على وقع أصوات الأغاني والأهازيج، يتفاعل أطفال فلسطينيون ويرقصون بإحدى رياض الأطفال التي تم افتتاحها حديثًا في مدينة غزة استعدادًا لاستئناف العملية التعليمية، التي توقفت منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع.
ففي ساحة صغيرة بروضة “سراج الأقصى”، التي زارها مراسل “الأناضول”، يمسك عدد من الأطفال أيديهم بشكل دائري، ويدورون مع بعضهم البعض في جو مفعم بالسعادة وأصوات الضحك، متجاهلين أصوات القصف وآلة الحرب الإسرائيلية.
توزعت رسومات هؤلاء الأطفال بألوانها الزاهية على الجدران واللوحات، معبرة عن أحلامهم وأمانيهم بغد أفضل يعمه السلام.
بينما تمنحهم تلك الروضة، التي تعد الأولى من نوعها بعد الحرب في المناطق المحاصرة إسرائيليا شمال قطاع غزة ومدينة غزة، الأمل في العودة للدراسة النظامية مستقبلا رغم الأوضاع القاسية التي يمرون بها جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
“تأهيل نفسي”
روضة “سراج الأقصى” افتتحتها معلمات فلسطينيات بجهود شخصية، وتستقبل الأطفال من مدينة غزة وشمال القطاع بداية من عمر 4 سنوات في فصول دراسية بهدف تأهيلهم نفسيًا لإعادتهم إلى مقاعد الدراسة من جديد.
وحول هذه الخطوة، قالت المدرسة بالروضة إكرام خلة، لمراسل الأناضول: “لقد تمكنا من افتتاح روضة تعليمية في مدينة غزة، استجابةً لطلب الأهالي الذين يرغبون في عودة أطفالهم إلى مقاعد الدراسة”.
وأضافت: “إعادة الأطفال إلى الدراسة تشمل تنظيم أنشطة ترفيهية لهم، وتقديم الدعم النفسي من أجل تخفيف آثار المأساة التي شهدوها بسبب الحرب”.
وأوضحت: “سننتقل بعد ذلك إلى مرحلة التعليم الفعلية للأطفال؛ بهدف بناء جيل متعلم، على الرغم من التحديات الصعبة التي نواجهها والمتمثلة بنقص الكادر التعليمي ومستلزمات الدراسة والكتب التعليمية واستمرار الحرب”.
بدورها، عبرت نسرين أبو نحل، وهي والدة أحد الأطفال الذين انضموا إلى الروضة، عن سعادتها برؤية الطلاب يعودون إلى مقاعد الدراسة.
ولفت نسرين للأناضول إلى أن هذه الخطوة “تأتي في وقت يعاني فيه الأطفال من ظروف نفسية صعبة نتيجة للحرب”.
وأضافت: “نحن نسعى لبناء جيل متعلم”، مؤكدة أن “الأطفال في هذا العمر يحتاجون إلى التعليم والتطور”.
وعبرت الأم الفلسطينية عن أملها في انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعودة جميع الطلبة إلى مدارسهم.
ودعت إلى تقديم الدعم النفسي للأطفال وأسرهم في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها بسبب الحرب.
ومنذ بدء حربها على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تستهدف القوات الإسرائيلية بهجمات ممنهجة ومتواصلة المرافق التعليمية؛ ما تسبب في تدمير واسع في المدارس والجامعات.
دمار واسع للبنية التعليمية
وخلال الحرب، دمرت إسرائيل 103 مدارس وجامعات بشكل كامل، و311 بشكل جزئي، وفقًا لأحدث إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي.
بدوره، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان الأربعاء، إن “الجيش الإسرائيلي حول بعض المدارس في غزة (خلال الاجتياح البري) إلى قواعد عسكرية وتمركز لقواته وآلياته، ومراكز احتجاز واستجواب وانتهاكات تعذيب”.
واعتبر المرصد (غير حكومي) أن “ذلك يتنافى مع قواعد القانون الدولي الإنساني المقررة لحماية الأعيان المدنية من خطر العمليات العسكرية”.
وبحسب المرصد، “قُدر بأن أكثر من 6500 طالب و756 معلمًا قتلوا وأصيب آلاف أخرون في الحرب الإسرائيلية على غزة حتى منتصف أبريل، فيما تزداد الأعداد كل يوم، ويستمر حرمان ما لا يقل عن 625 ألف طالب من حقهم في التعليم على مدار عام دراسي كامل”.
وفي 18 أبريل، حذر خبراء بالأمم المتحدة من “إبادة تعليمية متعمدة” في غزة، عقب تدمير أكثر من 80 بالمئة من مدارس القطاع الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ أكثر من نصف عام.
وقال 19 خبيرا ومقررا أمميا مستقلا، في بيان مشترك، إنه “مع تضرر أو تدمير أكثر من 80 بالمئة من مدارس غزة، قد يكون التساؤل معقولا عما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم الإبادة التعليمية”.
وحذر الخبراء من أن “الهجمات القاسية المستمرة على البنية التحتية التعليمية في غزة لها تأثير مدمر طويل الأمد على حقوق السكان الأساسية في التعلم والتعبير عن أنفسهم بحرية؛ مما يحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم”، وفق ما ذكره موقع “أخبار الأمم المتحدة”.
ويشير مصطلح “الإبادة التعليمية” إلى المحو الممنهج للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية، وفق الموقع.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة مخلفة أكثر من 110 آلاف بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، وفق بيانات فلسطينية وأممية.
كما تواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، ورغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.
تعليقات الزوار ( 0 )