متابعة عضوين بارزين منتمين إلى حزب الأصالة والمعاصرة هما سعيد الناصري وعبد بعيوي في حالة اعتقال، وبتهم ثقيلة تتعلق بالاتجار في المخدرات والتزوير، ضربة موجعة سياسيا للحزب الذي يشارك في الحكومة بعدد كبير من الوزراء، ومسؤول على تدبير قطاعات استراتيجية كبرى مثل قطاع العدل، الذي يوجد على رأسه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي.
المتابعة موجعة، لأنها تأتي قبل أشهر فقط من عقد حزب الأصالة والمعاصرة لمؤتمره الوطني في سياق سياسي واجتماعي محتقن، وهو المؤتمر الذي يراهن عليه البام لتجديد نخبه السياسية، وتغيير بنياته التنظيمية. كما تأتي متزامنة مع تصريحات رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي قطر من خلالها الشمع الأحمر على حليفه في الحكومة حزب الاستقلال الذي لم يعقد مؤتمره الوطني في توقيته واستمر على رأسه نزار بركة لمدة سنتين دون أي تمديد سياسي.
القاعدة هي أن المتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته، ومادام أن القضاء لم يقل بعد كلمة الفصل في الموضوع، فإن الاتهامات الموجهة لكل من المتهمين الذين أحالهما الوكيل العام للملك على قاضي التحقيق وتمت متابعتهم في حالة اعتقال، تبقى إجراءات قضائية سليمة، لا يمكن المزايدة عليها تحت أي مبرر كان، لأن من يؤمن بدولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، عليه أن يحترم الإجراءات القضائية دون أي تشكيك في المتابعة، التي تحظى بمواكبة إعلامية وطنية ودولية، بالنظر لمكانة المتهمين السياسية.
لا شك أن السيد والي جهة الشرق، معاد الجامعي، سيباشر الإجراءات القانونية وفق النصوص القانونية الجاري بها العمل، لضمان استمرارية مرفق الجهة بعد متابعة رئيس الجهة في حالة اعتقال.
أما بالنسبة للسيد سعيد الناصري ومكانته داخل فريق الوداد البيضاوي، فلا شك أن تاريخ الوداد لن يتوقف، ولا يمكن رهن مسيرته بشخص متابع قضائيا، لأن الوداد فريق عريق، ومسيرته بدأت مند عقود وستستمر سواء كان الناصري أو لم يكن.
من الأمور المثيرة حقا بعد متابعة هذا الرجل، أن هناك كم هائل من الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تخلط الحابل بالنابل، وتعمل بشكل تعسفي على ربط متابعة الناصري بوضعية فريق الوداد البيضاوي، وكأن متابعة الرجل عبارة عن مؤامرة ضد الوداد البيضاوي.
الرجل يتابع بمعية عشرين شخصا أو أكثر بناء على شكايات قدمها شخص معتقل في المغرب، وفتح فيها القضاء تحقيقات وصلت إلى ما وصلت إليه من نتائج أفضت إلى متابعته في حالة اعتقال بمعية آخرين، وهذا لا يمس على الإطلاق بحقوق المتابعين في محاكمة عادلة، وبقرينة البراءة أيضا.
حزب الاصالة والمعاصرة قام بخطوة جيدة عندما جمد عضوية المتابعين المنتسبين إليه، وأظن أن هذه فرصة ذهبية أمام الحزب لكي يعيد النظر في عدد من الامور التنظيمية، لأن مشروع البام كما نظر له الجيل الأول من مؤسسي الحزب، ليس هو ما يراه اليوم المغاربة.
هناك عدد كبير من المنتسبين لهذا الحزب تورطوا في قضايا جنائية أو في اختلالات لها علاقة بتدبير الشأن العام وطنيا وجهويا واقليميا، ويكفي مراجعة التقارير الصادرة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية، وتلك الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات.
هناك اليوم من أصبح يرى في حزب “البام” مرادفا للفساد ورمزا من رموز البؤس السياسي، ولو أنني شخصيا لست مع هذه الخلاصة القاتمة، لأن في كل التنظيمات السياسية يوجد الصالح والطالح، ويوجد المفسد والمصلح، ويوجد المناضل والانتهازي، ويوجد الوطني والمتاجر بالوطنية، ولكن هذا لا يعفينا كمثقفين، من القول بأن حزب البام كمشروع سياسي كلف تنزيله أموالا طائلة، تعرض لنكسات وإساءات كبيرة من الداخل، إلى درجة أن من هدموه من الداخل أكثر ممن عملوا على هدمه من الخارج.
اليوم هناك نقاش داخل حزب “البام” حول ضرورة بناء حزب جديد بقيادة وطنية جديدة وبفلسفة جديدة للقطع مع جيل من المناضلين والمسؤولين انحرفوا بالحزب عن المسار الصحيح ودخلوا به إلى متاهات كلفته الكثير من سمعته السياسية رغم مكانته الانتخابية التي تبقى لها ظروفها وسياقاتها أيضا.
أظن أن هناك إمكانية لمصالحة الحزب مع الواقع ومع منطلقاته الفكرية والمرجعية، لأن الفكرة المركزية التي تأسس من أجلها حزب “البام” في 2008 تآكلت والنخب الجديدة مطالبة بخلق دينامية حزبية جديدة بوجوه جديدة تؤمن بالسياسة ولا توظفها لقضاء مآرب شخصية أو للإثراء غير المشروع ومراكمة الثروة.
هذا الحزب كانت له كلفة سياسية ومالية كبيرة وقد حان الوقت لتنظيفة من الشوائب لأن من أسسوه لم تكن منطلقاتهم ذاتية وانتهازية، بل منطلقات سياسية في العمق لايسمح المقال بالتفصيل فيها.
كما يتعين على القيادة المستقبلية لهذا الحزب وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا أن تكون في مستوى الشعارات السياسية والوعود الانتخابية، لأن وعي المجتمع تغير، والدولة لم تعد في حاجة لأحزاب سياسية تلتهم أكثر ما تعطي.
تعليقات الزوار ( 0 )