجديدة التي أصبحت القوات المسلحة الملكية تقوم بها على الصعيد الإنساني والإجتماعي داخليًا وخارجيا والرغبة في تأهيل مختلف المدارس والمعاهد والأكاديميات العسكرية والأمنية من أجل المساهمة في تكوين ضباط وضباط صف أجانب والعزم على الدفع بالتكوين العسكري المغربي إلى مستويات يستجيب للمعايير الدولية والتطلعات السياسية، عوامل أخرى تأطر هذا التحول الكبير الذي يشهده القطاع الأمني والدفاعي للمغرب بخصوص التسلح و التموين.
الإستثمار الإستراتيجي في الواجهة الأطلسية
وأشار الخبير في الشؤون الاستراتيجية والسياسية إلى أن المغرب يريد الإستثمار الإستراتيجي في الواجهة الأطلسية ويعتبر شريك عسكري وأمني مهم لكل من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الاوروبي وتربطه علاقات دفاع أمني وعسكري بالعديد من الدول العربية والخليج العربية، وبالتالي لا يمكنه أن يختار توجه أخر غير الإنكباب في تطوير وتسليح وتحديث قطاع العسكري صناعيًا ومهنيا من أجل الحفاظ على توازناته الإستراتيجية وتعزيز شراكاته الدولية والدفاع عن مكتسباته السياسية والدبلوماسية.
ويشهد المغرب، في ظل التحولات الجارية في المنطقة، اتجاهًا نحو تعزيز قدراته العسكرية بشكل ملحوظ، وتأتي هذه الخطوة، التي تتضمن صفقات سلاح جديدة وتخصيص ميزانيات ضخمة، في إطار سعي المملكة لضمان أمنها القومي وتعزيز موقعها الإقليمي.
وفي تقرير له، كشف معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، قبل أشهر، أن المغرب أنفق ما يقارب 23 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة في إطار خطته لتحديث القوات المسلحة الملكية بمختلف فروعها ممتد لخمس سنوات.
وأورد المعهد بناء على أرقام صادرة عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن الانفاق يعادل ارتفاعا بنسبة 32 في المئة في ميزانية الإنفاق العسكري مقارنة بالفترة السابقة لهذه المرحلة، ما جعله يحتل الرتبة 29 عالميا في قائمة مستوردي الأسلحة.
وأبرم المغرب العديد من صفقات السلاح مع عدد من الدول التي تربطها به علاقات قوية، والملاحظ حسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن أغلب الأسلحة التي يستوردها الجيش المغربي بمختلف قواته، البرية والجوية والبحرية، قادمة من الولايات المتحدة، بنسبة 76 في المئة، ما يعطي الجيش المغربي تفوقا إستراتيجيا في المنطقة.
ووضع تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى الجيوش على مستوى العالم لعام 2023 المغرب من ضمن 145 دولة شملها المؤشر، واحتل المغرب المرتبة الحادية والستين عالميا، ووفقا لهذا التصنيف جاء المغرب في الترتيب السادس عربيا، والسابع أفريقيا.
وأجبر التفوق المغربي النوعي والكمي النظام الجزائري إلى التقدم بطلب شراء لطائرات “سي.أش 5 رانباو” القتالية وطرادات ثقيلة من شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية، ومن المرتقب أن تتسلم الجزائر طلبياتها قريبا، بحسب ما ذكره موقع “مينا ديفونس” المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية.
تعليقات الزوار ( 0 )