يبدأ الوزير في “مجلس الحرب” الإسرائيلي، بيني غانتس، رئيس تحالف “المعسكر الرسمي”، اليوم الإثنين، زيارة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، يعقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين أمريكيين، وذلك من دون الحصول على موافقة مسبقة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الغاضب على هذه الزيارة، وسط انضمام وزراء آخرين للحملة على غانتس.
ومن المفترض أن يلتقي غانتس، اليوم، نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك ساليفان، ومع أعضاء في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وذلك للتباحث في مواضيع شتى، على رأسها الحرب على غزة، والصفقة العالقة التي تدور شبهات إسرائيلية أيضاً بأن نتنياهو يضع العصي في دواليبها، حيث تنقل صحيفة “هآرتس”، اليوم الإثنين، عن مصادر في مجلس الحرب انتقادها لقرار نتنياهو بعدم إرسال وفد تفاوضي للقاهرة، حيث يلتقي وفدٌ عن “حماس” مع الوسطاء الثلاثة.
وقال بيان صادر عن مكتبه إن غانتس سيلتقي أيضاً كبار المسؤولين في منظمة “أيباك” (اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أو ما يُعرف باسم “لجنة الشؤون العامة الأمريكية– الإسرائيلية).
وأضاف أنه سيُجري زيارة سياسية إلى بريطانيا، قبل أن يعود إلى إسرائيل، يوم الأربعاء المقبل، من دون الكشف عن تفاصيل جدول أعمال الزيارة في بريطانيا، ولكن من المرجح أنها ترتبط برغبة إسرائيل بمواصلة لندن دعم إسرائيل في الحرب على غزة، حتى بعد أن طالت، وترتكب فيها مذابح بحق الغزيين المدنيين، خاصة أن تصريحات بريطانية تستبطن حالة تململ وانتقاد صدرت عن ساسة بريطانيين، في الأسابيع الأخيرة.
وأشار البيان إلى أن غانتس بلّغَ رئيس الحكومة شخصياً، وبمبادرة منه، أنه ينوي إجراء الزيارة، ودعاه إلى التنسيق معه بشأن المضامين التي سيتم نقلها خلال اللقاءات، لكن نتنياهو غضب وأَمَرَ بعدم تعاون أي جهة رسمية مع هذه الزيارة، حتى اضطر غانتس لاقتناء تذكرة السفر على حسابه، كما كشفت الإذاعة العبرية، اليوم.
وعلمت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن نتنياهو ردّ على طلب غانتس بتوبيخه لترتيب هذه الزيارة إلى واشنطن من دون التنسيق معه، مؤكداً أن هناك رئيس حكومة واحداً فقط في إسرائيل.
كما انتقد مسؤولون في حزب “الليكود” زيارة غانتس هذه، واعتبروا أنها مخالفة للوائح الحكومة التي تتطلب موافقة رئيس الحكومة مسبقاً على سفر أيّ وزير. وحمَلت وزيرة المواصلات ميري ريغف، المقرّبة جداً من نتنياهو، على غانتس، واتهمته، في حديث للإذاعة العامة اليوم، أنه يقوم بزيارة كيدية لزعزعة أركان زعامته لدواعٍ سياسية وشخصية.
وتأتي زيارة غانتس هذه في وقت تبدو المفاوضات بين إسرائيل وحركة “حماس”، بوساطة مصر وقطر وبمشاركة الولايات المتحدة، بشأن صفقة تبادل الأسرى عالقة، وفي ظل تقارير في الولايات المتحدة تفيد بأن صبر الإدارة الأمريكية بدأ ينفد على إدارة نتنياهو للحرب ضد قطاع غزة، والاعتقاد السائد أنه مقيد من طرف شريكَيه في الحكومة، الوزيرَين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
في المقابل، تؤكد مصادر مقرّبة من غانتس أن زيارته تهدف أساساً إلى تعزيز التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة، والمحافظة على شرعية الاجتياح البرّي الإسرائيلي لقطاع غزة، والدفع نحو تسوية أمنية مع لبنان، وتعزيز الضغوط الأمريكية على الوسطاء في كل ما يتعلق بإطلاق المخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة، وفق إطار الاتفاق الذي حُدّد في باريس.
وأضافت هذه المصادر نفسها أن غانتس سيناقش كذلك مسألة التطبيع، مؤكدة أن التطبيع سيكون جزءاً من خطة سياسية لتقويض حكم “حماس” في قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يناقش غانتس مسألة ضمان استمرار المساعدات الأمريكية التي تُعتبر حيوية لأمن إسرائيل.
الولايات المتحدة تحدّد من تريد رئيساً للحكومة
ويعتبر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” يوسي فرطر أن زيارة غانتس واستقباله الحافل من قبل رموز الإدارة الأمريكية تندرج ضمن رغبة واشنطن بمعاقبة نتنياهو على عدم تعاونه مع الموقف الأمريكي حول الصفقة، ووقف القتال لعدة أسابيع، على الأقل، كما قالت هاريس بنفسها، أمس، علاوة على رغبتها بتعزيز مكانة غانتس كمشروع رئاسة وزراء مستقبلاً.
