Share
  • Link copied

الخشية من المغرب تُربك حسابات مدريد: تصريحات ناطق برلماني إسباني تفضح هشاشة الموقف الرسمي الإسباني

في تطور لافت يعكس حجم التحولات الجيوسياسية في حوض المتوسط، كشف ميغيل تييادو، الناطق باسم المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الإسباني المعارض في مجلس النواب، عن ما وصفه بـ”خوف الحكومة الإسبانية من الدخول في مواجهة مع المغرب”.

وأماطت التصريحات التي أدلى بها في حوار مطول مع صحيفة El Mundo الإسبانية، اللثام عن أزمة ثقة متزايدة في دوائر القرار الإسباني تجاه السياسة الخارجية لحكومة بيدرو سانشيز، خاصة في تعاطيها مع ملف الهجرة غير النظامية وعلاقاتها مع الرباط.

ولم يكتف تييادو بالإشارة إلى هذا الخوف فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، باتهامه الحكومة الاشتراكية بالفشل في التصدي لموجات الهجرة غير النظامية، والتي تشهدها جزر الكناري بشكل خاص.

وبحسبه، فإن هذا التراخي راجع إلى “مخاوف سياسية من الدخول في صدام مع المغرب”، الذي يعتبر فاعلاً محورياً في ملفي الهجرة والأمن في المنطقة.

المغرب: قوة إقليمية تفرض معادلة التوازن

وبحسب الصحافة الإسبانية، فإن تصريحات المسؤول الإسباني لا يمكن عزلها عن السياق الإقليمي والدولي الراهن، حيث بات المغرب يشكل قطباً استراتيجياً في المعادلات الأمنية والاقتصادية لشمال إفريقيا وجنوب أوروبا.

فالعلاقات المغربية الإسبانية، رغم مرورها بتقلبات ظرفية، لا تزال مبنية على أسس متينة تشمل التعاون في مجالات محاربة الإرهاب، مكافحة الجريمة المنظمة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى قضايا حساسة كملف الصحراء المغربية، والمياه الإقليمية بين جزر الكناري والسواحل الجنوبية للمملكة.

وبحسب محللين، فإن اعتراف حزب الشعب، وهو من أبرز مكونات المعارضة، بقدرة المغرب على التأثير في السياسات الأمنية والحدودية لإسبانيا، يُعدّ بمثابة إقرار صريح بالمكانة التي بات يحتلها المغرب في المنطقة.

وهو اعتراف يكشف من جهة عن تراجع الهيمنة التقليدية لمدريد في جنوبها، ومن جهة أخرى عن نجاح الرباط في فرض مقاربة تقوم على الشراكة الندية والمصالح المتبادلة.

الهجرة غير النظامية.. سلاح دبلوماسي أم ورقة ضغط؟

وفي قلب هذه الانتقادات تبرز قضية الهجرة غير النظامية، التي أصبحت أداة للتجاذب السياسي داخل إسبانيا، لكنها تعكس في العمق توجهاً أوروبياً يُحمّل دول الجنوب، خاصة المغرب، مسؤولية التصدي لتدفقات المهاجرين.

وتييادو، وهو من رموز المعارضة اليمينية، يرى أن الحكومة الإسبانية باتت تعتمد سياسة “التهدئة” مع المغرب على حساب صرامة الضبط الحدودي، في وقت يُنظر فيه إلى الرباط كشريك موثوق به في ضبط الحدود الجنوبية لأوروبا.

غير أن هذا الطرح يحمل في طياته تناقضاً، فإسبانيا نفسها تستفيد من التنسيق الأمني والاستخباراتي مع المغرب، خاصة في ملفات معقدة كالإرهاب والهجرة والتهريب.

كما أن المغرب لا يتعامل مع ملف الهجرة كورقة ضغط، بل يطالب بشراكات عادلة تُراعي البعد التنموي وتشمل معالجة جذرية لأسباب الهجرة، وهو ما تدركه بروكسيل أكثر فأكثر.

هل تعيد مدريد ترتيب أولوياتها؟

وتكشف التصريحات الأخيرة بجلاء أن المغرب لم يعد ذلك الجار “التابع” الذي تديره المراسلات الدبلوماسية من مدريد، بل شريك إقليمي يفرض احترامه من خلال ثباته على مواقفه، ونجاحه في بناء توازنات استراتيجية مع القوى الدولية.

فالرباط التي حافظت على تحالفها التقليدي مع واشنطن، وبنت جسوراً قوية مع باريس، باتت أيضاً رقماً صعباً في معادلة الجوار الأوروبي.

ومن هنا، يمكن فهم توجس السياسيين الإسبان من “الانفتاح الزائد” أو “اللين” في التعامل مع المغرب، فهم يدركون أن سياسات الضغط لم تعد تنفع مع الرباط، وأن أي توتر في العلاقات قد تكون له تداعيات اقتصادية وأمنية خطيرة على الجارة الإيبيرية.

وأشارت المصادر ذاتها، أن تصريحات تييادو ليست مجرد هجوم سياسي على حكومة سانشيز، بل تعكس تحوّلاً عميقاً في إدراك النخبة السياسية الإسبانية لدور المغرب المتعاظم إقليمياً.

وهو ما يتطلب من الجانب الإسباني إعادة النظر في مقارباته التقليدية تجاه الرباط، والتوجه نحو بناء شراكة متكافئة، تراعي المصالح العليا للبلدين، وتساهم في تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة المغاربية والمتوسطية برمتها.

Share
  • Link copied
المقال التالي