شارك المقال
  • تم النسخ

وسط خسائر فادحة بسبب الظاهرة الغربية.. لماذا تختفي طوائف النحل في المغرب؟

كان هذا الموسم استثنائيا وصعبا بالنسبة للنحال المغربي حسن آيت أوسعدان، حيث تكبد خسائر فادحة بعد اختفاء قرابة نصف النحل من منحله في منطقة تيفلت ضواحي الرباط.

يعمل حسن منذ 15 سنة في تربية النحل، لكنه لم يعايش -كما يحكي للجزيرة نت- هذا الضرر الذي لحق بمنحله وبمناحل زملائه.

يقول إنه لاحظ اختفاء النحل من الخلايا في يونيو الماضي، وبدأت الظاهرة تنتشر شيئا فشيئا إلى أن ازدادت شراسة في ديسمبر، ما تطلب تآزر النحالين فيما بينهم والتفكير الجماعي لوقف الكارثة.

كان في منحل حسن 550 خلية نحل، ولم يعد لديه اليوم إلا 300 خلية فقط، يسعى جاهدا لإنقاذها بمختلف الطرق.

بالنسبة لهذا النحال، فإنه يفسر انهيار الخلايا في المناحل بالتغيير المناخي وقلة الأمطار إلى جانب الاستعمال المكثف للمبيدات الكيماوية، فهذه العوامل، كما يقول، خلقت بيئة خصبة لتكاثر بكتيريا “النوزيما” التي تسببت في موت النحل.

وإلى جانب الإشراف على منحله، يدير حسن تعاونية تنتج حبوب اللقاح والبروبوليس “صمغ النحل” وحوالي 10 أنواع من العسل.

بلغ إنتاجه العام الماضي 4 أطنان من العسل فقط، وهو رقم ضعيف مقارنة مع السنوات الماضية حين كان ينتج ما بين 8-10 أطنان.

واجتهد حسن لإنقاذ نحلاته مستعينا بدواء “بيوطبيعي” اشتراه من خارج البلاد، ويحاول البحث عن مناطق أكثر خفة وتتوفر فيها حبوب اللقاح لوضع صناديق النحل، كما يحرص على تعقيم الأدوات التي يستعملها في المنحل قبل استعمالها وبعده، ويؤكد أن التدابير التي باشرها أنقذت باقي خلايا النحل من الانهيار.

ودق النحالون في المغرب ناقوس الخطر، محذرين مما أسموها “ظاهرة غريبة” تسببت في اختفاء طوائف النحل وهي الظاهرة التي انتشرت في عدد كبير من المناحل عبر ربوع المملكة بشكل غير معهود. ويسارع المهنيون والجهات المسؤولة عن القطاع بالمغرب الخطى لفهم ما يحدث ولإنقاذ خلايا النحل من الهلاك.

خسائر فادحة

بالنسبة لمحمد أبولال رئيس الفدرالية البيومهنية لتربية النحل في المغرب، فإنه يعاين هذه الظاهرة لأول مرة، ويقول “أنا خبير ميداني في مجال تربية النحل منذ 35 سنة، عشت مواسم تعرضت فيه المناحل لأضرار وانهيار لكني لم أشاهد انهيارا بهذه الحدة وبهذا الانتشار في مختلف مناطق البلاد، الوضع خطير جدا”.

لا يستطيع أبولال تقييم حجم الخسائر لأنها ما تزال متواصلة وما زالت الفدرالية تتواصل مع مربي النحل لتقدير حجم الضرر، إلا أنه يؤكد أن الخسائر فادحة وأن النحالين خسروا ما بين 20-100% من النحل.

ويقول “نتوقع تأثيرا على المردودية خاصة أن البلاد لا تحقق الاكتفاء الذاتي من العسل، كما ستتأثر مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة”، مشيرا إلى أن الخسائر لن تطال قطاع تربية النحل بل ستتعداه لخسائر في مجالات أخرى مثل الفلاحة.

ويضيف أبولال “يلقح النحل أكثر من 75% من النباتات سواء الطبيعية أو المزروعة، ويحسن جودة وكمية الإنتاج النباتي، وبالتالي فاختفاؤه سيكون له تأثير على الإنتاج الفلاحي، ناهيك عن تأثير ما يحدث على الصحة خاصة وأن التداوي بالعسل والنحل جزء من التقاليد الصحية في المغرب”.

ويشكل قطاع تربية النحل مصدرا للدخل الإجمالي أو الجزئي بالنسبة لأكثر من 36 ألف نحال، ناهيك عن باقي المهن المرتبطة بها بشكل غير مباشر مثل النقل والنجارة وغيرها.

وعرفت سلسلة تربية النحل تطورا مهما في السنوات الأخيرة، حيث ينتج المغرب حوالي 8 آلاف طن من العسل حسب إحصائيات رسمية لعام 2019 ويستورد حوالي ألفين طن، فيما يبلغ متوسط استهلاك الفرد نسبة لعدد السكان 250 غراما من العسل سنويا، ويوفر هذا القطاع 2.45 مليون يوم عمل.

