اما بعد…
ألفت أن أكتب في علاقة السياسة بالاقتصاد، وأفتح النقاش مع نخبة تتحدث لغة العلم والنظريات والفرضيات والإشكاليات وتقارب الأسئلة العابرة للمجتمعات والأمصار، لكن هذه المرة اخترت أن أسبح في عالم آخر لا يشبه هذا العالم، إنه عالم يتوسل بالكثير من الأقنعة (مع وجود استثناءات من ذوي النوايا الحسنة).
اخترت، اليومَ، الحديثَ عن تجربة ملهمة لجمعية مدنية تقودها امرأة، ولا أكاد أجد في هذه الجمعية غير النساء يجبن الجبال و يغصن في أعماق المغرب العميق من أجل صناعة الأمل وإسعاد فئة من الشعب المغربي لم يصلها بعدُ شيء مما سمي “إصلاحات” حكومة بنكيران التي يرددها في كل لايف من إخراج سائقه ولا سلفه العثماني الصامت، ولا حتى وعود عزيز أخنوش في الانتخابات وباقي منتخبي حزب “تستاهل أحسن” ولا حتى تلك التي رددها الطالبي العلمي “مول نظرية ضربونا بالحجر”!.
اما بعد…
سنتحدث عن منجزات حقيقية بإمكانيات محدودة تقودها امرأة مغربية، ونساء يسهرن الليالي في الجبال ويخضن الطرقات ويجرفن الحجر ويعرفهن الشجر، ابنة مدينة طنجة، ويبدو أن أصولها الطيبة تمتد لتافيلالت حاضرة العلم و الشرفاء، نوال الفيلالي كما يقول الفرنسيون “Un cas d’école” تزرع الأمل في كل يوم و ليلة، وتصنع المعجزات بمعجزات تخترق منظومة المصحات، وترسم البسمة في وجوه الأطفال والشيوخ المغاربة وحتى الأجانب، أكثر من ذلك عبر عمليات جراحية وطبية وآبار تروي عطش القرى.
تمكنت هذه الجوهرة المغربية من أن تعيد الثقة في العمل الجمعوي وامتد بها الطموح إلى إطلاق أحد أكبر مشاريع العمل الجمعوي بمنطقة ميدلت “مشروع رحمة”.
اما بعد…
هذا المشروع “رحمة” الذي يهم ثمانية دواوير بالمنطقة، ويرمي إلى بناء مرافق أساسية كالمرافق الصحية وملعب ومكتبة ووحدة صحية لأبناء هذه الدواوير، عبر مجموعة من المساهمات التي يقدمها داعمون للجمعية، ولا يفوت هنا أن ننوه بدور السيد عامل إقليم ميدلت وجميع السلطات بالإقليم على ما يقومون به لدعم هذه المبادرات والمشاريع التي تعمل عليها هذه الجمعية و متطوعوها، وهو ما يجسد “تمغربيت” الحقيقية والأصلية عبر قيم التضامن داخل المجتمع المغربي و التشبث بالقيم وبالثوابت الوطنية والمرجعية المشتركة للمغاربة.
اما بعد…
إن هذه التجربة الرائدة في مجال العمل الجمعوي يجب أن تكون منطلقا لنقاش حول دور الجمعيات المنتشرة هنا وهناك، لأن يد الفاعل الحكومي لا تصفق لوحدها ولا حتى مجهودات السلطات المحلية والمنتخبين كافية لتغطية حاجيات كل المواطنين، وهو ما يحتاج إلا مقاربة جديدة وإعادة النظر في بنية الجمعيات وعددها وفعالياتها في الميدان، لأن دورها يجب أن يكون امتدادا ومكملا لسياسات عمومية تهدف رفع الحيف وتخفيض الفوارق المجالية في المداشر والقرى التي تحتاج فقط لمدرسة وبئر لشرب الماء وطريق سالكة للمراكز الصحية بعيدا عن مخرجات النموذج التنموي الجديد.
اما بعد…
هذا هو النموذج الحي والحقيقي للمرأة المغربية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة حقيقة، و ليس كالنموذج الذي يختزل قضية المرأة في أمور يتخذها مطية لضرب قيم الترابط والتضامن المؤسسة لفعل الخيرات، والصانعة لتاريخ وحضارة المغرب.
تعليقات الزوار ( 0 )