على بعد حوالي 40 كيلومترا من العاصمة الرباط، يمتلك المغربي ياسين مرشيش مزرعة صغيرة في منطقة “سيدي يحي زعير” يربي فيها الماشية ويزرع زراعات معيشية.
يعتمد ياسين على مياه الآبار في السقي والشرب، غير أنه بدا متخوفا من الأيام القادمة بسبب ندرة المياه وموسم الجفاف.
يقول للجزيرة نت إن الأوضاع تسوء أكثر في فصل الصيف بسبب قلة المياه، ما يجعل السكان يلجؤون إلى مياه السد القريب منهم أو إلى شراء خزانات الماء.
يقول ياسين “تعطينا الجماعة (البلدية) خزانات مياه بسعة 5 أطنان، وندفع ثمن نقلها وأحيانا نشتري خزانات مياه من الخواص بـ300 درهم (حوالي 30 دولارا) للخزان بسعة 8 أطنان”.
ويتوقع ياسين أن يكون الصيف المقبل صعبا بالنسبة للفلاحين بسبب موسم الجفاف الذي لم تشهد البلاد مثله منذ عقود، حيث لا مفر من جفاف بئره والآبار المجاورة، غير أنه يأمل أن تتخذ السلطات حلولا استباقية قبل أن يجدوا أنفسهم بلا ماء ولا كلأ لمواشيهم وبلا عمل.
موارد مائية ضعيفة
تعد الموارد المائية بالمغرب من بين أضعف الموارد في العالم، حيث يعد من بين البلدان التي تتوفر فيها أقل نسبة من الماء لكل نسمة، وفق بيانات رسمية لوزارة التجهيز والماء، وتقدر الموارد المائية في المغرب بـ22 مليار متر مكعب في السنة.
وتقدر الموارد المائية السطحية بمجموع التراب الوطني في السنة المتوسطة بـ18 مليار متر مكعب، وتتراوح وفق السنوات من 5 مليارات متر مكعب إلى 50 مليار متر مكعب.
وتمثل المياه الجوفية حوالي 20% من الموارد المائية التي تتوفر في المملكة، ويبلغ حاليا مخزون المياه الجوفية القابلة للاستغلال 4.2 مليارات متر مكعب في السنة. وفي المغرب حاليا 149 سدا كبيرا بسعة تخزينية تفوق 19 مليار متر مكعب وسدود متوسطة وصغيرة ومشاريع لتحلية مياه البحر في 9 محطات تعبئ 147 مليون متر مكعب في السنة، بالإضافة إلى آلاف الآبار والأثقاب لتعبئة المياه الجوفية.
غير أن الجفاف أثر على هذه الموارد المائية، فقد وصل المخزون المائي للسدود مثلا حتى الثاني من مارس/آذار الجاري حوالي 5.3 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 32.8% كنسبة ملء إجمالي مقابل 49.6% سجلت في نفس التاريخ من السنة الماضية.
ويوضح المهندس والخبير في الماء عبد الرحيم هندوف للجزيرة نت أن حصة الفرد من المياه تتناقص سنويا بسبب تزايد السكان والحاجات المتزايدة والاستهلاك المفرط للماء، وأيضا بسب التغير المناخي وتراجع كمية التساقطات، متوقعا أن تصل البلاد إلى عتبة الإجهاد المائي قبل 2050.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد حذر في تقرير له من أن حالة ندرة المياه في المغرب مقلقة، لأن مواردها المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب في سنة 1960، وستنخفض عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030.
وأضاف أن الدراسات الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء 80% من موارد المياه المتاحة في المملكة خلال الـ25 سنة القادمة.
تضرر الاقتصاد
زادت سنوات الجفاف المتتالية من حدة ندرة المياه، وتعتبر هذه السنة من أقسى مواسم الجفاف التي شهدها المغرب منذ الثمانينيات.
ودفع هذا الوضع العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى دعوة الحكومة لاتخاذ تدابير عاجلة لحماية الفلاحين ومربي الماشية والحد من تبذير المياه.
وخصصت الحكومة 10 مليارات درهم (حوالي مليار دولار) لتمويل برنامج استثنائي للتخفيف من آثار تأخر تساقط الأمطار وندرة المياه.
ويؤثر هذا الوضع الحرج على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على الفلاحة بشكل كبير، إذ يمثل الإنتاج الفلاحي حوالي 14% من الناتج الوطني.
ويتوقع الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب أن يعمق الجفاف الأزمة بالبلاد خاصة أن الفلاحة تشغل حوالي 4 ملايين من اليد العاملة.
ويقول للجزيرة نت “عندما نتكلم عن القطاع الفلاحي فنحن نتكلم عن العالم القروي الذي يسكنه حوالي 49% من سكان المغرب، فإذا لم تكن أمطار فلا توجد فلاحة ولا شغل لهؤلاء السكان”.
لذلك يؤكد هنوف على ضرورة فك ارتباط الاقتصاد الوطني بالتساقطات المطرية والفلاحة لأن هذا الارتباط يجعله هشا ويؤثر في نسبة النمو خاصة في السنوات الجافة، مؤكدا على ضرورة تطوير سياسة صناعية وخدماتية لخلق فرص شغل تمتص فائض اليد العاملة في البوادي.
وبالنسبة لـ”أبو العرب” فإن الجفاف مشكلة هيكلية في المغرب، لذلك يرى ضرورة التفكير بشكل مستدام في حلول ما يتعلق بإنتاج وتوزيع واستغلال الماء، مؤكدا على ضرورة إحداث فوترة ثابتة وواضحة ومنصفة لمسألة استهلاك الماء خاصة على مستوى القطاع الفلاحي.
ففي نظره يحتاج المغرب إلى منظومة فلاحية جديدة تعتمد على تحلية المياه بشكل كبير وعلى تقنيات الري المتقدمة وعلى إعادة توجيه المنتوج الفلاحي نحو منتجات أقل استعمالا للمياه وذات قيمة مضافة عالية في الأسواق الدولية.
مواجهة ندرة المياه
وضعت وزارة التجهيز والماء خطة من أجل تجاوز تداعيات الجفاف ومشكلة ندرة المياه بشكل عام، وتتضمن هذه الخطة التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها عددا من الإجراءات والتدابير.
ومن هذه التدابير تسريع أعمال تزويد المراكز القروية انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، في إطار المخطط الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي (2020-2027)، وتقوية عمليات استكشاف موارد مائية إضافية، خصوصا عبر إنجاز أثقاب لاستغلال المياه الجوفية، إلى جانب الاقتصاد في استعمال الماء والحد من الهدر، خصوصا بقنوات الجر والتوزيع.
وستعمل الوزارة- بحسب ما جاء في الخطة- على مباشرة حملات توعية واسعة النطاق لإقرار التعامل العقلاني مع الموارد المائية، وتزويد المراكز و”الدواوير” التي تعاني من شح الموارد المائية والبعيدة عن المنظومات المائية المهيكلة عن طريق شاحنات صهريجية، وإيقاف سقي المساحات الخضراء بواسطة الماء الشروب واللجوء إلى استعمال المياه العادمة المعالجة حال توفرها.
كما خصصت الوزارة موازنة تقدر بـ1153 مليون درهم (حوالي 120 مليون دولار)، من أجل تمويل برنامج استعجالي تكميلي، يهمّ بإنجاز سدود تلية وسدود صغرى، وتأجير وشراء شاحنات صهريجية، وتثبيت محطات متنقلة لتحلية مياه البحر والمياه العادمة.
إضافة إلى برنامج الغيث، وهو برنامج يهدف إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية تلقيح السحب، باستعمال مواد كيميائية غير ضارة بالبيئة مثل “يودير الفضة” بالنسبة للسحب الباردة (-5 درجات) “وملح كلورير الصوديوم” بالنسبة للسحب الدافئة.
عن الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )