حاوره نور الدين لشهب
لم يكن الهدف من الحوار سوى الاستفهام عن علاقة حزب النهضة والفضيلة وتنظيم الشبيبة الإسلامية، مع عبد الله العماري، أحد القيادات السابقة في تنظيم الشبيبة الإسلامية، والذي كان مقربا من عبد الكريم مطيع، وهو الآن عضو الأمانة العانة لحزب النهضة والفضيلة، غير أن الحوار امتد ليشمل جانبا من تاريخ الشبيبة الإسلامية، وكذا علاقة عبد الإله بنكيران بالتنظيم الأم، وموقفه من اغتيال المناضل النقابي عمر بنجلون حينما وصف بنكيران عمر بنجلون بـ” الكلب الأجرب والملحد الذي كان يسب الله ورسوله.. مستنكرا أن تطال حملة الاعتقالات والأحكام القضائية خير الشباب”.
وعرج عبد الله العماري، المحامي بالدار البيضاء في هذا الحوار الخاص إلى العلاقة الوطيدة التي كانت تربط بنجلون ومطيع، وعن لقائها الأخير قبيل حادث الاغتيال ببيت محمد الوديع الأسفي، والد صلاح الوديع، حيث باح العماري عن طبيعة العلاقة بين مطيع وبنجلون حيث قال بالحرف:” مطيع وبن جلون كانا على علاقة وطيدة، لما كان معا يناضلان في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث كانا يشتغلان جنبا إلى جنب في الإعلام الحزبي، وخصوصا في جريدة الأهداف، التي كانا يشرفان عليها مع نخبة من مثقفي الاتحاد، وتعاونا في العمل النقابي وفي مواجهة البيروقراطية النقابية للاتحاد المغربي للشغل، وفي مواجهة تسلط المحجوب بن الصديق، وفي الوقت الذي كان يؤسس عمر بن جلون النقابة الوطنية للبريد، كان مطيع يشرف على تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، وهما النواة الأولى للكونفديرالية الديمقراطية للشغل لاحقا”.
الحوار مع عبد الله العماري امتد إلى أشياء لم يسبق للإعلام أن تطرف إليها بخصوص تاريخ الحركة الإسلامية وكذا علاقة التنظيم بحزب النهضة والفصيلة خلال الآونة الأخيرة، وانتقد شهادة المصطفى المعتصم في حوار له مع جريدة وطنية… وأشياء أخرى ستكتشفونها في تجاويف هذا الحوار..
خلال فترة قصيرة، وفي غضون ما لا يقل عن شهر، أصدر حزب النهضة والفضيلة بلاغين موجهين في مضمونهما إلى حركة الشبيبة الإسلامية، وإلى قائدها عبد الكريم مطيع، الأول ردا على بيان هذه الأخيرة بنفي علاقتها وعلاقة أتباعها بحزبكم، والثاني عزاء بوفاة حليمة الجدوري والدة خديجة أبي بكر مطيع حرم عبد الكريم مطيع، وقد انفردتم وحدكم بهذه التعزية من بين الأوساط السياسية والإسلامية، ما سر هذا الاهتمام والتقارب الذي يصر عليه الحزب ؟
أولا: قدم حزب النهضة والفضيلة تعازيه للشيخ عبد الكريم مطيع وحرمه وعائلتيهما، والحركة الإسلامية المغربية والشبيبة الإسلامية في رحيل السيدة الجليلة حليمة الجدوري، تغمدها الله في رحمته، وحضرت الأمانة العامة في جنازتها وفي مأتمها، عرفانا بعطائها النضالي وصبرها الجميل الطويل في انتظار عودة ابنتها من المنفى، الحاجة خديجة أبي بكر مطيع، والتي تعتبر أشد النساء المغربيات محنة وبلاءا كواحدة من المنفيات السياسيات التي تحملت ما ينيف على 32 سنة من الاغتراب والنفي السياسي القسري والإبعاد عن الأهل والوطن، بل تكاد تكون المنفية السياسية الوحيدة، والتي لم يلتفت لمعاناتها، للأسف الشديد، دعاة حقوق الإنسان سواء منهم الرسميون أو المستقلون، وكذا حال الجمعيات النسائية، ناهيك عن الأحزاب السياسية، ومن بينها الأحزاب والمنظمات والجمعيات الإسلامية.
وللأسف الشديد، فقد غفل الإسلاميون بجماعاتهم وجموعهم، وهيئاتهم، عن مواساتها وتعزيتها، ولو بكلمة، بالرغم من كونها سيدة البيت الأول في الحركة الإسلامية بالمغرب، والمؤسسة الأولى للعمل النسائي الإسلامي المنظم، وأنها تابعت عطاءها لهذا العمل النسائي الإسلامي، في سنوات الحصار والجمر والرصاص، بعد تغييب زوجها عبد الكريم مطيع عنها سنة 1975 بالنفي القسري.
خديجة أبي بكر مطيع كانت يمنا وخيرا وبركة على البلاد، لأنها بمجرد زواجها من عبد الكريم مطيع، تغيرت حياته نحو التوجه الإسلامي، فأسس الأنوية الأولى للحركة الإسلامية بالمغرب، والتي كتب لها أن تغير المعالم الاجتماعية والسياسية في البلاد، وأن تقلب التوازنات السياسية نحو مصلحة البلاد بتعميق وتغليب تيار الهوية والأصالة في المجتمع المغربي.
ثانيا: حزب النهضة والفضيلة الذي يكرس في أدبياته وخطاباته وشعاراته، مبادئ تمكين العلماء العاملين من مكاناتهم وأدوارهم في خدمة الوطن، ويرسخ قيم الاعتزاز برجال الوطنية والدعاة الصادقين، لا يمكن له إلا أن يولي رجلا من خيرة العلماء، ومن أفاضل الوطنين المخلصين من طراز عبد الكريم مطيع، الذي تربت على يديه وتخرجت من مدرسته الأجيال تلو الأجيال، لا يمكن أن يوليه إلا فضيلة التبجيل والتقدير والتكريم، كما يليق بمقامه المتفرد.
تحتفظون بكل هذا التقدير، لمن وضع بين أتباعه وبين حزبكم تحذيرا وحاجزا وفاصلا، ووصف الأحزاب السياسية المغربية بأنها سوق للنخاسة، وحزبكم جزء من المشهد السياسي، بما يعني أنكم مشمولون بهذه السبة ؟
نحن نحترم وجهات النظر المختلفة في تقييم الأوضاع السياسية، ومن حق الشبيبة الإسلامية أن ترفع اللبس، الذي حام حول علاقتها بحزب النهضة والفضيلة، فقد ضم الحزب في صفوفه، وفي أمانته العامة، بعضا من مؤسسي الشبيبة الإسلامية، وبعضا من العاملين السابقين في تنظيماتها بدءا من الساعات الأولى من انطلاقها، وبعضا من المعتقلين السياسيين الإسلاميين سابقا، فاعتقد بعض الملاحظين والإعلاميين والخبراء في الحركات الإسلامية أن هناك خيوطا رفيعة بين الحزب والحركة، والحال أنه ليس بين الطرفين سوى تبادل الاحترام والتقدير الواجب بين أبناء الوطن، الساعين لخدمته وترقيته وتحصين هويته وسيادته.