وتقول المحلّلة السياسية في صحيفة “معاريف” آنا برسكي إنه من أسباب بقاء بيني غانتس في حكومة الطوارىء إلى جانب نتنياهو الموقف الأمريكي بضرورة عدم مغادرته القيادة الآن، وهناك عوامل أُخرى طبعاً، أحدها أنه ليس “مشروعاً أمريكياً”، بل هو شخصية سياسية مستقلة، ولديه رفاق في الحكومة وطاقم مستشارين، وله اعتباراته الخاصة. وتُظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية مؤيديه يريدون استمرار تعاون “المعسكر الرسمي” مع حكومة نتنياهو. وبرأيها لا تزال نهاية الحرب بعيدة، ولا يزال المخطوفون في غزة، و”حزب الله” يواصل هجماته على مستوطنات الشمال، والقرار بشأن الجبهة الشمالية لم يُتخذ بعد.
وتضيف: “ومن أي زاوية ينظرعبْرها الجمهور إلى الصورة، فإنه يعتقد أن مغادرة غانتس الحكومة، والذهاب بالدولة إلى الانتخابات، ليسا الخطوتَين الصحيحتَين الآن”. ولهذا السبب تعتقد برسكي أن غانتس لا يزال يقوم بدور المُسعف، ولا يتخذ خطوة لا يمكن العودة عنها، لكن ليس هذا كل شيء؛ فالمكوّن الأمريكي مهم في السياسة التي يختارها رئيس “المعسكر الرسمي”، وظاهرياً، تلتقي مصلحة الإدارة الأمريكية مع مصلحة غانتس ورفاقه، ومن المعقول افتراض أنه لم يكن من الصعب على غانتس إطلاع نتنياهو على رحلته القريبة إلى واشنطن بعد ترتيبها، وليس قبل ذلك.
وطبقاً لبرسكي، يجني غانتس هنا ربحاً مضاعفاً، إذا لم يكن أكثر؛ فزيارته السياسية إلى الولايات المتحدة (وبعدها إلى بريطانيا) التي تشمل سلسلةً من الاجتماعات مع كبار المسؤولين في إدارة بايدن، وأطرافاً من الحزبَين، الجمهوري والديمقراطي، تساهم مساهمة كبيرة في تعزيز صورته المستقلة والقيادية التي تتقدم في استطلاعات الرأي أسبوعاً بعد أسبوع.
فرّق تسد
وترى أن الزيارة السياسية إلى واشنطن لا تسلّط الضوء فقط على استقلالية غانتس، وتميّزه عن نتنياهو وشركائه من اليمين فحسب، بل أيضاً تجعل منه المرشح الأول لرئاسة الحكومة في إسرائيل، كما تعزز الزيارة موقع غانتس أمام المسؤولين الأمريكيين كشخصية سياسية قوية وقائدة في إسرائيل، وحتى الآن، فإن هذا بمثابة ربح خالص له.
وتتابع: “لكن يوجد أيضاً رابح آخر، وهو الجانب الأمريكي؛ فبعد تسريبات كثيرة، ومجموعة تلميحات جاءت من طرف الإدارة الأمريكية، وتوجهت إلى نتنياهو، وكلّها أعربت عن استياء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والمقرّبين منه بسبب سلوك حكومته والعناصر اليمينية المتطرفة فيها، وعن عدم قدرة الإدارة الأمريكية وعدم رغبتها واستيعابها لهذا السلوك، بعد هذا كلّه، حان الوقت الآن للانتقال إلى المرحلة التالية: فرّقْ تسُد”.
وترى أيضاً أنه يمكن افتراض أن غانتس سيحظى باستقبال ملكي وضيافة ممتازة، والرسالة من زيارة غانتس إلى نتنياهو ستكون: “لقد خاب أملنا فيك، وفي محاولاتنا التوصل إلى تفاهمات معك. الآن سنتحدث مع من يتعاون معنا، وربما في وقت قريب سيحلّ محلك في رئاسة الحكومة الإسرائيلية”.
وتخلص للقول إن زيارة غانتس من دون موافقة مسبقة من نتنياهو تنضم إلى محاولة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تحديد موعد منفرد مع رئيس الأركان، خلال زيارته الأخيرة إلى البلد، وحينها جرى ذلك في الملعب الداخلي لنتنياهو، حيث لا يستطيع الجانب الأمريكي تحديد قواعده. لكن هذه المرة، جرت دعوة غانتس إلى الملعب الداخلي لبايدن وطاقمه، وبهذه الطريقة، فإن نتنياهو سيبقى في البلد يراقب ما يحدث ويقوم ببناء خط دفاعه”.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )