Share
  • Link copied

المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان بين المنطلقات والطموحات

أكدت الوثيقة السياسية على أن مشروعها السياسي لن يتخلى عن المرجعية الفكرية والدينية التي تبنتها الجماعة، منذ تأسيسها لأكثر من ثلاث عقود على يد شيخها الراحل عبد السلام ياسين . حيث برزت للرأي العام الوطني والدولي من خلال رفعها شعار العدل والإحسان، وهو ليس مجرد شعار ورمز يريد التميز عن العناوين السائدة في الساحة الدعوية الإسلامية، بل إنه شعار يلخص رؤيتها الفكرية والتربوية والسياسية. فهو من جهة يحدد الغايات والأهداف النهائية المتجسدة في “الغاية الإحسانية والغاية الاستخلافية، ويروم من جهة أخرى التنبيه على أن الغايتين غير منفصلتين، بل هما موصولتان ببعضهما البعض في نسق بنائي منهاجي تكاملي “  وبالتالي فإن هذا  المشروع السياسي هو منبثق عن الرؤية العامة الناظمة لمشروع المنهاج النبوي التغييري؛ الذي يجسد تصور الجماعة واجتهادها العملي في مقاربة القضايا السياسية وتدبير الشأن العام، لذلك فإنه يتسم بأهداف وخصائص تحقق التكامل والانسجام مع المشروع التربوي والدعوي.

– منطلقات المشروع السياسي

      ينطلق المشروع السياسي للجماعة من أن استراتيجية التغيير السياسي تقوم على  التدافع المجتمعي لنصرة المستضعفين عبر تضافر الجهود الجماعية لتأسيس الأرضية العدلية لبناء الجو العام الذي يسمح بتحريرا الإنسان من عبودية غير الله، ليحيا إنسانيته الكاملة من منطلق اختياري لا إكراهي.”أما التخطيط السياسي فهو قائم على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعارضة الشرعية القائمة على الشهادة بالقسط والكينونة مع المستضعفين قبل أن تكون معارضة تدبير المعاش والاقتصاد. من هنا لاءات الجماعة الثلاثة التي ما فتئت الجماعة تعلنها بوضوح: لا للسرية، لا للعنف، لا للتبعية للخارج.

  – أهداف المشروع السياسي

يمكن إجمال أهداف المشروع السياسي للجماعة، فيما يلي:

       *بناء نظام شورى، حيث ترجع الجماعة أسباب الانكسار التاريخي الذي عرفته أغلب المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة من ترد وانحطاط، يعود في جزء كبير منه إلى تغييب الشورى باعتبارها جوهر الحكم وركيزته الأساسية . غير أن الجماعة ترى بأن الإيمان بكون الشورى هي روح الحكم وفلسفته في الاسلام، لا يتعارض في نظرها  مع الإيمان بنجاعة الكثير من الآليات الديمقراطية وفاعليتها في تحصين الدولة والمجتمع من نوازع الاستبداد، وتحقيق التداول السلمي على السلطة، وما يرتبط بذلك من فصل بين السلط، ومنع تغول سلطة على أخرى، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء التعددية السياسية، وكفالة الحقوق والحريات، واحترام الدستور والقانون.

      *تحقيق العدل بمعانيه الشرعية وأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية، حيث يحتل العدل مكانة محورية في مشروع الجماعة السياسي بوصفه الهدف المركزي الذي تدور حوله باقي الأهداف السياسية. فالعدل هو ضمان الحقوق والكرامة في علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان. ولا يتحقق هذا العدل في منظور الجماعة إلا في ظل منظومة سياسية متكاملة على أساس دولة الحق والقانون والمؤسسات، ومن خلال سياسات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى التوزيع العادل للثروات وحماية المال العام، وتجريم الإثراء غير المشروع، وتفعيل الحكامة الجيدة، وتقوية الأجهزة الرقابية داخل الدولة، وتمكين المواطنين جميعهم من الحقوق الأساسية كالحق في  الصحة  والتعليم والشغل الكريم والسكن اللائق والقضاء العادل والأمن الروحي والمادي.

       *صون الكرامة يعد من صميم المشروع السياسي ، حيث تعارض الجماعة كل ما يمس بكرامة الإنسان ويحط من إنسانية  كل إنسان، والدفاع عن هذه الكرامة، والعمل على إحقاقها كاملة غير ناقصة.

       * تحقيق الحرية بشقيها العام والخاص:

           . الشق الخاص من خلال تحرر الإنسان من شهوات النفس ونوازع الهوى، وذلك بالاستناد إلى تربية أخلاقية عميقة ترسخ في ضمير الفرد والمجتمع التزام قيم العدل والفضيلة والمسؤولية، واجتناب منازع الظلم والرذيلة وكل ما فيه إخلال بالقانون والنظام العام.

         .والشق العام بوصفها قيمة شرعية وإنسانية مثلى يتوقف عليها تقدم الشعوب والمجتمعات وازدهارها، بل تتوقف عليها حياة الإنسان، إذ لا معنى لحياة بلا حرية. وتتحقق الحرية في الفضاء العام بفسح المجال للاختيارات السياسية والفكرية والثقافية.

     *ترسيخ الوحدة والتعاون، من خلال الوقوف ضد كل مشاريع التفتيت والتجزئة المحلية والإقليمية، والدفاع عن الوحدة الترابية للدول العربية والاسلامية، وتقوية الشعور بالانتماء للوطن

وللمجال المغاربي والافريقي وللامة العربية والإسلامية. وتشكل الوحدة الإسلامية مطلبا ملحا وأفقا اسراتيجيا في عالم التكتلات الكبرى، كما يشكل التعاون بين الدول والمنظمات وشعوب العالم موقفا مبدئيا لقواعد التعايش المشترك.

– خصائص المشروع السياسي

يستمد هذا المشروع السياسي خصائصه الأساسية من خصوصية المشروع المجتمعي للجماعة، “والتي يمكن تلخيصها في العناصر التالية:

  *الأصالة السياسية المنبثقة  من أصالة مشروع الجماعة التغييري، الذي ينهل أصوله من مرجعية دينية تستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. وهي أصالة في الأهداف والغايات والوسائل المفاهيم. فلتحقيق الدولة العادلة وبناء العمران الأخوي، لابد من اعتماد الآليات المشروعة للتدافع السياسي السلمي لتدبير الشأن العام. والالتزام بالمبادئ السلمية والمقاصد الكلية للعمل السياسي على مستوى الغايات والوسائل،

  * تكامل الأبعاد، حيث يتسم المشروع السياسي للجماعة بتكامل الابعاد في تجليها

الفردي والجماعي، والمحلي والعالمي، فتتسع جوانب الرؤية فيه لتحيط بالجوانب التعبدية والجوانب المعيشية، وتسعى لتحقيق الخلاص الفردي والجماعي.

      *الوضوح السياسي، حيث أن الوضوح في الرؤية والخطاب يعد اختيارا مركزيا ثابتا لدى الجماعة .  فقد اختارت الجماعة منذ تأسيسها ألا تعمل في إطار مغلق على الذات مهما كانت الدواعي، بل إنها آثرت أن يظل خطابها  وصوتها موصولين بالشعب وهمومه وقضاياه.

      *النسقية: حيث تعتبر الجماعة أن هذا المشروع السياسي يندرج ضمن النسق العام لمشروعها المجتمعي التغييري، إذ هو جزء من كل، حيث يتسق مع أهدافه ومقاصده ومطالبه الكبرى، فالتصور العام للعمل السياسي السلمي يشكل نسقا منتظما وفق أساس منهاجي يرتب الوسائل لبلوغ الاهداف، ويصوغ المراحل والأولويات في  شكل خطط وبرامج قابلة للتنزيل والتطبيق. وتتجسد خاصية النسقية أيضا في انسجام المواقف السياسية تجاه القضايا المحلية والدولية مع المبادئ الناظمة للمشروع من غير تناقض أو تغير في المواقف المبدئية تبعا للمصالح المتغيرة.

       *المستقبلية: حيث  يرتكز هذا المشروع السياسي على  التفاعل مع الوضع السياسي الراهن للمجتمع المغربي، وفق رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار إكراهات الحاضر للعمل على تجاوز الأزمات المتعددة، والنهوض بالأوضاع المجتمعية، وبناء مجتمع العمران الأخوي، وبعث روح العزة والوحدة في الأمة في أفق استعادتها لوظيفتها الاستخلافية والشهود الحضاري.

        *الوسطية والاعتدال : حيث يقوم هذا المشروع  على إقامة التوازن بين الأساس التربوي والعمل السياسي ، بما يحقق تلازم الأخلاق والسياسة على مستوى الخطاب والممارسة.

        * التدرج والمرونة: حيث يعتبر المشروع أن التغيير مسألة أجيال، و إزاحة الاستبداد والفساد لن يتم بجرة ، الشيء الذي يستلزم التدرج دون  القبول بأنصاف الحلول، والانبطاح أمام الظلم، و التنازل عن القيم والمبادئ بدعوى الواقعية، بل هو استمرارية متئدة بصبر ومصابرة تبني التقدم القاصد لبنة لبنة، “إنه غشيان للميدان وقدرة على مواجهة الصعاب بقوة ضابطة للنفس

صامدة رفيقة وحكيمة.” و المرونة في التعامل مع الواقع السياسي وتحدياته دون التخلي عن الاصول والثوابت.