وإذا كان بيان الشبيبة الإسلامية قد وصف الأحزاب بأنها سوق للنخاسة، فإن واقع الأحزاب في البلاد العربية، وبلدان العالم المتخلف لا يرتفع عن هذا الاتصاف، وفي المغرب افتقد العمل الحزبي والسياسي جوهره ونصاعة قيمه ومبادئه التي انطلق بها منذ تأسيس العمل الوطني في مواجهة الاستعمار الفرنسي. إذ أنه وبعد سنة 1963، عندما أصيبت الحركة الوطنية وأحزابها بانتكاسة إلى حضيض التكالب والتهارش على المصالح الخاصة، ووقعت في الموت البطيء، كما وصفها “بالازولي” أحد علماء الاجتماع السياسي، وفسدت الحياة السياسية بفساد النخب الحاكمة والسياسة والنقابية والمثقفة، ولم يعد العمل السياسي مجالا للتضحية والنضال والكفاح وخدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حوزة وحصون الوطن، بقدر ما أصبح احترافا من أجل الإثراء غير المشروع فوق هامات وظهور السواد الأعظم من المواطنين الغارقين في الفقر والذل والحرمان، وتحولت الأحزاب إلى ضيعات خاصة تورث للأبناء والأقرباء، وورشات لاستدرار الملايين فالملايير فالخزي والوبال على البلاد، ولم يعد هناك فرق بينها وبين سوق النخاسة والعبيد، دون أن ننفي وجود قطاعات من أولي الفكر والرأي والنضال الذين يسعون بإرادات جادة إلى تطهير الحياة السياسية، مما ران عليها وراكمته من لوثات ونفايات واهتراءات.
بدأت تظهر بعض الكتابات في الصحف، يحاول أصحابها استكشاف تاريخ الشبيبة الإسلامية، إلى أي حد، قد تفلح هذه الكتابات في رسم خارطة لأحداث ووقائع وتطورات حركة الشبيبة الإسلامية ؟
لم يستطع كثير من الباحثين رسم معالم هذا التاريخ، لسبب بسيط هو أن الشبيبة الإسلامية كانت من أكثر التنظيمات إغراقا في السرية والتكتم، وكثيرون ممن عاش في صفوفها لا يدركون كثيرا من تفاصيل مراحلها، وقلة قليلة هم من يعرف أسرارها وألغازها، ولم يتأت لهذه القلة القليلة أن تتحدث بعد، والذي يعرف شيئا من سيرتها تغيب عنه أشياء كثيرة.
هل من هذه الأسرار، مثلا، حادث اغتيال عمر بن جلون، الذي ألصق بالشبيبة الإسلامية وبقيادتها؟
حادث اغتيال عمر بن جلون، لم يكن سرا، فقد بات الرأي العام المغربي على علم بتفاصيله على التو من وقوعه، ومن خلال المحاكمة الشهيرة التي برأت الشيخ ابراهيم كمال، الذي يتقاسم مع الشيخ عبد الكريم مطيع نفس الحال والموقع والمركز القانوني في ملابسات تلك القضية، غير أن مطيع حوكم غيابيا، لكونه لم يحضر للدفاع عن نفسه، فذلك هو نظام القضاء الجنائي والمسطرة الجنائية بالمغرب، والحادث لم تبق فيه أسرار، بعد أن تحدث الفاعلون بأنفسهم على صفحات الجرائد فور الإفراج عنهم من السجون بعد 28 سنة من الاعتقال، وشهدوا بأنفسهم علانية أمام الرأي العام على انتفاء علاقتهم بالشبيبة الإسلامية، وعلى براءة عبد الكريم مطيع، مما يشاع ضده.
واكتمل الوضوح في القضية، فأصبح كالشمس في رابعة النهار، بتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة الذي حسم الشك نهائيا، بتحديد الأطراف الضالعة في الجريمة، وقد اشترك في صياغة التقرير خبراء من رجال القانون ومن مراجع الأمن وخبراء جامعيون، ومن المعتقلين السياسيين السابقين، وعلى رأسهم المرحوم ادريس بنزكري، وأكد هذا التقرير أن عبد الكريم مطيع ليس من بين هذه الأطراف.
لعماري يقبل رأس الراحل إبراهيم كمال، الرجل الثاني في الشبيبة (خاص)
ولكن مصطفى المعتصم أمين عام حزب البديل الحضاري، وهو من قدامى أبناء الشبيبة الإسلامية، يروي من خلال جريدة المساء، أن عبد الكريم مطيع هرب بعد الجريمة، ويسوق أقوالا توحي بشكل ضمني، بضلوعه فيها، وكذلك تحدث الباحث الإسلامي ادريس هاني في جريدة النهار، باتهامه المباشر بضلوع الشبيبة الإسلامية وقيادتها في هذا الاغتيال، ألا ترى أن ذلك الهروب لعبد الكريم مطيع كان مدعاة للشك؟
الذين يتحدثون من خارج التجربة، ولم يعايشوها من قريب أو من بعيد، إنما يحتطبون الحطب من هنا وهناك، ويخبطون خيط عشواء لا يليق برصانة ودقة أهل البحث العلمي، الذين يجتنبون الدس والافتراء والتدليس، وتصفية الحسابات الفكرية أو المذهبية.
والذين عاشوا التجربة، ولهم رؤية من الداخل، مثل مصطفى المعتصم، يقعون في اجتزاء المعطيات، ومن تم يقعون في تغليط الرأي العام والإساءة إلى تاريخ الحركة الإسلامية بوصمها بعار الوقوع في التوظيف والتسخير، فالمعتصم الذي تحدث عن هروب عبد الكريم مطيع، نسي أو تناسى أن يخبر الرأي العام عن ظروف خروج عبد الكريم مطيع وابراهيم كمال إلى اسبانيا، لقد كان خروجا عاديا وبشكل قانوني لحضور مؤتمر فكري ودعوي بغرناطة أشرفت عليه الجمعية الإسلامية التي يرأسها الناشط السوري نزار الصباغ، والذي اغتالته مخابرات حافظ الأسد سنة 1980، وقد تسلم مطيع وكمال الترخيص بالسفر من وزارة التربية الوطنية آنذاك، ومن السلطات الإدارية المعنية، أسبوعا قبل اغتيال عمر بن جلون، لكون مغادرة البلاد بالنسبة للموظفين تستلزم الترخيص، وقد كان الظرف، ظرف عطلة لرجال التعليم، وقد عاد كمال بعد انتهاء أشغال هذا المؤتمر بشكل عادي، بينما تابع مطيع سفره وفق جدوله الزمني، إلى الديار السعودية لحضور اجتماع سكرتارية منظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي، إذ كان أحد أعضاء هذه السكرتارية.
لكن توقيف كمال للتحقيق معه، والإبقاء على اعتقاله دون الإفراج عنه، واعتقال زوجته المرحومة فاطمة كمال، واعتقال محمد مطيع الابن البكر لعبد الكريم مطيع وتعذيبه بوحشية، فاجأ مطيع، الذي أرغمه أصدقاؤه ومعاونوه من كبار رجال الفكر والدعوة في العالم الإسلامي، وفي المنظمات العالمية الإسلامية على عدم العودة إلى المغرب، في انتظار صفاء الأجواء، وأيضا لحاجتهم الشديدة إلى إطار استراتيجي وعقل كبير عرفوا عن قرب مقدراته ومواهبه العلمية والتخطيطية في مجال الحركة الإسلامية.
لقد كان رأس مطيع مطلوبا، سواء أوقع الاغتيال أو لم يقع، لأن الرجل أظهر كفاءات خارقة خلال خمس سنوات من تأسيس الحركة، وكان يمتلك موهبة عالية وقدرة هائلة على تنظيم الشباب، وبعث الدينامية في المجتمع الراكد، وهي مقدرة كان لا يضاهيه فيها سواء شخصيتان فذتان هما: الشهيد بن بركة والشهيد عمر بن جلون.
ولكنه وحسب ما ذكر المعتصم في جريدة المساء، إنه كان يشاع داخل الشبيبة الإسلامية، أن عمر بن جلون كان ملحدا، فهل كان هذا تحريضا من داخل الشبيبة الإسلامية عليه، وهل كان هناك عداء بين قيادة الشبيبة الإسلامية وبين عمر بن جلون؟
لا ينبغي للكلام أن يلقى على عواهنه، والشهادة التاريخية تكون جناية على الآجيال إذا لم تحترم فيها الدقة والإنصاف، وتكون جناية على أصحابها.
