بعد بضعة أيام من إغداقه الثناء بحنجرة مخنوقة على بطولة سكان “نير عوز” ومسؤوليته تجاههم عقب زيارة إلى المكان، كشف وزير المالية بأن كل شيء كان خدعة، ومناورة علاقات عامة عليلة وتهكمية: “لن أسمح بصفقة وقف الحرب”، قال أول أمس لبن كسبيت وعميت سيغال في برنامج “التقِ الصحافة” (أخبار كيشت)، “ولا أعتقد أن أحداً ما من رفاقي في الحكومة وجهاز الأمن سيسمح بوقف الحرب. سننهي الحرب هذه حين نشطب حماس، ونغيبها ونبيدها”. هذه الأقوال، التي معناها ترك المخطوفين والمخطوفات لنزاع موت طويل ومهين والموت بعده، قالها فيما كان يضع شارة صفراء على طرف ردائه، إذ ليس للحرب حدود، ويتبين أن لا حدود للوقاحة أيضاً. لكن سموتريتش الذي لا ينفي أن أمنيته هي ضم الضفة الغربية و(على الأقل) شمال قطاع غزة، يسمح لنفسه أن يعرف بأن معظم الجمهور لم يعد مهتماً بالجبهة الجنوبية إلا عندما تأتي أخبار رهيبة عن سقوط جنود. ما يجري هناك هذه الأيام يحصل عليه مستهلكو الإلكترونيات في الغالب عبر مرشحات الناطق العسكري والصحافة المجندة. وحتى ما جاء من طفيف عن الواقع الفلسطيني مثلما في التقرير موضع الخلاف (من اليمين واليسار) لـ “أوهاد حامو” في “أخبار كيشت” عن نفور اللاجئين واللاجئات من حكم حماس، لا يعنى بمسألة هدف القتال في هذه المرحلة، جدواه وبالطبع مسألة التزامه بقواعد وأخلاق (عفواً عن التعبير) الحرب. باستثناء جمهور متظاهرين ومتظاهرات غير كبير، فالمخطوفون والمخطوفات اليوم باتوا في مكان ما بين ذاكرة غامضة ووجع رأس.
هناك أسباب عديدة للكبت والنفي وحتى التوافق مع هذا الواقع، بعضها شرعي وموضوعي. هذا بخلاف الوجه البشع وأحادي البعد الذي يظهر في مرآة شوهاء لليسار المتطرف في العالم (وبعضه في البلاد أيضاً). لكن تعقيد الحقيقة لا يغير النتيجة التي لا يمكن الاختباء منها: إسرائيل في طريق مؤكد لتحويل كارثتها الكبرى إلى كارثة من نوع آخر – أخلاقية، سياسية واقتصادية. الحقائق على الأرض التي يثبتها الجيش الإسرائيلي شمالي القطاع (من خلال شق الطرق، وبناء البنى التحتية وطرد السكان)، غياب أفق لإنهاء الحرب والغموض السلطوي لمستقبل القطاع تشتم كاحتلال وليس من النوع المؤقت. إن تعاظم الخطاب لدى اليمين عن إقامة مستوطنات، دون أي توضيح من جانب رئيس الوزراء حول ذلك، إنما يعمق الاشتباه بأن إسرائيل أقرب لتحقيق إحلال سموتريتش من إنهاء كابوس عيناب تسنغاوكر.
وحتى البابا (بالإجمال الشخصية الأهم على وجه الأرض بالنسبة لطائفة صغيرة من 1.4 مليار نسمة) يدعو إلى فحص ما إذا كانت إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في غزة، فإن شاشة الجهل الإسرائيلي التي تشبه ما يحصل في روسيا، ناقص إخفاء معارضي النظام، أصبحت أكثر سمكاً وغلاظة: بدون الصور التي تنتشر كالنار في الشبكات الإعلامية الأكبر، وبدون رقابة جدية على سلوك الجيش، وبدون محاسبة الأفعال التي تطرد إسرائيل من أسرة الشعوب، مع ترقب أن يدور ترامب حاملاً عصا كبيرة ويسمح لنا بكل شيء. وسواء يحصل هذا أم لا، ستأتي اللحظة التي يضطر فيها جمهور وطني وصهيوني (نعم، صهيوني) ليصرخ “ليس باسمنا”. هي لحظة تقترب بخطوات كبرى. لا أحد يحق له أن يقول “لم أعرف”.
عيناب شيف
يديعوت أحرونوت 18/11/2024
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )