Share
  • Link copied

الأصول الفكرية والفلسفية والاجتماعية للقيادة الثلاثية لحزب الأصالة والمعاصرة!

“إن الأفكار التي تتعرض للخيانة تنتقم لنفسها حتى من أصحابها” مالك بن نبي

في خاتمة الأسبوع الفائت، وبالضبط في مدينة بوزنيقة، تمخض المؤتمر الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة فأنجب قيادة ثلاثية، ثار النقاش وحمي وطيس الخلاف بين المتابعين للشأن السياسي بالمغرب، وتحول أغلب الفضوليين إلى فقهاء يفتون حول البدعة والسنة، هناك من زعم أن القيادة الثلاثية هي بدعة سياسية ما أنزل بها سلطان العرف أو القانون المغربي للأحزاب السياسية.

 وهناك من ذهب مذهبا غريبا واعتبر أن القيادة الثلاثية هي رمز لعقيدة التثليث عند النصاري، والثالوث المسيحي (من الكلمة اللاتينية  “trinus”، التي تعني ثلاثي) بوجود إله واحد، ولكن له ثلاث أقانيم أزلية ومتساوية في الجوهر وهم: الأب، الابن، والروح القدس، ونسوا أو تناسوا هؤلاء النشامى من الشامتين (والنشم في اللغة من ينظر إلى الأشياء نظرة الأسود أو الأبيض) أن فاطمة الزهراء المنصوري مقدسة عند شيعة آل البيت بالمغرب!

والبعض اعتبر أن القيادة الثلاثية انزاحت عن هوية الأحزاب السياسية بالمغرب والتي هي امتداد لنظيمة الزاوية كما ذهب إلى ذلك روبرت روزيت Robert Rezette في كتابه الذي صدر عام 1959 باللغة الفرنسية حول الأحزاب السياسية المغربية، وتبعا لذلك فإن الزعيم السياسي هو امتداد للزعيم/ الشيخ الذي يتولى قيادة الزاوية، وهكذا سارت الثقافة السياسة بالمغرب ضاربة في الامتداد التاريخي والمدى الزمني وفق خطاطة “الشيخ والمريد”، حسب أطروحة الأنثربولوجي المغربي عبد الله حمودي.

وكل ما سبق من نقاش وجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في مواقع إلكترونية ادعى أصحابها أنهم يسبُرُون ويُقسمون على طريقة فقهاء القوانين، ويوافقون على منهج إعلام الموقعين عن رب العالمين، ولكن الصحابة في التواصل والإعلام ما وعوا وعِيا متفحصا وهم يهرفون بما لا يعرفون!

تعالوا بنا إلى “البيان والتبيين” في اتخاذ قرار المؤتمر الخامس القيادة الثلاثية لحزب الأصالة والمعاصرة، وهو قرار جريء يتضمن قيمة الإبداع لا الاتباع، مبني على ثقافة الإقناع لا علاقة له بسلطة الإقماع، ويتعلق بروح التجديد لا مكان له في التبديد.

الرد الشافي الكافي!

كل من ادعى أن القيادة الجديدة لم تمتلك ورقة/ أطروحة سياسية جديدة مميزة فهو واهم، تافه، ساقط، عدمي، شعبوي، لم يستطع أن يغلغل الفكر ويدقق النظر في الإنتاج الفكري والفلسفي والاجتماعي المغربي.

لماذا غاب عن ذهن جمهرة فحول الساقطين التافهين، العدميين، الشعبويين، الواهمين، النشيد الوطني المغربي الذي ينتهي بشعار: الله الوطن الملك. هذا الشعار الذي ما فتئ يلهب الجماهير المغربية في السياسة والرياضة والفن والثقافة عموما؟

 فهل هذا شعار: الله، الوطن، الملك، له علاقة بعقيدة التثليث النصرانية؟ الجواب: لا طبعا، إنه شعار، والشعار يعكس فلسفة وتوجه وهوية الدولة، ومن حق حزب التراكتور أن يستنجد بشعار ثلاثي ويستلهمه ويتبناه كفلسفة جديدة للتوجه الجديد للقيادة الثلاثية الجديدة، أو التنسيقية الثلاثية بالمنسقة السياسية لالة فاطم الزهراء، كما استنجد واستلهم الحزب سابقا وتبنى تقرير الخمسينية، وكذلك تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي تقارير الدولة تبناها الحزب وبنى عليها الريتوريقا السياسية Rhétorique  لأكثر من عشر سنوات.  

إن قرار القيادة الثلاثية لحزب الأصالة والمعاصرة إبداع مبني على أصول فلسلفية وفكرية لما أثله مفكرون كبار في المغرب لهم بصمتهم في التأصيل والتجديد والإبداع، ولهم صيت واسع داخل المغرب وخارجه، والتأصيل لفكرة القيادة الثلاثية يجد أصوله في أربعة مفكرين مغاربة اثنان منهما ينتصران للأصالة واثنان آخران يصنفان على حساب المعاصرة، والجامع بين هؤلاء المفكرين المجددين الأربعة هو انتصارهم في البناء والتدليل على ثلاثة مداميك رئيسة، لكل واحد منهم مرجل يقوم على ثلاثة أثافي، يختلفون ويتوافقون ولكن يظل الجامع بينهم جميعا هو عنوان واحد: الأصالة والمعاصرة.

المفكرون الأربعة هم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وطه عبد الرحمن وعبد السلام ياسين.

المفكر محمد عابد الجابري في نقده للعقل السياسي العربي يرى أن هذا العقل بقي حقل التفكير فيه محاصرا عبر مراحل تاريخية ثلاث: انطلاقا من الدولة الأموية، مرورا بالعصر العباسي، وصولا إلى واقعنا السياسي الراهن.

وبقي العقل العربي، حسب الجابري محاصرا، حسب رأيه، بإديولوجيات لاعقلانية، وهي ثلاثة: إيديولوجية الجبر، والتفكير الخارجي، والإمامة.

وهكذا وظف المفكر محمد عابد الجابري صنفين من المفاهيم: صنف استعاره من الفكر العلمي الاجتماعي والسياسي المعاصر، ويتعلق الأمر بثلاثة مفاهيم، وهي: اللاشعور السياسي، والمخيال الاجتماعي، والمجال السياسي.

كما وظف الجابري ثلاثة مفاهيم استمدها من التراث العربي الإسلامي، وهي ثلاثة: القبيلة والغنيمة والعقيدة.

لاحظوا الأثافي الثلاث التي يطبخ عليها الجابري المرجل/ مشروعه الفكري!ّ

كما استفاد حزب الأصالة والمعاصرة من الفيلسوف والمؤرخ عبد الله العروي، ولاسيما في كتابه المعنون بـ”الإيديولوجية العربية المعاصرة” الذي كتبه بالفرنسية في بداية السبعينات، وذلك في محاولة رده الفكري على هزيمة 1967، حيث قسم العرب إلى ثلاث إيديولوجيات، وهي: الشيخ، والسياسي الليبرالي، وداعية التقنية.

واضح أن العروي، وهو المؤرخ، اعتمد هذا التصنيف من المسار التاريخي الغربي الحديث، وهي ثلاثة مسارات  رئيسة:

-المسار الأول يتعلق بالثورة الدينية مع يوحنا كاليفن ومارتن لوثر.

ـ المسار الثاني يتعلق بالثورة السياسية مع رواد الفكر الليبرالي الحديث.

ـ والمسار الثالث يرتبط بالثورة الصناعية مع العلم التقني الحديث.

وما يهمنا هنا ليس بسط فكر عبد الله العروي، بل ما يهم هو التقسيم الثلاثي لمفكر حداثي له علاقة بجناح المعاصرة للحزب، هذا المفكر ، أي العروي، هو الذي قال يوما في شهادته عن عصر الحسن الثاني: “لقد كان ضحيتنا وكنا ضحيته”، هذا هو المذهب التاريخاني الذي استلهمه التيار اليساري لحزب التراكتور، وآمن بالفكرة ودافع عن الأطروحة! زعمواا!

بل إن الحزب اتخذ أطروحة “المشروع الحداثي الديمقراطي”، شعارا لمرحلة زمنية ليست بالقصيرة ، وهذي الأطروحة تعود لصاحبها المؤرخ عبد الله العروي، على حد تعبير نورالدين الزاهي، وأنا سمعتها من فم الزاهي، فالدولة اتخذت المشروع الحداثي الديمقراطي شعارا لها بعدما استعارته من العروي، وسارع حزب الأصالة والمعاصرة لاستعارته من الدولة كما استعار تقرير الخمسينية وتقرير الإنصاف والمصالحة.

وكما استلهم حزب الأصالة والمعاصرة من الفيلسوف المنطقي طه عبد الرحمن التقسيم الثلاثي للعقل، العقل عند طه عبد الرحمن ثلاثة اصناف: العقل المجرد، العقل المسدد، العقل المؤيد.

كما أن الترجمة عند طه عبد الرحمن ثلاثة اصناف: الترجمة التوصيلية، الترجمة التفصيلية، والترجمة التأصيلية.

وما يهم في التفصيل الثلاثي في المشروع الطهائي كا بشكل عام هو تحصيل فضيلة الإبداع ودفع آفة الاتباع في النظر إلى المجال التداولي العربي، وما يهم أكثر هو أن حزب الأصالة والمعاصرة استفاد  من طه عبد الرحمن.   

وكيف استفاد حزب الأصالة والمعاصرة من عبد السلام ياسين علما أن الحزب جاء في بدايته لمحاربة الإسلاميين، بل إن إلياس العماري قال صراحة ذات مرة بأنه يحارب الإسلام السياسي؟

الجواب هو أن “البام” كان يتحدث عن الإخوان والسلفيين وليس عن عبد السلام ياسين الأمازيغي، بل إن محمد الطوزي سبق وأن أطلق تصريحا هاما قبل عشر سنوات تقريبا، وقال بأن العدل والإحسان هي الوجه الآخر للمخزن، ويقصد الطوزي الخلفية الثقافية الدينية المغربية التي تنطلق منها الجماعة وهي نفسها التي يقوم عليها الاجتماع الديني بالمغرب، إنها الخلفية الصوفية التي اخترقت الثقافة العامة بالمغرب من الزاوية إلى الحزب إلى الدولة.

كما لا يخفى على السيدة فاطم الزهراء عليها السلام، وهي من شيعة آل بيت النبوة في المغرب، وبنت مراكش، أن عبد السلام ياسين انطلق في دعوته من مراكش، في قيادة من ثلاثة أشخاص هم: عبد السلام ياسين، ومحمد العلوي، وأحمد الملاخ.

كما ينبغي التذكر أن فؤاد عالي الهمة، المؤسس للحزب، سبق وأن صرح في ندوة من تنظيم جريدة المساء بأن فوزه بثلاث مقاعد برلمانية كان نتيجة تصويت العدل والإحسان في منطقة بنكرير لصالحه، استبعد ذلك المصطفى الرميد الذي كان ضمن المشاركين في الندوة.

ولا يخفى على القارئ أن عبد السلام ياسين وطه عبد الرحمن ينتميان إلى خلفية صوفية، ولهم علاقة جد وطيدة بالزاوية البودشيشية، كما أن عبد السلام ياسين يقوم فكره على الأثافي الثلاثة، كما القيادة الثلاثية لحزب الأصالة والمعاصرة أيضا.

لقد حدد الراحل موقفه السياسي باللاءات الثلاث: لا للعنف، لا للسرية، لا للتعامل مع الخارج.

وحدد منطلقه الفكراني عبر تفاعل ثلاثة عناصر: العقل والنقل والإرادة.

كما حدد المنهج في التعامل مع الآخر في ثلاثة عناصر سماها بـ”النواظم الثلاث”، وهي: الحب في الله، النصيحة والشورى، الطاعة.

إن الأصول الفكرية والفلسفية والاجتماعية للقيادة الثلاثية لحزب البام تنطلق في قوتها الاستراتيجية وتماسكها النظري من مفكرين مغاربة يرتبطون بالأصالة والمعاصرة، الأصالة (طه عبد الرحمن وعبد السلام ياسين) والمعاصرة (محمد عابد الجابري وعبد الله العروي).

على سبيل الختم

لقد دافعنا بالدليل الواضح أن قيادة “البام” الحالية الثلاثية لم تكن خارجة عن العرف السياسي المعهود، وليست بدعة ولا سنة سيئة، هي أكبر من ذلك، إنها رؤية جديدة لها أصول في الفكر السياسي والفلسفي بالمغرب، كما لها أصول اجتماعية.

وعندما تفكر القيادة الجديدة أن تتحول من ثلاثة إلى سبعة، فأنا على استعداد للدفاع عن القيادة السباعية، سنؤصل فلسفيا وفكريا واجتماعيا ودينيا للقيادة السباعية الجديدة، وسنتحدث عن سبع سماوات، وسبع سنبلات خضر، وسبع آُخر يابسات، وسبع سنوات عجاف، ونتحدث قبل هذا وذاك يا سيدتي فاطمة الزهراء عن سبعة رجال، وكذلك عن الكسكس بسبع خُضر.

Share
  • Link copied
المقال التالي