لم نكن نعرف سابقا ونحن في الشبيبة الإسلامية أن هناك دعاية مضادة ضد الشهيد عمر بن جلون، وقد كنا نتتبع ونقرأ افتتاحياته في جريدة المحرر، ولم نكن نعرف فيما يرويه مطيع عن عمر بن جلون سوى التقدير والإعجاب، لقد كان مطيع يحكي لخاصته في الاجتماعات عن الخصال التي يتوفر عليها عمر بن جلون، من نفس نضالي ثوري، واستقامة سلوكية، وقدرة خارقة على العمل التنظيمي.
والذي علمناه من بعد أن مطيع وبن جلون كانا على علاقة وطيدة، لما كان معا يناضلان في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث كانا يشتغلان جنبا إلى جنب في الإعلام الحزبي، وخصوصا في جريدة الأهداف، التي كانا يشرفان عليها مع نخبة من مثقفي الاتحاد، وتعاونا في العمل النقابي وفي مواجهة البيروقراطية النقابية للاتحاد المغربي للشغل، وفي مواجهة تسلط المحجوب بن الصديق، وفي الوقت الذي كان يؤسس عمر بن جلون النقابة الوطنية للبريد، كان مطيع يشرف على تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، وهما النواة الأولى للكونفديرالية الديمقراطية للشغل لاحقا.
ولم تنقطع العلاقة والاتصال بين عبد الكريم مطيع وعمر بن جلون، سوى فترات سجن هذا الأخير، والاتصال الأخير بينهما كان أياما قلائل قبل الاغتيال، حينما استضافهما المرحوم محمد الوديع الآسفي في بيته، وهو من القياديين الاتحاديين المعروفين ووالد المناضل اليساري والمعتقل السياسي صلاح الوديع، استضافهما في لقاء عشاء ساهر حضره فقط ابراهيم كمال، واستمر إلى الساعات الأولى من الصباح، وتناول اللقاء موضوعا مركزيا كان هو سبب الاستضافة، وموضوعا فرعيا كان على هامش اللقاء.
ففي الموضوع الأول طلب عمر بن جلون من عبد الكريم مطيع التعاون معه في انتخابات اللجان الثنائية المزمع إجراؤها لاختيار ممثلي رجال التعليم، وذلك لمعرفته بنفوذ مطيع في صفوف رجال التعليم وسمعته وعلاقاته الواسعة، خاصة وأنه كان الدينامو والعقل المؤسس للنقابة الوطنية للتعليم، وتفرع الحوار إلى موضوع آخر حينما عرض عمر على مطيع أن ينشئ الجناح الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي وأن يجعلوا من الاتحاد حزبا للتيارات والأجنحة والروافد، اعتقادا منه أن مطيع وهو يؤسس الحركة الإسلامية، إنما يهيئ لمشروع سياسي، لكن مطيع حاور صاحبه بالحسنى، بإقناعه بأن الدعوة الإسلامية التي يشتغل في إطار مشروعها هي أشمل وأوسع من الأحزاب السياسية ومن الأجنحة ومن الاتحادات.
فإذا كان الأمر كذلك، فهل تعتقد بأن يكون هناك تشهير واستعداء أو تحريض في ما بين الأصدقاء ؟
ولكن هناك شخص آخر، وهو من قدماء الشبيبة الإسلامية أيضا، ويتعلق الأمر بعبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة حاليا، الذي سبق له وأن ألقى كلمة في جموع المتظاهرين من الشبيبة الإسلامية احتجاجا على الأحكام الصادرة في حق المتورطين في اغتيال عمر بن جلون، قال فيها: “من أجل قتل كلب أجرب كان يسب الله ورسوله حكم على خيرة شباب الأمة بالإعدام وبالسجن المؤبد”، ألا يعني هذا الكلام وجود حقد وعداء ضد عمر بن جلون، وألا يعني أيضا تبريرا إيديولوجيا لجريمة الاغتيال صدر عن احد القياديين في الشبيبة الإسلامية ؟
أولا هذا الكلام صدر عن عبد الإله بن كيران في كلمة ألقاها في المسجد المحمدي بالدار البيضاء عقب صلاة الجمعة التي تلت ليلة النطق بالأحكام في القضية بتاريخ 18 شتنبر 1980، ولم يكن صاحبها من قيادات الشبيبة الإسلامية كما ذكرت، إنما كان في طليعة التنظيم القائم بالرباط، وقد كان هذا الظهور العلني أولى خطواته ليصبح معروفا، ولو كان قياديا لما تفوه بهذا الكلام الذي صدمنا جميعا حينها، لأنه يخرج عن خطنا الإيديولوجي والسياسي وموقفنا من القضية، وهي كلمة نطقت بما كان يجول في خاطره هو وحده.
لقد أمضينا خمس سنوات قبل هذه المحاكمة، يوما بيوم، وأسبوعا بأسبوع، نردد ونرسخ تحليلنا وموقفنا من القضية، وأننا والشبيبة الإسلامية وقيادتها برآء من هذا الاغتيال، وأن الأمر كان مؤامرة على الحركة، وعلى قيادتها، وظللنا نوزع المنشورات ونلصق الملصقات في الجامعات والثانويات والإدارات والمعامل والشوارع، نعلن فيها براءة الشبيبة الإسلامية وقيادتها من الجريمة، ونتبرأ من المتورطين فيها، وعبد الإله بن كيران نفسه ما أكثر ما وزع المناشير وما أكثر ما تسلق ظهور رفاقه في عتمة الليل لإلصاق الملصقات والكتابة على الجدران لإعلان البراءة من هذا الاغتيال.
لقد كنا نعتبر أنها مؤامرة، وأنها استهدفت رأسين، ولذلك كنا لا نقول إلا خيرا في عمر، وكانت تسود بيننا حالة من التعاطف معه، والاستياء من اغتياله، ويروج بيننا إعجاب بخصاله، والذي كان يروج بيننا ليس له من مصدر سوى ما كان يلقنه عبد الكريم مطيع لأفراد التنظيم، ومن ثم فالكلام الذي ألقي في المسجد المحمدي شاذ وخارج عن نسقنا الفكري.
لقد كان يهمنا من المحاكمة براءة الشبيبة الإسلامية، وبراءة قيادتها، ولما صدر الحكم غيابيا في حق عبد الكريم مطيع، تداولنا في شأن الاحتجاج والتظاهر من عدمه، وقررنا التظاهر وترديد الشعارات، وفوجئنا بالكلمة التي كانت عفوية وغير مقررة وكان محتواها صادما.
هل يهتم حزب النهضة والفضيلة بقضية عودة عبد الكريم مطيع وعودة المنفيين الإسلاميين، وهل تتقدمون بمبادرات في هذا الشأن ؟
حزب النهضة والفضيلة لم يتوقف قط عن المناداة بعودة المنفيين الإسلاميين وفي مقدمتهم الشيخ عبد الكريم مطيع وعائلته، من خلال أدبياته وبياناته ومواقفه ومذكراته، ومن خلال تصريحات وكتابات قيادييه.
وللأسف فإن المغرب مغبون في غياب أحد رجال الفكر والرأي والعلم، الذي يمكن له أن يقدم الشيء الكثير خدمة لبلده، فلقد أفاد الشيخ عبد الكريم مطيع كثيرا خارج بلاده، بتقديم الرأي والمشورة والتخطيط الرصين لنخب الفكر وقادة الرأي والحكم في أقطار شتى من العالم الإسلامي، وحرمت أجيال المستقبل من عطاء عقل كبير.
وللأسف الشديد أيضا أن تلامذة مدرسته يتواجدون اليوم في سدة الحكم ورئاسة الحكومة، ولا زالوا لحد الساعة لم يحركوا ساكنا في اتجاه حل هذه المأساة التي طالت عقودا من الزمن، وتشردت فيها عائلات، وتوفيت فيها أقارب وآباء وأمهات بغصص في قلوبهم دون رؤية أبنائهم وبناتهم.
تعليقات الزوار ( 0 )