هدوء رهيب، قلق مستمر، خوف وترقب… هكذا نعيش اليوم جميعا، مسلسلا طويلا بطله “كورونا”.
قبل أسابيع من اليوم تم الإعلان رسميا عن تزايد خطر انتشار فيروس كورونا” كوفيد 19″، بتسجيل أكثر من حالة وافدة من بلدان أخرى على المغرب، تواصلوا مع العديد من الأشخاص خلال مدة إقامتهم بالمغرب، دفع هذا الوضع السلطات إلى اتخاذ جملة من التدابير الوقائية أولها توقيف الدراسة بالمدارس العمومية والخاصة وتعويضها بالتدريس عن بعد.
ولأن هذا القرار أعلن دون سابق إنذار فقد كان مربكا للغاية بالنسبة لي، إذ لم تتح لي فرصة توضيح الأمر لتلاميذي، الذين أعلم مسبقا، أنهم سيقلقون جدا خاصة وأن معظمهم يقطنون ببواد بعيدة أخبروني أكثر من مرة أنهم يعانون باستمرار من انقطاع التيار الكهربائي، وأظن أن بعضهم سيتوجه إلى الثانوية صبيحة يوم الاثنين للتأكد من الخبر الذي سيكون محط شك بالنسبة لهم.
لم تتح لي فرصة طمأنتهم، والنظر إلى عيونهم وقد بدت عليها علامات الاطمئنان والأمل، ولا فرصة تعليق مواعيد الفروض التي كنت قد اتفقت معهم عليها.
لم تتح لي فرصة الوقوف إلى جانب مكتبي ورؤيتهم يغادرون تباعا واحدا واحدا مرددين” وداعا أستاذة”، “مع السلامة أستاذة” لآخر مرة قبل مرور أزمة كورونا التي لا أعرف إن كنت سأراهم بعدها، وردي على كل واحد (ة) منهم(ن) بمثل التحية مشفوعة بابتسامة.
لزمت بيتي بعد ذلك كحال أغلب المغاربة، مترقبين الجديد من الأخبار عن حال البلاد والعباد عبر القنوات التلفزية والمواقع الإلكترونية، وأنا أشعر بالخوف في كل مرة أنظر فيها إلى طفلي الرضيع الذي أتم الشهر الرابع قبل أيام، لا أستطيع مطلقا تحمل تعرضه للأذى، مجرد التفكير في إمكانية إبعادي عنه يملأ قلبي بالهواجس والأفكار السوداء.
أشعر بالخوف في كل لحظة على أمي، البعيدة عني، أهاتفها باستمرار، أكرر تنبيهاتي لها بعدم مغادرة البيت، يرهقني التفكير في سلامتها، وينتابني الهلع في كل مرة أسمع عن تسجيل حالة مصابة بفيروس كورونا قريبة من المدينة التي تقطنها، تطمئنني بكلامها الهادئ الحكيم المريح الذي لا يخلو من ذكر الله والرسول والدعاء، فأقفل الخط مرتاحة البال.
أخاف على أسرتي، وعائلتي، وأقربائي وأصدقائي..
بدأت الأخبار السيئة تصلنا تباعا، إعلان عن حالات إصابة جديدة، وفاة، نقص أسرة الإنعاش والمعدات…تتخللها الكثير من الأخبار الكاذبة التي تنتشر سريعا عبر وسائل التواصل الفوري كانتشار النار في الهشيم، وبين الحين والآخر تسطع سماء الأخبار بخبر شفاء أحد المصابين فنسر لذلك ونفرح فرحا شديدا يبعث فينا أملا ومزيدا من الرجاء.
وكحال أغلب النساء هذه الأيام، فالمتنفس الأفضل في ظل هذه الظروف كان المطبخ أهرب إليه في كل لحظة أحسست بالتوتر والقلق، أجتهد لصنع أطباق جديدة تستهلك الكثير من الوقت رغم أنها تؤكل في دقائق، أقدمها لزوجي الذي يعيش – بحكم عمله في مجال الإعلام- حالة ترقب دائم يزيدني توترا كلما سمعته يهمهم عن إعلان إصابات جديدة، أو أخبار طارئة، يمد يده لتناول الطعام وعيناه لاتفارقان شاشة الحاسوب، يفسد زينة الطبق قبل رؤيته فتدفعني غيرتي على طبقي الذي استغرق مني جهدا ووقتا كبيرين إلى التقاط صورة له لعلي إذا كنت بمزاج جيد بعد ذلك أشاركها مع صديقاتي في مجموعة الطبخ أو أبعث بها إلى مجموعة “العائلة” التي ادردش فيه مع إخوتي.
اعتدت منذ فرض الحجر الصحي على مراقبة حركة الشارع كل صباح، أصبح لهذا الفعل البسيط قدرة على تحسين مزاجي متى كان الشارع فارغا أو تعكيره إن بدت لي حركة الناس نشطة، والغريب أنني أعلق على الأمر كل يوم تعليقا منافيا لما استنتجته بالأمس؛ فذلك إما يشعرني بالطمأنينة أو يملأ خواطري إحساسا بنذر السوء، أما مساءََ فقوات الشرطة وأعوان السلطة الذين يجوبون المدينة بأكملها قادرون على جعل المواطنين يختفون من الشوارع قبل حلول الساعة السادسة، ذلك مايذكرني بالمثل الشعبي القائل “يخاف ما يحشم”.
وفي الوقت الذي بدأ الكثير من الناس يتبرمون مللا من طول لزوم البيوت، وعبروا عن ذلك بنشر الدعابات وشرائط فيديو ساخرة، أجدني خلافهم لا تكفيني ساعات النهار للقيام بجميع شؤون البيت التي أحضر برنامجها مسبقا في دفتر خاص؛ فأنا أحرص نهاية كل يوم على تدوين قائمة طويلة بما أريد فعله يوم غد من أنواع الوجبات التي سأعد خلال اليوم، وعدد الصفحات التي سأقرأ، وفكرة مقال أريد كتابته، أو مايفرضه علي يومي بالمطبخ …لكنني أجد نفسي نهاية اليوم لم أنجز غير بعضها مما لا يتجاوز النصف أو مايقرب منه لأن الاعتناء برضيع يضطرك إلى عدم الالتزام بأي برنامج يتعلق بتنظيم الوقت.
وأظن أنني لست الوحيدة التي فقدت السيطرة على الوقت، ففي كل ليل متأخر تتراءى لي الأضواء عبر النافذة، كما أتوصل برسائل إلكترونية من قبل أقاربي وأصدقائي بعد منتصف الليل.
ولأن إيماننا عميق ومشترك بأن تجارب الحياة هي المعلم الأصدق للإنسان، فإننا كلما خضنا تجربة جديدة زدنا معرفة وإدراكا لأنفسنا ولمن حولنا وللعلاقات وللأشياء، للمشاعر وللانفعالات… فيصبح تفسيرنا لها وتعاملنا معها أكثر اتزانا وحكمة، فلتكن تجربة الحجر الصحي فرصة لتعميق إدراكنا للحياة وللنعم، نهرب من خلالها – كما قال عمر بن الخطاب – من قدر الله إلى قدر الله.
تعليقات الزوار ( 0 )