ذكرت وكالة “gisreportsonline” الألمانية يوم أمس (الثلاثاء) في تقرير تابعته جريدة “بناصا” الإلكترونية وترجمته، أنه وبعد التقارب مع أوروبا الذي أعقبه محاولة غير حاسمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حولت تركيا تركيزها إلى أفريقيا.
وبحسب التقرير، فإن الدافع وراء هذا المحور، كان في البداية، هو الحاجة إلى تأمين المزيد من الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، لكن في عام 2005 تقريبًا، بدأت العلاقات التركية الإفريقية في التعمق.
وكان هذا النمو مدفوعاً بالجيوسياسة العالمية، ولكن أيضاً بفضل النهج الحازم الذي اتبعه حزب العدالة والتنمية التركي والازدهار الاقتصادي الذي شهدته أنقرة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
واعتمد تعامل تركيا مع أفريقيا في البداية على القوة الناعمة: المساعدات الإنسانية والتعليم والمبادرات الثقافية، وبمرور الوقت، أصبحت أشكال التأثير الأكثر حزماً تتخذ جوانب رئيسية للشراكة، فعلى سبيل المثال، في عام 2011، لعبت تركيا دورًا حيويًا في الصومال من خلال تقديم المساعدات خلال المجاعة المدمرة.
وفي عام 2017، أنشأت معسكر تركسوم في مقديشو، وهو أكبر منشأة للتدريب العسكري في الخارج، وفي عام 2019، تدخلت تركيا في الحرب الأهلية الليبية من خلال دعم إدارة طرابلس ضد الجنرال خليفة حفتر، بدعم من مصر وروسيا.
تركيا بديلاً للغرب والصين
وتوسعت العلاقات التركية الإفريقية بسرعة بسبب استراتيجية أنقرة الطموحة والمتعددة الأوجه والطويلة المدى، ولتوسيع نفوذها، انخرطت تركيا مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الهيئات الحكومية وشركات القطاع الخاص والجماعات الدينية.
وقد كثفت جهودها الدبلوماسية الرسمية: فهناك الآن 44 سفارة تركية في أفريقيا، مقارنة بـ 12 سفارة في عام 2002، كما أطلقت أنقرة برامج ثقافية ومجالس أعمال وشبكة طيران واسعة النطاق عبر القارة، حيث تحلق الخطوط الجوية التركية الآن إلى أكثر من 60 دولة بالقارة الأفريقية.
ويصاحب هذه الاستراتيجية سرد يصور تركيا كدولة “أفرو-أوراسية”، وصاغ الرئيس رجب طيب أردوغان رؤية حديثة لتركيا تعمل على إحياء تراثها العثماني، في حين تدافع عن القومية التركية.
واستنادا إلى التقرير ذاته، فقد دعا رجب باستمرار إلى إصلاح المؤسسات العالمية، ووضع بلاده ليس فقط كمؤيد للتطلعات الأفريقية ولكن أيضًا كبديل عملي للقوى التقليدية مثل الصين والدول الغربية.
ومثل بكين، تؤكد أنقرة على سيادة الدولة وتمتنع عن فرض شروط سياسية على شركائها، وفي هذا السياق، يُنظر إلى هوية تركيا الإسلامية وافتقارها إلى التاريخ الاستعماري على أنها نقاط قوة فريدة، وبالنسبة للدول الإفريقية، يعتبر نموذج المساعدات التركية مفيدًا أيضًا.
وعلى الرغم من أن التمويل محدود، فإن حقيقة أن المنح يتم التفاوض عليها بموجب مخططات ثنائية تجعلها بديلاً جذابًا للمساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية والتي تأتي مصحوبة بمطالب سياسية ضخمة.
تركيا لاعب أمني رئيسي في أفريقيا
تاريخيًا، كان تأثير تركيا مقتصرًا في الغالب على شمال إفريقيا والقرن الإفريقي بسبب الروابط الجغرافية والدينية، ومع ذلك، كما كان متوقعًا سابقًا، تعمل أنقرة الآن على توسيع وتعزيز علاقاتها مع دول غرب إفريقيا، مثل نيجيريا والسنغال، ومع دول الساحل أيضًا.
وفي العقدين الماضيين، زادت التجارة بين تركيا وأفريقيا من 5.4 مليار دولار إلى أكثر من 40 مليار دولار في عام 2022، وحققت المنتجات والخدمات التركية، من السلع الاستهلاكية إلى السلع الثقافية والمنتجات الصيدلانية وخدمات البناء، نجاحات كبيرة في الأسواق الأفريقية، وذلك بفضل جودتها وأسعارها التنافسية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت تركيا جهة فاعلة رئيسية في المشهد الأمني المتغير في أفريقيا، نظرًا لوجودها المهم بالفعل في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، فقد أبرمت أنقرة اتفاقيات دفاع مع دول في غرب وشرق إفريقيا، بما في ذلك إثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا ورواندا.