هل هو مرض تكيس الحضنة؟

رُصدت أول حالة مرضية لخلايا نحل في منطقة “بزو وفم الجمعة” بإقليم أزيلال في مايو/أيار الماضي، حسب ما أعلنت النقابة الوطنية لمحترفي النحل في المغرب.

يقول رئيس النقابة الحسن بنبل للجزيرة نت إنهم بعد اكتشاف الانهيار المفاجئ لخلايا النحل راسلوا الجهات المعنية في الحكومة وزاروا عددا من المناحل في مختلف جهات المملكة، بعد أن وصل الوضع إلى مستوى “لا يمكن السكوت عليه” وفق تعبيره.

وأصدرت النقابة تقريرا شخصت فيه طبيعة المرض الغامض وأعراضه ومن بينها “الاختفاء الكامل للشغالات حيث لا يبقى داخل الخلية سوى الملكة مع بضع نحلات فوق رقعة أو رقعتين من الحضنة الميتة”.

وقامت النقابة بعد انتشار المرض بشكل واسع الشهر الماضي بعدة أبحاث مخبرية أخرى تضمنت فحصا شاملا للعينات من 5 مناحل مختلفة بمختبر الأبحاث العلمية برئاسة جامعة مولاي إسماعيل بمكناس.

وحسب التقرير فقد أسفرت الأبحاث عن تشخيص المرض في عينتين من تلك العينات، حيث تأكدت إصابتهما بمرض يسمى “تكيس الحضنة” وهو مرض معدٍ معروف على الصعيد العالمي، ناجم عن فيروس يسمى اختصارا (S.B.V).

ويصيب الفيروس الحضنة، ويتسبب في موت اليرقات قبل اكتمال نموها، مما يؤدي إلى عدم تجدد أفراد طائفة النحل بعد انتهاء عمرها الافتراضي، ومن ثم انهيار الخلايا المفاجئ في العديد من المناحل بمختلف مناطق المغرب.

يقول الحسن بنبل إنهم أطلقوا حملة توعوية من أجل تعبئة النحالين لمحاربة وإطلاعهم على التدابير الواجب اتباعها لوقف انتشار العدوى بين الخلايا، وذلك بتعقيم أدوات فحص خلايا النحل قبل استعمالها وبعده، والإبقاء على خلايا النحل المصابة في أماكنها إلى حين معالجتها، والتخلص من الإطارات الحاملة للحضنة المصابة وغيرها من التدابير.

وأكد بنبل أن بعض المناحل التي اتبعت الإرشادات والتدابير عرفت تحسنا في وضعية النحل، وتوقف انتشار العدوى بين الخلايا.

التحريات متواصلة

يرجح محمد أبولال الخبير في النحل ورئيس الفدرالية البيومهنية لتربية النحل أن العديد من العوامل قد يكون لها تأثير على الانهيار المفاجئ لأطياف النحل من بينها الجفاف والأمراض المعدية وقلة الماء والأكل، لكنه ومع ذلك يرى أن هذه العوامل غير كافية لتفسير ما حدث، لأنها كانت موجودة في سنوات ماضية ولم يكن الضرر بهذا الحجم والانتشار.

لذلك يؤكد على ضرورة تعميق البحث والاستمرار في التحري بالتعاون مع الجهات الرسمية لتحديد الأسباب وإيجاد الحلول، وحذر من أن استمرار هذه الظاهرة وعدم التصرف حيالها قد يؤدي إلى انقراض النحل من المغرب.

من جهته، أعلن المكتب الوطني للسلامة الصحية وهو مؤسسة حكومية تحت وصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية عن نتائج التحريات التي قامت بها مكاتبه في بعض المناطق.

وحسب المكتب فقد خلصت النتائج الأولية للزيارات الميدانية لفرقها لحوالي 23 ألف خلية نحل، إلى أن “اختفاء النحل من المناحل ظاهرة جديدة تشمل بعض المناطق بدرجات متفاوتة”.

واستبعدت نتائج التحاليل المخبرية التي أجريت على خلايا النحل والحضنة، بأن يكون مرضا ما يصيب النحل هو الذي تسبب في حدوث ظاهرة اختفاء النحل في بعض المناطق.

وأوضحت أنها تواصل القيام بالتحريات والدراسات الميدانية اللازمة بتنسيق مع مختلف المتدخلين من أجل معرفة الأسباب والعوامل المساعدة لهذه الظاهرة.

وفيما لم تحسم التحريات الرسمية الأسباب الكامنة وراء هلاك النحل، يسابق النحال حسن آيت أوسعدان، الزمن لإنقاذ منحله من الانهيار التام، مستعينا بخبرته في المجال وبالتشاور مع زملائه.

ويأمل أن يسفر ناقوس الخطر الذي أطلقه النحالون في لفت الانتباه إلى الخطر المحدق بسلسلة تربية النحل وهو الخطر الذي في نظره لن يضر بالنحالين فقط بل يهدد الفلاحة والتوازن البيئي برمته.

عن الجزيرة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي