هل يُمكن لِدول المغرب العربي أن تتّحد لتشكيل كتلة إقليمية جديدة دون مشاركة المملكة المغربية؟، هذا هو السؤال الذي طرحه قادة تونس والجزائر وليبيا خلال اجتماعهم الأخير في تونس.
وعبّر كل من الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي عن طموحهم في تحقيق هذا التكامل الإقليمي، وبينما لم يذكر اسم المغرب بشكلٍ صريح، فإن سياق النص يُشير إلى أنّ غيابها (المملكة المغربية) قد يُثير تساؤلات حول جدوى هذا المشروع ووحدته.
وكان الزعماء الثلاثة اعتمدوا مبدأ “الاجتماع المغاربي الثلاثي” كل ثلاثة أشهر عندما التقوا على هامش قمة حول الغاز في الجزائر العاصمة مطلع مارس الماضي، وقد اتخذ إطار المناقشة الجديد هذا شكلاً أكبر قليلاً يوم الاثنين.
وفي نهاية هذا “الاجتماع التشاوري الأول”: اتفق القادة الثلاثة على “تشكيل فرق عمل مشتركة” لـ “تنسيق الجهود”، بحسب إعلان مشترك نقلته الصحافة التونسية، ويتمثل في مكافحة “الهجرة غير الشرعية”، وتقع المنطقة، وتونس على وجه الخصوص، في الواقع على طريق المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى أوروبا.
كما تم ذكر الأهداف التنموية، مع مشاريع مشتركة في مجال الأمن الغذائي والمائي، على سبيل المثال في إنتاج الحبوب والأعلاف وتحلية مياه البحر، كما تريد الدول الثلاث “تسريع تنفيذ” مشروع الربط الكهربائي وتسهيل حركة البضائع والأشخاص بينهم.
“أولويات المغرب في مكان آخر”
وفي هذا الصدد، قال تقرير لصحيفة “ليزيكو” الفرنسية، أن المغرب لم تتم دعوته، وحتى لو أكد الرئيس الجزائري تبون خلال مقابلة تلفزيونية مطلع أبريل أن الكتلة الجديدة “ليست موجهة ضد أي دولة أخرى” وأن “الباب مفتوح أمام دول المنطقة” و”لجيراننا في”الغرب” (المغرب).
واعتبرت الصحيفة ذاتها، أن هذه المبادرة دليل آخر على أن الجزائر تبتعد قليلا عن جارتها المغرب، ولا تزال العلاقات بين البلدين سيئة على خلفية الخلافات حول الصحراء والعلاقات الإسرائيلية المغربية.
حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي، يؤكد أنه “بالنسبة للجزائر وتونس، فإن أولويات المغرب تكمن في مكان آخر”، مضيفا: “صحيح أن المغرب قد حدد سياسته الخارجية بشكل مختلف: من خلال الحفاظ على علاقات جيدة للغاية مع إسرائيل.
وبحسب المصدر ذاته، فإن المغرب حافظ أيضا على علاقات جيدة مع إسبانيا والولايات المتحدة، وفرنسا، ومن خلال اقتراح مبادرة على دول الساحل حتى تتمكن من الوصول إلى المحيط الأطلسي، وفي المنتصف، تواصل موريتانيا جهودها للبقاء على الحياد.
اتحاد المغرب العربي (UMA) “في غيبوبة”
ومع ذلك، فقد تم في المغرب التوقيع على إنشاء كتلة إقليمية طموحة، وهي اتحاد المغرب العربي (UMA)، ولا يزال للمؤسسة مقر رئيسي في العاصمة المغربية، لكنها مشلولة بسبب التوترات بين أعضائها، وحرمانها من الموارد، فهي مجرد قوقعة فارغة.
وتعود آخر قمتها إلى 1994، وهي السنة التي أُغلقت فيها الحدود بين المغرب والجزائر، وتبدو الوعود التي يعرضها موقعها الإلكتروني دائماً عفا عليها الزمن: منطقة تجارة حرة، واتحاد جمركي، وسوق مشتركة، وأكد رئيس الدبلوماسية الجزائرية أحمد عطاف أن اتحاد المغرب العربي “في غيبوبة” دفاعا عن مبادرة التقارب الإقليمي الجديد.
ومع ذلك، فإن هذه الكتلة الجديدة “لا تطمح إلى أن تكون اتحاداً متحداً جديداً”، حسبما قال حسني عبيدي، “إنه إطار جديد للاستجابة لمخاوف البلدان الثلاثة التي تواجه نفس الصعوبات: طريق الهجرة من الساحل، والفراغ الأمني في الساحل، والقضايا الاقتصادية الهامة مع استثمارات خاصة من سوناطراك (الشركة الجزائرية) شركة النفط.
تأثير اقتصادي محدود
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يكون للمبادرة الجديدة، التي تربط الجزائر بتونس التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة وليبيا التي تعاني من عدم الاستقرار المزمن، تأثير على الاقتصاد الإقليمي.
و”يبدو أن قرار إعادة تشكيل الكتلة المغاربية بدون المغرب يستجيب للتواصل السياسي أكثر من الاستجابة لاستراتيجية اقتصادية”، يؤكد فيكتور لوكويليير، الخبير الاقتصادي في بنك بي بي آي فرانس.
ويذكّر بأن “التبادلات التجارية داخل منطقة المغرب العربي محدودة للغاية” وأن “المغرب لا يسعى إلى عزل نفسه عن جيرانه المغاربيين بقدر ما يسعى إلى اتباع استراتيجية تسعى إلى الحصول على حصة في السوق”: أولا في أفريقيا جنوب الصحراء، “وهو ما يمثل إمكانات نمو قوية، وحيث يقوم المغرب بتكثيف استثماراته في التمويل والفوسفات والاتصالات والعقارات.
وبشكل أعم، يهدف المغرب إلى زيادة اندماجه مع بقية العالم، كما يتابع الخبير الاقتصادي، “من خلال نشر استراتيجية تهدف إلى زيادة اندماجه في سلاسل القيمة العالمية”، وعلى الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، يبدو المغرب بالفعل وكأنه ينظر إلى العالم أجمع، باستثناء جيرانه، حسب تعبيره.
تعليقات الزوار ( 0 )