مطامح المشروع السياسي

لا يقتصر المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان على تحقيق تغيير سياسي مرحلي فحسب، بل إنه مشروع يمتد أفقه إلى إحداث تغيير تاريخي يتأسس على بناء الإنسان، وتشييد مجتمع العمران الأخوي، وترسيخ القيم الإسلامية الإنسانية والقيم الانسانية المثلى.

           *البناء الشمولي للإنسان

        يركز هذا المشروع على أولوية بناء الإنسان من الناحية الخلقية والتربوية  قبل  تنشئته سياسيا حيث تعتبر الجماعة بأن الانسان هو” من يصنع السياسة وليست هي من تصنعه. بالتالي تعتبر الجماعة ضرورة تعليم الإنسان، وتربيته تربية إيمانية متوازنة، تؤهله لتحصيل قيم الخير ؛ ليكون فردا صالحا لنفسه ومجتمعه ووطنه وأمته. وتقتضي مركزية بناء الإنسان ضمن المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان تقديم مصلحة الإنسان وما يجلب له النفع عبر تمكينه من كل حقوقه، والوعي بأهمية العمل التربوي ومتطلباته الأساسية في البناء الشامل الإنسان تعليما وتكريما وتمكينا، إذ أن أي إصلاح سياسي أو تغيير مجتمعي لا يستقيم دون أن يستهدف  النهوض بالإنسان وتمكينه من كافة الحقوق والحاجيات المادية والمعنوية. وبالتالي ،فجوهر العملية التربوية يجب أن ينصب ، في نظر الجماعة ، على “صياغة الفرد الإنسان صياغة متوازنة تتناول مختلف جوانب شخصيته الوجدانية والفكرية والحركية؛ لينمو هذاالفرد سليما قادرا على توظيف إمكاناته وكفاياته في الوجهة المطلوبة، وليقدر على الاندماج في الحياة الاجتماعية والجماعية، على أن تكون خصائص هذه التربية جامعة للأصالة القرآنية و الإيمانية النبوية، ولخصائص الشمولية المتكاملة والجهادية المتدرجة، وللتوازن والوسطية، وللعلمية والعملية، وللنفسية والجمالية”.

      *تشييد مجتمع العمران الأخوي

يركز المشروع السياسي للجماعة على إن بناء نموذج تنموي فعال وناجح يقتضي تحديد طبيعة المجتمع الذي نرغب في بنائه وتشييد أركانه. فبناء الوطن المشترك يقتضي إلى جانب توفير سبل الرغيف العيش “بجوهر من الروابط المجتمعية الجامعة ذات البعد القيمي والأخلاقي المحصنة للحمة المجتمع، والذي تتلازم  فيه قيم العمل والسعي والإنتاج والإبداع بقيم التقوى والخير والفيض الروحي والتماسك الاجتماعي والتعاون والتكافل. فمجتمع العمران الأخوي مجتمع يحرص على تحقيق التأهيل الذاتي للألفراد بما يجعلهم يجمعون بين القوة والأمانة والكفاءة والأخلاق.

فبخلاف للمنظورات التنموية العالمية التي ترتكز لى متطلبات النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والاجتماعي والتنظيمي، الذي به يتم تطويع الموارد لتلبية الحاجات الحضارية والمعيشية والدفاعية، دون اكتراث للأبعاد الروحية والمعنوية للإنسان، فيكون الإنسان وفق هذه المنظورات المادية مجرد رقم في  دورة الإنتاج والاستهلاك، وكائنا غاية طموحه الرفاهية المادية وإشباع الشهوات والغرائز بلا حدود، تؤكد جماعة العدل والإحسان على أهمية الأبعاد المادية للتنمية، حيث لا يمكن  “تصور تحقيق أي نمو اقتصادي أو تقدم تكنولوجي أو تطور سياسي وتنظيمي دون استحضار الأبعاد التربوية والأخلاقية”.

     * ترسيخ القيم الإسلامية في تأسيس مفهوم المواطنة

ينطلق المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان من رؤية مرجعية تقوم على الربط  بين القيم الإسلامية والحكمة البشرية في  تفاعلها مع الواقع الإنساني والاجتماع البشري. ولذلك فإن مطلب ترسيخ القيم الإسلامية ليس إجراء زجريا يتم فرضه على الأفراد والمجتمعات، بقدر ما هو فعل تربوي وعمل دؤوب يتغيى التدرج في تنزيل مبادئ الإسلام وقيمه ومقاصده في حياة الأفراد والمجتمع، وتحقيق مطالبه الأساسية في حفظ الحرية والأمن والعدل والسلم “. من هنا ضرورة

العمل على ترسيخ قيم المواطنة مع التوفيق بين مختلف دوائر الانتماء التي تنتظم الأفراد والمجتمع، وذلك بجعل هذه الدوائر المتعددة، ومنها الانتماء للدولة الوطنية والانتماء للأمة العربية والإسلامية والإنسانية عامة، تتكامل فيما بينها ولا تتناقض.

Share
  • Link copied
المقال التالي