بعد أن نجح المغرب في إرساء منظومة صناعية في قطاع السيارات تحوّل معها إلى قبلة هامة لشركات السيارات العالمية، وأضحت المركبات الكهربائية به ضمن مشاريع التصنيع وتشجيع الاستعمال، هل تنتزع الممكلة المغربية موقعا مستقبليا ضمن سلاسل توريد المركبات الكهربائية عبر تصنيع الكوبالت؟
يقول الكاتب العام للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن عبد الله متقي، للجزيرة نت، إن الكوبالت معدن أساسي في الانتقال الطاقي والانتقال الرقمي، إذ يدخل في تصنيع البطاريات، وله دور في تكنولوجيا نطاق “جي5” (5G) وإنترنت الأشياء. ويضيف المسؤول العمومي أن الانتقال الطاقي والرقمي يحتاجان لثلاث معادن أساسية هي الكوبالت والليثيوم والأتربة النادرة.
ويستخدم الكوبالت في شكل مسحوق عاملَ ربطٍ للمعادن الصلبة، ويعد عنصرا أساسيا في تصنيع السبائك الفائقة لقطاعات الطيران وتصنيع التوربينات.
وعن الخصائص العلمية للكوبالت ودوره في الصناعات الحديثة، أفاد العالم المغربي المتخصص في علم المواد رشيد اليزمي -في اتصال هاتفي أجرته معه الجزيرة نت- أن الكوبالت يستعمل بوصفه مادة ضمن تكوين القطب الموجب لبطاريات الليثيوم، موضحا أنه “مهم جدا” وعنصر أساسي لتصنيع بطاريات الليثيوم التي تستعمل خصوصا في الأجهزة الإلكترونية المتنقلة مثل الهواتف والحواسيب والسيارات الكهربائية، وأضاف اليزمي أن الكوبالت يرفع من جودة البطارية ويطيل عمر صلاحيتها.
الأنقى بالعالم
تتوفر المملكة المغربية على واحد من المناجم النادرة في العالم لإنتاج الكوبالت بنقاوة عالية (منجم بُوزار بإقليم ورزازات)، وهو الوحيد في العالم الذي معدنه الأساسي الكوبالت.
بدأ المغرب إنتاج الكوبالت في عام 1930 من خلال فرع شركة مناجم “سي سي تي” (CCT)، وتعتبر شركة “مناجم” واحدة من أكبر 5 منتجين لِكوبالت الكاثود عالي النقاوة في العالم، وتسوّق “مناجم” كاثود الكوبالت تحت العلامة التجارية “سي إم بي إيه” (CMBA).
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح رشيد اليزمي أن أغلبية الكوبالت في العالم يستخرج بوصفه مادة مشتقة من النيكل أو من معادن أخرى، ويوجد غالبا بنسب قليلة لا تتجاوز 5%، في حين الكوبالت في المغرب لا يوجد معه الكثير من المواد، وفيه أكثر من 90% من هذه المادة، وهذا قليل جدا في العالم، ونعته بـ”الأنقى”، وقال إن شركة “مناجم” المغربية متخصصة في استخلاص معدن الكوبالت 100%.
معدن إستراتيجي
حسب بيانات شركة مناجم، يساهم الكوبالت في المغرب بـ36% من رقم معاملات الفاعل الأساسي في المعادن. وتنتج المملكة سنويا معدل ألفي طن من معدن الكوبالت، ويبلغ احتياطها منه 17 ألفا و600 طن.
ويحتل المغرب المرتبة التاسعة في الإنتاج، والـ11 دوليا في الاحتياطي العالمي، وهو ثاني بلد في أفريقيا بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية.
يوضح عبد الله متقي أن الكوبالت معدن إستراتيجي دوليا، و”حَرَجيّته مرتفعة” (توقف التموين فيه يوقف صناعات عديدة) جيولوجيا وجغرافيا، إذ ينحصر في دول قليلة ويتمركز في أفريقيا.
وأنتج العالم نحو 140 ألف طن من الكوبالت خلال عام 2019، وساهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية بأكثر من 70% من الكوبالت المُنتج، ويقدر احتياطي الكوبالت في العالم بسبعة ملايين طن، وتمتلك الكونغو الديمقراطية أكثر من نصف هذه الاحتياطات.
وارتفع الطلب على الكوبالت مع تطور صناعة السيارات الكهربائية وتطور البطاريات القابلة لإعادة الشحن، وسجلت أسعار الكوبالت ارتفاعا في السوق الدولية، ففي يناير/كانون الثاني 2020 كان 33 ألف دولار للطن، وفي الشهر ذاته من عام 2021 كان 70 ألف دولار للطن.
تدوير البطاريات
يسير المغرب نحو إنشاء مصنع لتدوير البطاريات لاستخلاص الكوبالت، وأعلنت “مناجم” -الشركة المغربية المتخصصة في التعدين- الأسبوع الماضي عن شراكة مع الشركة السويسرية “جلينكور” لإنتاج الكوبالت من الكوبالت والنيكل والليثيوم المعاد تدويره في مصفاة “سي تي تي” (CTT) التابعة لشركة مناجم في ضواحي مراكش، وتمتد الشراكة إلى 5 سنوات لإنتاج نحو ألف و200 طن من الكوبالت المعاد تدويره سنويا، بالإضافة إلى هيدروكسيد النيكل وكربونات الليثيوم.
ويتوقع الخبراء في القطاع أن يزداد الطلب على الكوبالت بشكل كبير في العقد المقبل، وتسعى معظم الجهات الفاعلة في سلسلة التوريد إلى ضمان الحصول على مواد مستدامة.
ويؤكد رشيد اليزمي أنه خلال 5 سنوات المقبلة سيظهر مشكل في صناعة البطاريات لأن كميات الكوبالت والاحتياطات العالمية غير كافية لتغطية الطلب المتصاعد في المستقبل، وقال إنه في أفق عام 2030 ستكون 25% إلى 30% من المواد المستعملة في البطاريات الجديدة كلها نتاج التدوير، واعتبر اليزمي خطوة “مناجم” مهمة جدا ووصفها بـ”الخبر السار”.
ويعتقد عبد الله متقي أن للمغرب دورا كبيرا في سلاسل التوريد الدولية، والتموقع كفاعل في سلسلة القيمة في قطاع تصنيع السيارات الكهربائية، إذ يتوفر على المواد الأولية وبراءة ابتكار شركة مناجم التي تؤهلها لإنتاج كاتود الكوبالت عالي النقاوة. وسجل متقي أن المغرب يدخل في سلسلة القيمة الدولية لتصنيع الكوبالت.
من جانبه يؤكد العالم ومخترع بطاريات الليثيوم رشيد اليزمي أن للمغرب جميع المؤهلات ليكون رائدا في صناعة بطاريات الليثيوم.
عن الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )