Share
  • Link copied

كميرة: هكذا تحوّلت “نقابة الأموي” إلى رسم تجاري للبيروقراطيّين

حاوره نورالدين لشهب

قال عبد العالي كميرة، زعيم الكونفدرالية العامة للشغل، وهي النقابة الجديدة التي انفصلت عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن الانفصال عن النقابة التي يترأسها نوبير الأموي ليس انشقاقا بقدر ما هو حركة تصحيحية تتغيا تجديد الخطاب النقابي كي يتماشى والمرحلة الراهنة “بعدما أصبحت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمثابة رسم تجاري يقتات منه الذين اساؤوا للعمل النقابي” بتعبيره.


وتطرق كميرة في حوار خاص إلى الدعم المالي الذي تتقاضاه CDT والتي وصل إلى 400 مليون سنتيما دون استفادة المنخرطين منها على مستوى التأطير والتكوين، ناهيك عن الزعامات القيادية التي لا تزال تتحكم في النقابة بالرغم من حصولها على التقاعد.


أنت عبد العالي كميرة خضت انفصالا من داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هل هذه الخطوة انشاق أم حركة تصحيحة أم ماذا؟


نحن نعتبر أنفسنا ما زلنا ننتمي وندافع عن الروح والعمق النضالي الذي تأسست عليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث أن هذه النقابة ومنذ تأسيسها كانت تعتبر نفسها البديل أمام الممارسات النقابية البيروقراطية.


نحن اليوم استمرار لهذا التوجه، أما CDT أو أسماء أخرى حين تفقد عمقها تصبح مبتذلة، إن الذين ساهموا في تأسيس وتقوية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل هم اليوم خارجها نتيجة الحرب التي شنت عليهم، ونتيجة تحول هذا الإطار إلى رسم تجاري يقتات منه كل الذين اساؤوا إلى العمل النقابي النبيل.


نحن أردنا تصحيح هذا الوضع وخضنا صحبة مجموعة من المناضلين صراعات قوية، وخلال مرحلة طويلة من أجل الحفاظ على الروح التي أسست عليها CDT، لكن في كل لحظة نكتشف أننا أمام لوبي ( Lobby) بيروقراطي لا هم له سوى المواقع والامتيازات.


وما المؤتمر الوطني الأخير الذي عقد بمدينة الدار البيضاء إلا دليل على ما وصلت إليه الآلة البيروقراطية، حيث تم تهريب المؤتمرين من المناضلين، وعينت كل الأجهزة منذ البداية إلى النهاية كان آخر شوط هو تعيين مكتب تنفيذي، أو بصيغة أصح، إعادة الشرعية « القانونية » لقيادة أساءت للعمل النضالي وللمناضلين، وأصبحت خارج الزمن السياسي، هذا العمق، وهذه الرؤية للاستمرار في تحصين العمل النقابي والالتزام بعمق البديل، هو الذي أسسنا عليه إطارا جديدا سميناه الكونفدرالية العامة للشغل CGT..


طيب، الملاحظ أن كل الانشقاقات التي حدثت في تاريخ الأحزاب والنقابات تزعم أنها تقوم بحركة تصحيحية ومع مرور الوقت يتضح أن الأمر مرتبط بنزاعات شخصية وصراع على الزعامة؟


كل تجربة ولها خصوصيتها، ارتباطا بالشروط الذاتية والموضوعية لكل واحدة منها، لكن لا أحد يمكنه الجزم أن كل الانشقاقات كانت كلها بأفق تصحيحي، فهناك تجارب كانت تحركها النزعة الزعماتية، وأخرى كانت من ورائها جهات لا هم لها سوى تعطيل الحركة النضالية لمجموعة من الإطارات.


نحن اليوم أمام واقع لا يمكن أن نجادل فيه. وهو غياب الجواب عن السؤال النقابي بكل تعقيداته، نحن أمام قيادات تمسكت بالكراسي والامتيازات وابتعدت عن هموم الشعب المغربي والطبقة العاملة وعموم المأجورين وضعت مسافة بينها وبين مصالح كل الفئات المقهورة.
نحن لا ندعي كوننا البديل، بل نحن جزء من بديل بدأ يتبلور داخل المجتمع كانت لحركة 20 فبراير قصب السبق في تدشينه من خلال رفعها لشعارات من قبيل محاربة الاستبداد والفساد والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لهذا نحن في حاجة ماسة إلى روح حركة 20 فبراير في كل الإطارات.


ما هي هذه الأشياء الذي عجلت بخيار انفصالكم عن CDT؟


كما قلت لك نحن أمام وضع مازوم تتجلى معالمه في العزوف من لدن المواطنين على العمل السياسي والنقابي مع استمرار الدولة في الهيمنة على كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل وجود قيادات لا هم لها سوى الاستمرار بأي ثمن كان، ودون العمل على تجديد خطابها ونخبها، حيث الريع اكتسح كل المجالات الشيء الذي أفقد العمل السياسي والنقابي نبله وتوهجه كما كان في الماضي.


لكن داخل ك.د.ش، فالأمر استفحل أكثر، تصور أن مؤتمرا ينعقد بعد ثلاث عشرة سنة ولم يعط الفرصة للمنضاضلين فرصة تقييم التجربة في كل تفاصيلها. هذه المرحلة الطويلة شهدت خروج مناضلين لتأسيس الفيدرالية الديمقراطية للشغل FDT ومن بعدها خرج آخرون ليشكلوا المنظمة الديمقراطية للشغل ODT.


إن نتائج المؤتمر الأخير لـ (ك.د.ش) هو تأبييد للخط المهادن والانتهازي، هذا بالإضافة إلى الحياة الداخلية للنقابة. تصور معي أن نقابة تحصل على الدعم المالي من الدولة يتجاوز 300 مليون وأزيد من 100 مليون من وزارة التشغيل مخصصة للتكوين، ولحد الآن لا نعرف كيف تصرف هذه الأموال ومن المستفيد منها، فجميع القطاعات لا تستفيد من هذا الدعم ولا من التكوين، تصور أن حتى بطائق الانخراط لا نحصل سوى على 20 درهما من 100 درهم ثمن البطاقة.


أما العلاقات الخارجية والتكوين فمن المستفيد منها؟ لا أحد سوى بعض الموالين لبعض « الزعماء »، والنتيجة أن كل هذه الأموال لا انعكاس إيجابي لها على مستوى الممارسة النقابية.
كنا نتمنى أن تتحمل الدولة مسؤليتها وأن تطرح قانون النقابة بالجدية اللازمة، نحن مع تنظيم هذا الجانب خصوصا في نقطتين نعتبرهما أساسيتين، وهما احترام القوانين التأسيسية، وذلك بعقد المؤتمرات في الآجال القانونية، وإجبار المتقاعدين على مغادرة دفة التسيير، وأنت تعلم، أن أغلب أعضاء المكتب التنفيذي لـ (ك.د.ش) هم متقاعدون.
وأما النقطة الثانية، وهي تتعلق بالمراقبة المالية، لهذا فكلما طلب من الأحزاب السياسية أن تقدم كشفا دقيقا لماليتها، فالنقابات يجب أن تلتزم بهذه الأمور.


ما عدا هذين النقطتين، يجب على الدولة أن تسلك الحياد ولا تتدخل في الحياة الداخلية لهذه الإطارات النقابية..


لماذا «الحركة التصحيحية» بتعبيركم، في هذا الوقت بالذات في ظل وجود تصدعات داخل الأحزاب والنقابات؟


السبب بسيط، نحن أمام سقوط ونهاية أطروحة القيادات التاريخية، ثانيا هو جواب موضوعي على الحركية التي يعرفها المجتمع المغربي، ثالثا، إننا نعتبر أن المرحلة هي مرحلة صراع اجتماعي بامتياز، مثلا إن نسبة المنقبين داخل المجتمع المغربي لا تتجاوز نسبتها 8٪ فقط، بمعنى كل هذا يتطلب التجديد، يتطلب رؤية أخرى جديدة، وعمل آخر من أجل الرفع من وتيرة التنقيب.


هذا بالإضافة إلى أن حركة 20 فبراير، وبالرغم من تكالب الكل عليها، فقد فتحت الباب لأسئلة عميقة داخل المجتمع أعادت طرح السؤال السياسي والنقابي، وفتحت إمكانية الجواب من خلال شعاراتها الواضحة، ونحن كجزء من هذه الحركة في ديناميتها، فمن المنطقي أن نجسد هذه الروح في كل الإطارات التي نعمل بها.


برأيك هل هذه التصدعات داخل الأحزاب والنقابات مرتبطة بشكل ذاتي، يعني مشكل الزعامة، أم هي مرتبطة بتحولات داخل المجتمع وتجد صداها في التشكيلات والنقابات والأحزاب؟


كما سبق وأن قلت لك إن أطروحة القيادات التاريخية قد انتهت، وأن قراءة بسيطة لما يقع يجعلنا نعي جيدا أن هذه الإطارات وكل التحولات التي تعرفها أوصلتها إلى التخلي عن دورها في تأطير الجماهير من أجل غد أفضل للجميع، حيث يتم إرجاع العمل السياسي إلى نبله حين تمارس السياسة بمنطق المساءلة وجعل الانتماء للوطن يقاس بالحق في الثروة الوطنية من الجميع وبشكل عادل مم سيكون له تأثير إيجابي على كل ما هو اجتماعي من اجل ضمان استقرار هذا البلد وتجنيبيه كل المفاجآت.


نحن اليوم أمام تحولات عميقة يعرفها المجتمع المغربي مما يتطلب دراسة عميقة وخصوصا في الشق السوسيولوجي مما يتطلب تدشين مسلسل من التغييرات في الرؤى وفي الخطاب وفي الممارسة، الشيء الذي يجعلنا نعتقد أن القيادات الحالية عاجزة على القيام بهذا الأمر.
فالمجتمع أكيد أنه يعرف تحولا عميقا ارتباطا بكل تأثيرات العولمة، نحن أمام شباب منفتح على العالم ومهووس بكل التطورات التقنية والإعلامية، منفتح على المستقبل ولم يعد يقبل الاستكانة للغة الخشب وتحاليل تجاوزها الزمن، كل هذه التحديات هي السبب فيما يقع.


طيب، حاليا ما علاقتك بالحزب الاشتراكي الموحد؟


كما تعلم جيدا أنا من مؤسسي التجربة القاعدية، ومن مؤسسي تيار « الديمقراطيون المستقلون»، والذين هم من مكونات اليسار الاشتراكي الموحد الذي أصبح اليوم يسمى الحزب الاشتراكي الموحد، لذلك أعتز بانتمائي لتجربة القاعديين وبشكل أكثر لتجربة الديمقراطيون المستقلون، وبشكل أقل للحزب الاشتراكي الموحد، فأنا اليوم ليست لدي علاقة تنظيمية مع الحزب، لكنني أحتفظ بعلاقات نضالية وإنسانية مع مجموعة من المناضلات والمناضلين الذين لا يزالون في الحزب. وأكن الاحترام للجميع، سأستمر في الانتماء إلى الفضاء الواسع لليسار المناضل والمكافح.


هناك رسالة تسربت من داخل الحزب تتهمك بعلاقتك بحزب الأصالة والمعاصرة؟


لقد قمت بتوضيح في حينها أعلنت فيه أن حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب كباقي الأحزاب، علني وقانوني، والانتماء له لا يتم بالسرية، وأن هنالك خلط بين الإنساني والسياسي لدى البعض، الشيء الذي حاولت من خلال تجربتي المتواضعة أن أضع المسافة اللازمة بينهما، وأضفت أن عمق المشكل هو اختلافي مع مشروع فيدرالية اليسار الديمقراطي لأني أعتبر أن هذه الخطوة لا تشكل الجواب الصحيح على الأزمة التي يعيشها المشهد السياسي واليسار بصفة خاصة، هذا بالإضافة إلى إيماني أن المرحلة تتطلب تشكيل جبهة واسعة من الديمقراطيين والحداثيين.


أنت يساري كنت من الطلبة القاعديين وخضت تجربة ضمن الديمقراطيين المستقلين، وكان من الذين ساهموا في هذه التجربة إلياس العماري، ما علاقتك بالرجل حاليا؟


هي علاقة قديمة، بحيث أن لنا تاريخا مشتركا، أنا بالفعل أكبر منه سنا، فكان أول لقاء لي به عام 1985 بمدينة الحسيمة، أنا كنت طالبا قاعديا عاش تجربة الاعتقال السياسي، وهو لحظتها كان تلميذا نشيطا في النقابة الوطنية للتلاميذ، وبعد مدة زمنية ليست بالطويلة التحق بالرباط هاربا من المتابعة التي طالت آنئذ مجموعة من المناضلين، وكان هو، أي إلياس العماري، واحدا منهم، حيث استقر بالرباط وعشنا في بيت واحد لأزيد من ست سنوات اقتسمنا فيها كل شيء: الأفكار والخبز والملابس.. ومع مرور الزمن اختلفت التقديرات والاختيارات ومع ذلك بقيت تربطنا معا علاقات إنسانية عميقة.


هل لنقابتكم، الكونفدرالية العامة للشغل، علاقة بحزب الأصالة والمعاصرة؟


أبدا، لاعتبار بسيط هو أن من بين مبادئ الكونفدرالية العامة للشغل مبدأ الاستقلالية، أي الاستقلالية عن الدولة وعن الأحزاب السياسية، ثم أننا نرى أنه من أجل ضمان نجاح أي إطار نقابي لا ينبغي له أن يكون ذيليا وتابعا لأي حزب، نحن داخل هذا الإطار نضمن لكل فرد الحق في الانتماء لأي حزب شريطة احترام قوانين ومبادئ النقابة وكذا احترام استقلالية القرار النقابي.


وداخل ك.ع.ش يتواجد مجموعة من المناضلات والمناضلين ينتمون لحساسيات سياسية مختلفة ومتباينة، كما يوجد مناضلون ديمقراطيون لا انتماء سياسيا لهم، هذا بالإضافة إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة قد حسم في اثناء اجتماع مجلسه الوطني في خياره النقابي، واعتبر أن المنظمة الديمقراطية للشغل ODT هي خياره في الوقت الراهن.


بالنسبة لنقابتك الجديدة، هل تتوقع لها النجاح في ظل وجود تفكك المكونات النقابية وعزوف واضح وبين للعمل السياسي والنقابي؟


هو بالفعل تحد كبير، ولنا ما يكفي من الطموح والجرأة والإخلاص والمسؤولية والالتزام للعمل على تجديد خطاب نقابي يتماشى مع المرحلة الراهنة، نحن منفتحون على المستقبل، نتفاعل مع ما يحدث من حوالينا، نطرح الأسئلة الحارقة ونتلمس الأجوبة المناسبة، نؤمن بجدلية النقابي والسياسي، نؤمن بجبهة اجتماعية ديمقراطية مناضلة.


نحن جزء من أبناء هذا الوطن، لا هم لنا سوى تحقيق دولة الحق والقانون، تحقيق مجتمع ديمقراطي يضمن للكل الحق في الحياة والكرامة والعيش الكريم، لهذا فنحن متفائلون لاسيما وأننا نعتبر أن هذه المرحلة التي نحياها هي مرحلة الصراع الاجتماعي بامتياز، ولنا اليقين أننا لن نكون وحدنا في هذه التجربة، لأن المشهد الاجتماعي متعطش للعمل النقابي الجاد والمخلص والملتزم.


نحن نؤمن بالعمل الجماعي، وهذا هو الضامن لاستمرارنا، ناهيك على أننا اخترنا العمق الديمقراطي الذي جسدناه في القانون الأساسي: استقلالية القرار القطاعي والجهوي، والمناصفة، والتشبيب، وللكاتب العام ولاية واحدة فقط، مع التنصيص على أن المتقاعدين لا يمكنهم أن يكونوا في موقع المسؤولية.

Share
  • Link copied
المقال التالي