قال معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، المعروف اختصارا بـ(FPRI)، إنه وخلال الأشهر القليلة الماضية، ظهر خطاب جديد حول الصحراء المغربية، وفي أعقاب هجوم البوليساريو على السمارة، أثيرت مخاوف جديدة من أن جبهة البوليساريو والدول الراعية لها (مثل الجزائر وجنوب أفريقيا) تعمل على تقويض المصالح الأمريكية.
ويرى بعض المحللين، أن الأحداث الأخيرة تتطلب تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية والجزائر دولة راعية للإرهاب، حيث ترفض جبهة البوليساريو وأنصارها بشدة هذه الادعاءات، وفقا للمؤسسة الفكرية الأمريكية التي تتخذ مقرها فيلادلفيا، بنسلفانيا.
وأوضح المعهد، أنه لفهم هذه التطورات، من المهم أن نفهم ما يحدث خلف الكواليس في العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر وبين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، وعند النظر إليها من خلال هذه العدسة، تبرز أسباب تنافسية جديدة تدفع حكومة الولايات المتحدة وحلفائها إلى دعم تعزيز السيادة المغربية على الصحراء.
واعتبر المعهد الأمريكي، أن هذه التحولات السياقية لا تهدد فقط وجود جبهة البوليساريو: بل يمكن أن تخلق توترات في العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر وبين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، والتي يمكن أن تستغلها الجهات الفاعلة الحكومية الأخرى، مثل الصين أو إيران أو روسيا.
وفي الوقت نفسه، هناك أيضًا تحولات سياقية تدفع في الاتجاه المعاكس، والأهم هو التحسن الأخير في العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر، حيث تقود هذا الأمر سفارة الولايات المتحدة في الجزائر ومجلس الأمن القومي.
ويدرك البيت الأبيض أن هذا يمثل مشهداً استراتيجياً مليئاً بالتحديات، وهي تتقبل أن هناك حاجة إلى تغيير الوضع الراهن وترى أن تكثيف العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة في الصحراء هو أفضل خيار ممكن لمحاولة القيام بذلك، هذا على الرغم من أنه سيخلق توترات في العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب.
خلفية
وأشار تقرير المعهد، إلى أنه كانت هناك تحولات كبيرة في السياق الإقليمي للصراع الطويل الأمد بين المغرب وجبهة البوليساريو، وكلها زادت المخاوف في واشنطن، أولاً، هناك تصور واسع النطاق بأن علاقات روسيا مع الجزائر وجنوب أفريقيا أصبحت أقوى منذ غزو أوكرانيا.
وإلى جانب توسيع إطار البريكس، أثار هذا تساؤلات حول التفضيل المشترك بين البلدين لنظام عالمي جديد، وهناك مخاوف بشأن الدور الذي يُعتقد أن الحكومتين لعبتاه في تعليق وضع إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي وعلاقاتها مع إيران والجماعات المسلحة الفلسطينية، وخاصة في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل.
وفي الصحراء المغربية، أدى هجوم البوليساريو على السمارة إلى زيادة المخاوف بشأن رعايتها لجبهة البوليساريو في صراع متصاعد مع حليف أمريكي أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين على الجانبين.
ونتيجة لذلك، هناك تصور بين بعض المحللين بأن الجزائر وجنوب أفريقيا تعملان على تقويض المصالح الأمريكية، ويعمل البيت الأبيض جاهدا لتغيير تلك التصورات، حيث ترى السفارة الأمريكية بالجزائر تصدعات في العلاقة الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا ترغب في استغلالها.
كما أنها تعترف بخطر دفع الجزائر إلى التقارب مع الصين وإيران وروسيا إذا دعمت علناً تعزيز السيادة المغربية على الصحراء، ولذلك تبحث إدارة بايدن عن نهج يزيد من مصالح الولايات المتحدة، وتخشى الحكومة المغربية أن يأتي ذلك على حساب مصالحها الخاصة.
تقييم اللاعبين الرئيسيين
وبالنسبة لجبهة البوليساريو، حسب التقرير، فإن هذا التحول في السياق الخلفي يحمل آثارًا مهمة على مستقبل كفاحهم المسلح من أجل إقامة دويلة مستقلة في الصحراء، وفي بعض الأحيان كانت هناك رغبة بين أعضاء الكونجرس في فرض تكاليف على الجزائر وجنوب أفريقيا بسبب تقويض المصالح الإقليمية للولايات المتحدة.
وأبرز معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، أنه بالنسبة للجزائر وجنوب أفريقيا، توفر القومية الصحراوية منصة قيمة لإظهار القيادة العالمية في سياسات مناهضة الاستعمار والفصل العنصري.
وبالنسبة لحكومة الولايات المتحدة، فإن تعزيز السيادة المغربية من شأنه أن يحرم الجزائر وجنوب أفريقيا من أولوية السياسة الخارجية، ومع ذلك، فإنه قد يخاطر أيضًا بدفع الجزائر العاصمة وبريتوريا نحو منافسي القوى الكبرى، وبالتالي، تحاول إدارة بايدن مقاومة الضغوط لاستخدام الصحراء كمنصة لفرض عواقب على الجزائر وجنوب إفريقيا.
خيارات السياسة
وبالنسبة لواشنطن، هناك مجموعة غير حصرية من التدخلات السياسية التي قد تكون مفيدة في السعي لتعزيز السيادة المغربية على الصحراء، ويمكنها تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، ومن ثم النظر في تصنيف الجزائر وجنوب أفريقيا كدول راعية.
ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها زيادة تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بجبهة البوليساريو مع المغرب، ونقل المزيد من القدرات المتقدمة لمكافحة التمرد إليهم، كما يمكن للحكومة الأمريكية الضغط على الدول الإفريقية الشريكة لسحب الاعتراف الدبلوماسي بالجمهورية الوهمية، بل ويمكنها حتى إنهاء وضع المستفيد في جنوب أفريقيا بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا.
لقد قرأ محللو بيلتواي بالفعل، وأعربوا عن تأييدهم لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية في أعقاب هجمات السمارة، وهذا يتناقض بشكل حاد مع النهج المفضل لإدارة بايدن: تكثيف العملية السياسية للأمم المتحدة “للتوصل إلى حل دائم وكريم” في الصحراء.
حسابات الأمريكان
وبالنسبة لإدارة بايدن، يتطلب اتخاذ القرار بشأن الصحراء دراسة متأنية للحقائق السياسية التي لها اتجاهات متعددة، فعلى سبيل المثال، من شأن توطيد السيادة المغربية على الصحراء أن يعزز المصالح الوطنية المتصورة للمغرب وإسرائيل، ويعتقد عدد كبير من الأميركيين أن حكومة الولايات المتحدة “يجب أن تأخذ مصالح الحلفاء في الاعتبار، حتى لو كان ذلك يعني تقديم تنازلات.
وتعهد الرئيس جو بايدن بحماية النظام الدولي الليبرالي خلال حملته الانتخابية، ويتطلب النظام الدولي الليبرالي أن “يقيد القانون الدولي تصرفات الدول”، حيث إن موقف القانون الدولي هو أن الصحراء هي منطقة غير خاضعة للاحتلال العسكري للمغرب.
ومع ذلك، تعهد بايدن أيضًا “بالوقوف جنبًا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا الرئيسيين مرة أخرى”، علاوة على ذلك، هناك تصور واسع النطاق مفاده أن الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي يعتمد على “نظام التحالفات الأميركي”.
وفي حين أن بعض أعضاء الكونغرس قد يرغبون في فرض عواقب وخيمة على الجزائر وجنوب أفريقيا، يبدو أن البعض الآخر لديه الرغبة في “إعادة إلزام الولايات المتحدة بالسعي إلى إجراء استفتاء حول تقرير المصير”.
وفي وقت سابق من هذا العام، أشار البيت الأبيض إلى تحول عملي نحو التعامل مع “المنطقة بطرق تتفق مع قوانيننا حتى نتمكن من الاستمرار في التأكد من أن المنطقة آمنة”.
ونتيجة لذلك، فمن شبه المؤكد أن أي عملية صنع قرار في السياسة الخارجية بشأن الصحراء ستأخذ في الاعتبار التأثير على المهام ذات الأولوية للأمن القومي، بما في ذلك المنافسة بين القوى الكبرى، وحماية الموقف العسكري في الخارج للولايات المتحدة وحلفائها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
من الصعب القول ما إذا كانت إدارة بايدن ستتخذ خطوة جذرية لدعم تعزيز السيادة المغربية على الصحراء، وهي تفضل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض من خلال العملية السياسية التي تجريها الأمم المتحدة بدلا من ذلك.
التصورات في الخارج
ويستفيد عدد من الدول من التدخل السياسي الأمريكي لدعم توطيد السيادة المغربية على الصحراء، وخاصة المغرب، وعلى صعيد متصل، ترى إسرائيل أن تطبيع العلاقات مع المغرب يصب في المصلحة الوطنية.
ويرى التقرير، أن تعزيز السيادة المغربية على الصحراء من شأنه أن يزيل التوتر الكبير الموجود في العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب، وهذا بدوره يخفف من خطر قيام الحكومة الأمريكية بسحب اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو ما كان شرطا مسبقا لتطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية.
وتعتبر إسرائيل أن الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي يصب في مصلحتها الوطنية، ومن شأن إنهاء عضوية جبهة البوليساريو في الاتحاد الأفريقي أن يقلل من عدد أعضاء الاتحاد الأفريقي المعارضين لاستعادة ذلك الوضع، كما سيكون بمثابة انتقام من الإجراءات السابقة التي اتخذتها الجزائر وجنوب إفريقيا ضد مصالحها الوطنية.
ومن المرجح أن تنظر الصين وإيران وروسيا إلى التدخل السياسي الأمريكي لدعم توطيد السيادة المغربية على الصحراء باعتباره فرصة ثمينة لمحاولة دق إسفين في العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، من بين أمور أخرى.
وخلص تقرير المعهد الأمريكي، إلى أنه وفي عالم يتسم بالمنافسة بين القوى العظمى، والطوارئ المتداخلة، والمعايير العالمية المتغيرة، فإن بعض الجهات الفاعلة الحكومية التي تتوقع أن تكون مستفيدة ربما تصبح في الواقع ضحايا، ويشمل ذلك حكومة الولايات المتحدة.
تعليقات الزوار ( 0 )