من المستساغ في الممارسة السياسية المطبوعة بصراع الأفكار داخل التنظيمات الحزبية الاهتداء إلى فكرة القيادة الجماعية للحزب ولكن في ظل هيمنة تيار سياسي واحد على البنية التنظيمية للحزب ككل تصبح هذه الفكرة مجرد فذلكة سياسية لا أقل ولا أكثر!
الحديث عن القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة كان سيكون له جدوى ومعنى لو انعقد المؤتمر في ظروف طبيعية وتصارعت داخل أروقته تيارات سياسيةلها أرضيات وتصورات إديلوجية متناقضة ولكن أن تطرح الفكرة قبل عقد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فهذا مؤشر على أن الحزب تائه سياسيا ولا يعرف إلى أين هو ذاهب وماذا يريد بالضبط؟
مند تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة الذي أثار ميلاده الكثير من الجدل تم إسناد منصب الأمين العام للحزب لستة أشخاص (بن عدي، الشيخ بيد الله، مصطفى البكوري، إلياس العماري، حكيم بن شماس، عبد اللطيف وهبي)، ولم يسبق للبام أن طرح فكرة القيادة الجماعية للحزب في كل مؤتمراته، بما في ذلك مؤتمره الوطني الأخير الذي عرف تصدعا تنظيميا كبيرا بسبب الصراع القوي بين تيار عبد اللطيف وهبي، الذي كان مدعوما من طرف أعيان انتخابية كبيرة في الحزب في عدد من الجهات، وتيار حكيم بن شماس الذي ترك رسالة للتاريخ وهو أمينا عاما للحزب تحدث فيها عن قضايا مريبة داخل الحزب وهي القضايا التي زادت أهميتها اليوم بعد تفجر ملف بارون المخدرات المالي.
فكرة القيادة الجماعية للحزب تعني واحدة من الاثنين: إما أن الحزب لا يتوفر على شخصية سياسية قوية قادرة على قيادة البام خلال المرحلة المقبلة، وإما أن الحزب لم يتلقى أي إشارة لاختيار أمينه العام كما كان يحدث في السابق!
وفي هذا السياق لا بد من إثارة مسألة في غاية الأهمية وهي أنه في الوقت الذي تم فيه ترويج إسم فاطمة الزهراء المنصوري بقوة لقيادة سفينة البام قبل اعتقال بيوي والناصري بشهور كانت أطراف داخل حزب الأصالة والمعاصرة تروج في الكواليس إسم الوزير المنتدب ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع كقيادة بديلة لعبد اللطيف وهبي، بل هناك من انزعج من تحركات فاطمة الزهراء المنصوري في أعقاب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، وهو ما بدا واضحا من خلال الانتقادات اللادعة التي وجهت لها في بعض المواقع بسبب اللغة التي كانت تخاطب بها الساكنة المتضررة.
على كل حال، نحن ملاحظين فقط، وليس من حقنا إعطاء الدروس لأي حزب سياسي كان، ولكن بما أن البام يعتبر نفسه حزب كل المغاربة، وأن تأسيسه كان من أجل مصالحة المواطنين مع السياسة، والمساهمة في تنزيل توصيات الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية، فقد حان الوقت لمساءلة هذا الحزب حول حصيلة عمله على كل هذه المستويات.
سياسيا ومن خلال استحضار حوارات القادة المؤسسين للحزب قيل للمغاربة أن هناك زحفا اسلاميا وأن هذا الزحف يستدعي وجود قوة منافسة قادرة على خلق توازن سياسي في البلاد وهو ما كان من خلال حزب الأصالة والمعاصرة الذي تم تمكينه من كل شيء غير أنه بعد ثلاثة سنوات أجريت الانتخابات التشريعية بعد حراك سنة 2011 وتبوأ الإسلام السياسي الصدارة وأعاد الكرة في 2016 بفارق كبير جدا من المقاعد!
حزب الأصالة والمعاصرة حزب فريد من نوعه، وحتى في ممارساته التنظيمية يختلف على كل الاحزاب السياسية في المغرب.
حزب الأصالة والمعاصرة هو الحزب الوحيد في المغرب الذي حظي امناؤه الاقليميين والجهويين بمعاملة خاصة في كل الأقاليم والجهات، بل منهم من أصبح يتمتع بنفوذ واسع، وتحول إلى طارزان زمانه داخل الإقليم أو الجهة التي يمارس فيها السياسة، بخلاف أمناء باقي الاحزاب السياسية الأخرى!
لازلت أتذكر كيف كانت الممارسة السياسية في عقد التسعينيات نظيفة، وكيف كان يعامل كتاب الفروع والكتاب الإقليمين للأحزاب من طرف السلطات المحلية، حيث كان المحدد في العلاقة بين المسؤول الحزبي والمسؤول الترابي هو القانون والدستور، ولكن بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة رأينا العجب العجاب، ولا داعي للدخول في تفاصيل ذلك، لأن الغرض من كتابة هذا المقال هو النقد البناء، لتفادي تكرار أخطاء الماضي في المستقبل!
كما أن وظيفة الحزب التقليدية والمتمثلة في تأطير للمواطنين سياسيا ومرافقة قضايا المجتمع أصبحت مستحيلة، إلى درجة أن هناك مسؤولين ببعض الأقاليم لم يقوموا بأي أنشطة سياسية طيلة مدة تعيينهم، بإستثناء بعض الانشطة التانوية، وعندما تكون هناك استحقاقات انتخابية جهوية أو وطنية يتم انتقاء المؤتمرين ونقلهم على مثن الحافلات لتأثيت المشهد، في وقت كانت فيه الاحزاب السياسية خلال مراحل سابقة تحسب الف حساب لعملية انتذاب المؤتمرين، والتي كانت في الغالب تتم تحت اشراف قيادات حزبية وطنية لكي تمر في سلام!
حزب الأصالة والمعاصرة كلف الدولة الكثير وقد حان الوقت لمعاملة هذا الحزب مثل باقي الاحزاب السياسية وطنيا وجهويا واقليميا ومحليا لأن الدولة اكبر من الجميع وفوق الجميع واغلى من كل شيء وثوابت المملكة لا يمكن إدخالها للمزاد العلني وجعلها موضوع مزايدات سياسية رخيصة تحت أي وازع كان!
الاحزاب السياسية لها وظائف دستورية واضحة، وإذا كان التوازن السياسي قد استدعى ميلاد البام في 2008، فإن تكريس الخيار الديمقراطي للدولة كتابت دستوري، بات يستدعي خلق نوع من التوازن في الحياة السياسية بين جميع الأحزاب حتى لا يقع الانفلات الحزبي الذي تحدث عنه رئيس المؤتمر الوطني السابق لحزب الأصالة والمعاصرة بكثير من الألم، وحتى لا يصدع أحدا رؤوس المغاربة بمقولات حزب التحكم، وحزب الدولة، وحزب التماسيح والعفاريت، وغيرها من المفاهيم التي رافقت نشأة هذا الحزب، ولاسيما، بعد مغادرة السيد فؤاد عالي الهمة للحزب وإعلان ذلك بشكل مسؤول للمغاربة.
تعليقات الزوار ( 0 )