بداية هذا المقال كتب من محبرة موضوعية بعيدا عن أي مزايدة اتجاه الأشقاء في الجارة الشرقية و نلخص فيه من زاوية بحثية ما وقع في قمة البريكس الأخيرة و نكبة رفض طلب انضمام الجزائر التي سوق لها الرئيس الجزائري و كأنها تحصيل حاصل بعد جولات مكوكية قادته من موسكو إلى بيكين.
أما بعد …
لقد شكل إخفاق الدولة الجزائرية في كسب ثقة أعضاء منظمة البريكس والذي توج برفض الطلب الذي قدمته الجزائر وهو تم الترويج له بقوة من طرف أعلى هرم الدولة في الجارة الشرقية عبر وسائل الإعلام وفي لقاءات صحفية نكسة للرئيس الجزائري على المستوى الشخص ونكبة شعبية جراء عملية الشحن المتواصل على أكثر من صعيد و جهة، فعم الشعور العام بالإحباط لدى مختلف الفئات وشهدنا عبر مواقع التواصل ردود فعل قوية حتى من طرف تلك الأصوات التي ظلت تدعم مواقف النظام الجزائري و تروج لأطروحة القوة الضاربة في القارة الإفريقية ومهد الديمقراطية كما جاء ذلك على لسان رئيس الجمهورية.
أما بعد …
إن هذه النكبة لم تشكل بالنسبة لنا مفاجأة بل كانت متوقعة و في حكم المؤكد لاعتبارات موضوعية مرتبطة أساسا ببنية الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد على قطاع المحروقات بنسبة 90% والذي لا تتعدى فيه المنتوجات المصنعة نسبة 3% من مجموع الصادرات و هو ما يجعل هذا الاقتصاد رهينة تقلبات السوق الدولية وأن مصير الجزائريين رهين بتقلبات الخارج وتوجهات السوق العالمية للطاقة و ليس ببنية داخلية تضمن السيادة الاقتصادية كمفهوم اقتصادي لا يرتبط أساسا بنسبة المديونية الخارجية و التي تعتبرها الجزائر أحد مصادر “القوة” و”الاستقلالية” وهذا ما تنقضه مختلف النظريات التي تعتبر العلاقات الدولية بين الدول عملية حسابية بمجموع إيجابي A somme positive وليس صفرية وهو ما تبنته نظرية Krugman، إضافة إلى عدم توازن المؤشرات الماكرو اقتصادية حيث بلغت نسب التضخم مستويات مرتفعة و تسجيل عجز في الميزانية وارتفاع نسبة الدين العام و الداخلي و اعتماد مرسوم لطبع الأوراق المالية من أجل تغطية حاجيات التمويل ما يؤثر سلبا على قيمة العملة الأضعف في المنطقة و في العالم.
أما بعد …
بالإضافة لهذه الاعتبارات الموضوعية ذات البعد الاقتصادي، هناك البعد الجيوـإستراتيجي، فالمحيط الإقليمي المضطرب في منطقة الساحل يهدد مصير الجزائر على المستوى الأمني ويرفع نسبة المخاطر المحيطة بها وبثرواتها المتركزة في الجنوب، هذا بالإضافة إلى ضعف الديبلوماسية واصطفافها المعلن مع قوى متناقضة على صعيد النظام الدولي و تبنيها خطابا يهدد مصالح أكبر قوتين داخل تجمع البريكس الصين و الهند التين تتوفران على أكبر احتياطي من الدولار.
أما بعد …
لا يمكن للجزائر أن تتحرر من هذا التوجه الذي تسير عليه منذ رحيل بوتفليقة إلا باستعادة التوازن في سياستها على المستوى الخارجي باعتبارها دولة مرتبطة اقتصاديا بما يحدث خارجها لا ما يحدث داخلها و أول خطوة قد تفتح باب النجاة هي العودة لمنطق التاريخ و الجغرافيا في علاقتها مع المغرب و فتح عودة العلاقات واستغلال الفرص التي قد تتيحها الشراكة المغربية الجزائرية وفق مقاربة برغماتية وواقعية تحقق الاندماج الاقتصادي المفقود و الذي تضيع بسببه عدة نقط في مؤشرات النمو والتنمية تتجاوز 20 مليار دولار سنويا.
أما بعد …
إن قومة الجزائر تنطلق من تغيير جذري في عقيدة النظام الجزائري بتحرره من هاجس نفسي وحقد تاريخي يمكن أن نضعه جانبا ونفتح آفاق أخرى بدل هذا التوجه المكلف على المستوى الاقتصادي والاجتماعي و على مستوى مكانة الجزائر داخل النظام الدولي و منظومة العلاقات الدولية، وهو ما يستنزف من هيبة الدولة و نظامها ومكانتها جراء مواقفها كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي الذي حدد معايير انضمام الدول لتجمع البريكس، أما المساهمة في بنك البريكس وشراء أسهم بمليار ونصف المليار دولار فتلك حكاية أخرى (…) تثبت لنا في زمن الوصول للمعلومة أن الكذب على الشعوب هو من يفقد الأنظمة هيبتها وقوتها.
تعليقات الزوار ( 0 )