وعلى الرغم من أن تفاصيل الصفقات تختلف – بدءًا من الأحكام الأمنية والدعم الفني إلى التدريب العسكري – إلا أنها غالبًا ما تتضمن أحكامًا حول مبيعات الأسلحة.
ويعد توسيع صناعة الدفاع التركية إحدى أولويات حكومة الرئيس أردوغان، وفي عام 2023، نما حجم الصادرات الدفاعية والفضاءية التركية بنسبة 27 في المائة، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.5 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يتسارع النمو في عام 2024، بعد أن وقعت شركة Baykar Technology التركية أكبر عقد دفاعي في تاريخ البلاد لبيع مركبات جوية قتالية بدون طيار إلى المملكة العربية السعودية، وأصبحت تركيا لاعباً مهماً في صناعة الطائرات بدون طيار العالمية بفضل تطوير نماذج تنافسية مثل Bayraktar TB2 أو Akinci.
وبالنسبة للدول الأفريقية، تتمتع المنتجات الدفاعية التركية بجوانب إيجابية كثيرة، فهي ميسورة التكلفة وموثوقة من الناحية الفنية، وقد تم اختبارها في ليبيا وسوريا، ومؤخرًا في أوكرانيا، ومرة أخرى، وعلى عكس الغرب، لا تجعل تركيا هذه المساعدة مشروطة بالحوكمة أو الالتزامات بحقوق الإنسان.
وبالنسبة للبلدان التي تواجه حركات التمرد، ذات الجيوش التي تعاني من نقص الموارد والحدود التي يسهل اختراقها، مثل توغو والنيجر ونيجيريا والصومال، فإن الطائرات بدون طيار التركية وخبرتها في مكافحة الإرهاب ذات قيمة خاصة.
ومن العلامات الأخرى على أهمية أنقرة المتزايدة في المشهد الأمني في أفريقيا المبادرات البحرية الجديدة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن، بما في ذلك الشراكات مع الصومال والسودان وإريتريا.
السيناريوهات
وأشار التقرير، إلى أن النظام العالمي المفتت يجعل من الصعب على نحو متزايد على الاتحاد الأوروبي تصميم سياسة أفريقية متماسكة، وقد فشلت معظم مبادرات الولايات المتحدة في القارة، حيث من المرجح أن يؤدي هذا الوضع إلى التقريب بين تركيا وأفريقيا.
ونظراً لنطاق المصالح المعنية، بما في ذلك المخاوف الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية والديناميكيات التجارية، فمن المتوقع أن تظل العلاقات مع أفريقيا أولوية، حتى لو تولى زعيم جديد السلطة في تركيا (وهو أمر غير متوقع على المدى القصير).
وبالنسبة للدول الأفريقية، ستستمر العلاقات مع أنقرة في تقديم فرصة لزيادة نفوذها، والحصول على المزايا الاقتصادية والتجارية، وتأمين اتفاقيات الدفاع، بالتالي فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو السيناريو الذي يؤدي بموجبه التعاون الأمني إلى توسيع العلاقات التركية الإفريقية، حيث تلجأ المزيد من الدول الإفريقية إلى المعدات والخبرات الدفاعية التركية.
ومن المتوقع أن تصبح أنقرة طرفا فاعلا مهما – وحاسما في بعض الحالات – في المشهد الأمني في أفريقيا، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت تركيا أقرب إلى مصر، ويرجع ذلك في الغالب إلى تقارب المواقف بشأن الصراعات في السودان وغزة، كما تدير أنقرة علاقاتها بمهارة مع كل من المغرب والجزائر – وهما منافسان إقليميان.
وفي منطقة الساحل والقرن الأفريقي، يُنظر إلى تركيا على أنها أقل إشكالية من موسكو ومجموعة فاغنر، وأكثر شعبية من القوى الاستعمارية السابقة، كل هذا يشير إلى أن تركيا ستظل شريكاً استراتيجياً في أفريقيا.
وخلص تقرير وكالة “gisreportsonline ” الألمانية، إلى أن هذا التطور المشار إليه، قد يؤدي إلى نتيجتين مختلفتين في كيفية تنافس القوى المتوسطة والكبيرة في أفريقيا.
تعليقات الزوار ( 0 )