Share
  • Link copied

وسط احتدادها.. مراقبون إسرائيليون: التصدّعات الحالية تهديد وجوديّ للدولة

رغم استعداد رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ لطرح تسويته المقترحة لإنهاء الصراع الداخلي، واصلت حكومتها عملية المصادقة على مشاريع قوانين استبدادية، يدعمها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، زاعماً أنه وائتلافه الحاكم تلقوا تفويضاً من قبل أغلبية الإسرائيليين في الانتخابات السابقة للقيام بـ “الإصلاحات القضائية”.

وصادق الكنيست الإسرائيلي، في الساعات الأخيرة، بالقراءة الأولى على ثلاثة مشاريع قوانين، وهي: ما يعرف بقانون التعذّر، القاضي ببقاء رئيس الحكومة في منصبه حتى لو وجهتّ له لائحة اتهام، ويضطر للتخلي عن صلاحياته فقط بحال قررّت ذلك الحكومة لا الكنيست، وبأغلبية ثلاثة أرباع الوزراء. وجاء مشروع القانون هذا على خلفية أنباء إعلامية في الماضي حول نية المستشارة القضائية للحكومة اتخاذ قرار يلزم نتنياهو بالكفّ عن ممارسة صلاحياته، والخروج في إجازة، ريثما تتضح صورة محاكمته بتهم فساد.

ومشروع القانون الثاني، الذي صودق عليه بالقراءة الأولى، يُعرف بـ “فقرة الاستقواء”، أو “فقرة التغلب”، وهو عبارة عن تعديل قانون أساس إسرائيلي بحيث يصبح بمقدور الكنيست تشريع قانون ألغتْه محكمة العدل العليا بأغلبية 61 عضواً فقط من بين 120 عضو كنيست، أي جعل كفة السلطة التنفيذية والتشريعية راجحة على كفة السلطة القضائية. كما يقضي هذا المشروع القانوني المقترح بأن يكون بمقدور المحكمة العليا شطب قانون عادي فقط عندما يتعارض نصه بشكل واضح مع قانون أساس، وأن يتم ذلك بأغلبية 12 من بين 15 قاضياً أعضاء المحكمة العليا، مما يعني تقييداً جوهرياً في صلاحيات المحكمة العليا، التي يعتبرها الإسرائيليون الدرع الواقي الأخير دفاعاً عن حقوقهم كمواطنين.

العودة لمستوطنات شمال الضفة

وهذا كلّه يعتبره المعارضون تعطيلاً للكوابح والموازنات الكفيلة بمنع نشوء نظام دكتاتوري. أما مشروع القانون الثالث، الذي صودق عليه بالقراءة الأولى في الليلة الفائتة، فيقضي بتقييد صلاحيات المحكمة العليا في مجال شطب قوانين يشرعها الكنيست.

وفي الأثناء، يستعد الوزير الإضافي في وزارة القضاء دودي أمسالم (الليكود)، الملقّب بالمهرّج البرلماني، لطرح قانون يحول دون التحقيق مع رئيس حكومة خلال مزاولته مهامه، وهذا ما يعرف بالقانون الفرنسي حيث يعتمد في فرنسا.

كذلك صادقَ برلمان الاحتلال على مشروع قانون يلغي قانوناً سابقاً سنّه الكنيست عام 2005، قضى بتفكيك بعض المستوطنات في شمال الضفة الغربية، ضمن ما عرّف بفك الارتباط عن غزة، مما يعني السماح بعودة المستوطنين لهذه المستوطنات التي تم إخلاؤها وقتذاك.

حصانة رجال الأمن

تم أمس تأجيل خطة الدفع قدماً بمشروع قانون يهدف إلى منح عناصر الأمن الإسرائيليين الحصانة إزاء أيّ ملاحقة قضائية على أفعالهم خلال نشاطات عملانية، لمدة أسبوع، وذلك بعد أن حذّرت المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا من أن مشروع القانون من شأنه تعريض أفراد أجهزة الأمن للملاحقة القضائية في الخارج، ويشكل مخاطر جسيمة على العلاقة بين الجمهور الإسرائيلي وسلطات إنفاذ القانون. وكان من المقرر طرح مشروع القانون هذا، الذي قدّمه عضو الكنيست تسفيكا فوغل، من حزب “عوتسما يهوديت” (“قوة يهودية”) اليميني المتطرف، وهو ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي، على اللجنة الوزارية لشؤون سنّ القوانين في وقت لاحق أمس، لتحديد ما إذا كان سيحظى بدعم الائتلاف الحكومي، ولكن بعد أن أصدرت بهراف ميارا رأيها، تم تعليق مشروع القانون حتى الأسبوع المقبل. وحذرت المستشارة القانونية من أن مشروع القانون يعرقل كثيراً واجب التحقيق في شبهات الاستخدام غير القانوني، أو غير اللائق، للقوة، وهو واجب يشكل جزءاً من حماية سيادة القانون وحقوق الإنسان في إسرائيل. كما حذّر منتقدون لمشروع القانون من احتمال أن يعرّض أفراد الأمن للمحاكمة في الخارج، بما في ذلك في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إذا لم يعد المجتمع الدولي يعتبر أن إسرائيل تمتلك جهازاً قضائياً داخلياً معقولاً للتعامل مع الاتهامات.

وجاء الجدل بشأن مشروع القانون هذا في الوقت الذي يدفع الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بخطة مثيرة للجدل لإلغاء الضوابط القضائية على السلطة السياسية، وهي خطوة يحذر منتقدوها من أنها قد تعرّض هي أيضاً أفراد الأمن والسياسيين للملاحقة القضائية في المحافل الدولية، إذا تم تقويض سيادة القانون الإسرائيلية. وكررت المستشارة القانونية للحكومة هذه الحجج في رسالة وجّهتها إلى لجنة سنّ القوانين. وكتبت: “قد يأتي تطبيق الحصانة بخطر كبير على الجمهور وعلى دولة إسرائيل، وقد تكون له تداعيات بعيدة المدى على طريقة عمل النظام في إسرائيل، في العلاقة بين الفرد وممثلين مختلفين للحكومة. كما يشكل مشروع القانون خطراً على أفراد قوات الأمن أنفسهم الذين سيكونون عرضة للتحقيق والملاحقة الجنائية في الخارج، فضلاً عن مخاطر أكبر على حياتهم وسلامتهم الجسدية، كجزء من أنشطتهم العملانية.” وأضافت أن الحصانة، كما هو مقترح، تغيّر جذرياً نقطة التوازن، وبالتالي تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان والمصالح الأساسية الأُخرى.

وتعقيباً على ذلك، اتهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، رئيس “عوتسما يهوديت”، المستشارةَ القانونية بمعارضة مبادرة من أجل جنود الجيش الإسرائيلي، وضد أعداء إسرائيل، كما تعهّدَ مواصلة الدفع بمشروع القانون. وأشار بن غفير إلى أن مشروع القانون يهدف إلى منح الجنود وأفراد الشرطة وعناصر جهاز الأمن العام “الشاباك” وحرس الكنيست ومتطوعي الحرس الوطني وقوات أمن أُخرى حصانة جنائية شاملة للأعمال التي يقومون بها في سياق تنفيذ الواجبات في أثناء الأنشطة العملانية، أو ضد “الإرهاب”.

تصاعد التراشق

على خلفية ذلك يتواصل التراشق وتبادل التهم بين قادة المعسكرين المتصارعين، وتزداد لهجة النقاش حدة، فقد وجّه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو انتقادات إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا، بعد أن جمدت، يوم الجمعة الماضي، قرار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والقاضي بنقل قائد شرطة منطقة تل أبيب عامي إيشد من منصبه. وقال نتنياهو، في تصريحات إعلامية، إنه “في أيّ نظام ديمقراطي سليم، تكون الحكومة المنتخبة مسؤولة عن الجيش والشرطة وبقية أجهزة الأمن”. وتابع: “هذا ما يجب أن يكون، والويل لنا إذا لم تكن الأمور بهذا الشكل. ولا يوجد أيّ أحد آخر يقرر مَن يقود هذه الأجهزة، وكيف يقودها”. وتساءل: “هل سيقرر أحد آخر من خارج الحكومة المنتخبة مَن يقود الكفاح ضد إيران، والكفاح ضد “الإرهاب” داخل البلاد، والحفاظ على القانون والنظام؟”. معتبراً أن “هذا هو أساس أيّ ديمقراطية وأيّ مجتمع سليم، وإذا قوّضنا هذا، فسنقوّض مجرد وجود الديموقراطية”.

وتطرّق نتنياهو إلى الاتصالات الجارية من أجل التوصل إلى تسوية بشأن خطة إضعاف الجهاز القضائي، فأعرب عن أمله بأن تنجح، وبأن يكون هناك أشخاص وطنيون ومهتمون بالدولة ومستعدون للتحاور، ولكنه في الوقت عينه، أكد أن “على الجميع الوعي بأن الحكومة الحالية تلقت، قبل أربعة أشهر، تفويضاً واضحاً من مواطني الدولة، وأنها مصممة على تطبيق سياستها”.

نتنياهو الذي يبدو، بسبب وضعه الجنائي والسياسي، كـ “أسير داخل ائتلافه”، غير قادر وغير راغب بالتراجع عن خطة الإصلاحات، وقد اتهم المعارضة مجدداً بالعمل ضد خطة التغييرات في الجهاز القضائي من أجل خلق حالة من الفوضى وإسقاط الحكومة المنتخبة الحالية، وشَنَّ حملةً شعواء على وسائل الإعلام العبرية، واتهمها بالتواطؤ ضده وضد حكومته، وهي من طرفه أكدت أنه يفتري ويكذب.

نتائج مدمرة

وتعتبر المعارضة الإسرائيلية كل هذه التشريعات انقلاباً على الديمقراطية والنظام السياسي. ففي حديث للإذاعة العبرية العامة، هذا الصباح، قال رئيسها، النائب يائير لبيد، رئيس الحكومة السابق، إن قيام الحكومة بالمصادقة بالقراءات الثلاث على هذه القوانين وغيرها من “خطة الانقلاب” تعني غلاءً فاحشاً في كلفة المعيشة، موت الديمقراطية، ضرب العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة وضعفاً أمنياً.

في الأثناء كشف النقاب اليوم عن نية الحزب الحاكم “الليكود” صياغة تسوية أحادية الجانب للأزمة، يقوم من خلالها بتخفيف وتلطيف مشاريع القوانين المخطّط لها دون التوافق مع المعارضة عليها، وهذا ما يعتبره لبيد “خدعة وأكاذيب وتضليل”.

وأُعلن، اليوم، عن قيام العشرات من الإسرائيليين بربط أنفسهم بسلاسل حديدية في مداخل الوزارات لعرقلة حركة دخول الموظفين والمراجعين، فيما يجري الاستعداد ليوم تشويش شامل في حركة المرور، بعد غد الخميس، ولمظاهرات واسعة جداً، ليلة السبت القادم.

تحذيرات من تصاعد انتقادات دولية لإسرائيل

وكشفت الإذاعة العبرية، اليوم، عن مذكرة تحذير داخلية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، تشير لاتساع الاحتجاجات في العالم على “الإصلاحات القضائية” في إسرائيل، وتشددّ على تزايد الانتقادات لها من قبل أوساط دولية مؤيدة أو صديقة لها. وتقول هذه المذكرة إن عدداً كبيراً من المثقفين والأكاديميين والصحافيين في فرنسا يوجّهون انتقادات لإسرائيل تتمحور حول تشريعات الحكومة، واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، منوهة أن كل ذلك يجري في فرنسا رغم زيارة نتنياهو لها، قبل أسابيع قليلة.

وتقول المذكرة هذه إنه، علاوة على أن الصحف الفرنسية ناقدة لإسرائيل، فمن المتوقع أن تتسع الظاهرة إلى دول أوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا، علماً أن نتنياهو سيزور برلين ولندن خلال أيام معدودة.

يذكر أن وسائل إعلام عبرية أشارت اليوم للزيارة المربكة التي قام بها وزير المالية، المستوطن المتطرف باتسلئيل سموتريتش للولايات المتحدة، حيث قوبل هناك بمقاطعة تامة من قبل مسؤولين أمريكيين ودوليين، على خلفية دعوته لمحو وإحراق حوارة الفلسطينية، والتي عاد واعتذر عنها، زاعماً أنها زلة لسان، لكنه عملياً اضُطر للتراجع بعدما انتشرت الفضيحة في العالم، وأدت لردود فعل واسعة، حتى لدى يهود الولايات المتحدة. وهو في جوهره وحقيقة أمره صاحب توجهات فاشية عنصرية ودموية، كما أكدت “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم.

كسر تاريخي في إسرائيل

في كل الأحوال، وحتى لو توافقَ المعسكران المتصارعان داخل إسرائيل على تفاهمات وتسوية، بمبادرة رئيسها هرتسوغ، أو غيره، يبدو أن 2023 باتت علامة فارقة في مسيرة الصهيونية والدولة اليهودية. حتى لو توصل الطرفان لحل وسط حول هذه التشريعات القضائية، التي تعتبرها الحكومة استحقاقاً للديمقراطية، وترى بها المعارضة انقلاباً عليها، فإن التشظي عميق وأقرب لأن يكون نوعاً من “كسر الزجاج” غير القابل للالتحام مجدداً.

يعود هذا الكسر العرضي في علاقات الإسرائيليين لكون الصراع أكبر وأخطر من نقاش وسجال ساخن على فصل السلطات، وعلى مكانة المحكمة العليا، بل هو صراع بدأ عام 1977 (يوم خسر “العمل” والنخب الغربية الحكم، للمرة الأولى، لصالح “الليكود”، المدعوم من اليهود الشرقيين بالأساس) بين القابضين على مفاتيح الدولة العميقة، ومعظمهم من النخب اليهودية الغربية، وبين قادتها المنتخبين من اليمين والشرقيين، علاوة على كونه صراعاً بين علمانيين ومتدينين أورثوذوكس (حريديم) يدعون نحو دولة شريعة، ومعهم مستوطنون يطمعون بحسم الصراع بالضّم، وباستخدام القوة المفرطة، رافضين التحذيرات من وجود محدودية للقوة، ومن ردة فعل فلسطينية خطيرة.

ولذا يرى عدد كبير من المراقبين الإسرائيليين أن ما يحدث في الجبهة الداخلية في إسرائيل هو تهديد وجودي وأخطر من قنبلة إيران على إسرائيل، ومن كل أعدائها في الداخل، وهذا ما سبق أن حذّر منه رئيسها السابق رؤوفين ريفلين في “خطاب الأسباط”، خلال مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015.

Share
  • Link copied
المقال التالي