في هذا المقال، حاولت فيه جمع مجموعة من الاسئلة المرتبطة بفيروس كورونا والتي تحمل العديد من الاجوبة المُحتملة أو تختلف الاجابة عنها بعد كل فترة من الزمن، وهذا أمر بديهي، باعتبار أننا أمام فيروس جديد وغامض بالكاد نكتشف مجموعة من الأسرار المحيطة به، وهو أمر يحتاج لمزيد من الوقت لبناء حقائق يقينية عنه على انقاض هذا الكم الهائل من النظريات والدراسات النسبية حوله.
**هل الفيروس نتاج المختبر؟
يسود الجدل في خضم هذه الجائحة حول أصل هذا الفيروس، ففي الوقت الذي تتهم فيه الولايات المتحدة ومعها بريطانيا الصّين بكون الفيروس نشأ في مختبر ووهان للفيروسات، فإن أستراليا بدورها دعت الى انشاء لجنة تحقيق مستقلة لتحديد أصل هذا الفيروس، أمّا روسيا، فترفض أي اتهامات لأي طرف ما لم يكن مبنيا على إثباتات قوية.
وإذا كان الطبيب الفرنسي لوك مونتاييه، الحائز على جائزة نوبل للطب وأحد مكتشفي فيروس الإيدز، قد أكد أن فيروس كورونا نجم عن محاولة انتاج لقاح ضد فيروس الإيدز، مستدلًا في ذلك بوجود عناصر جينية لفيروس الايدز في المادة الوراثية لفيروس كورونا، فإن الصين ترفض كل هذه الاتهامات، حيث أكّد يوان زيمينغ مدير مختبر ووهان أن انتاج فيروس في المختبر يفوق إمكانيات وذكاء البشر، على الأقل في الوقت الراهن.
وطبعا سيكتشف العالم يوما ما حقيقة أصل الفيروس، لكن يصعب التكهن حول هذا الموعد بالضبط.
** هل شروط السلامة المعتمدة من طرف منظمة الصحة العالمية مثالية في الوقاية من المرض؟
منذ ظهور الفيروس في الصين وانتشاره في باقي بلدان العالم، ظلت التعليمات التي تعممها منظمة الصحة العالمية للوقاية منه، مصدر شكوك في قدرتها على الوقاية من الوباء، نظرا لتضارب الدراسات حول قدرة انتقال الفيروس عبر تيارات الهواء لمسافة أمتار والاختلاف حول قدرته على الاستمرار حيّا فوق الأسطح، والاختلاف حول درجة الحرارة التي تقضي عليه، وجدوى تعقيم الشوارع…حيث اتضح مثلا أن مسافة الأمان المقدرة بمتر أول الأمر، أصبحت فيما بعد غير آمنة، وأيا كانت مسافتها،
فيجب أن تكون مقرونة بارتداء الكمامات. هذا كله بسبب أننا أمام فيروس جديد، يحتاج لمزيد من الوقت لفهم كيفية انتقاله، وضبط قدرة عيشه وتحديد مددها الزمنية في أوساط مختلفة بشكل يقيني بعيدا عن الدراسات والدراسات المضادة التي تتناسل في الوقت الراهن على مدار الساعة.
**هل الشخص المصاب بالفيروس يصاب به مرّة أخرى؟
بين مختلف الأمراض الفيروسية، هناك قاعدة عامة، وهي أن العدوى الأولى بالفيروس غالبا ما تمنح الجسم مناعة تحميه من نفس الفيروس في المستقبل. الا أن الجدل قد انفجر في اليابان بعد تشخيص إصابة عجوز بفيروس كورونا للمرة الثانية بعد تعافيها التام منه في المرة الأولى، الامر لم يتوقف عند هذا الحد، بل حدث لأشخاص اخرين في اليابان والصين ودول اخرى.
تفسير لويس إنجوانيس أخصائي الفيروسات في المعهد الإسباني الوطني للتكنولوجيا الحيوية هو أن الأمر يتعلق بحالة “إرتجاع” للفيروس، بمعنى أن مناعة بعض الأشخاص، ليست قوية كفاية للقضاء نهائيا على الفيروس في أجسامهم، ما يجعل بقايا هذا الفيروس تعيش في بعض الأنسجة في الجسم لمدة تصل الى ثلاثة أشهر، الامر الذي يجعل الاختبارات تظهر إيجابية عندهم بعد مدة.
الى جانب ذلك يرى بعض العلماء أن الإصابة للمرة الثانية ربما يكون بسبب أن المناعة المكتسبة ضد المرض والتى يكتسبها الجسم، يمكن أن تكون قصيرة نسبيًا. ومهما يكن فكل هذه الفرضيات في حاجة الى تأكيد لن يتأتى لها الا بعد مدة طويلة.
**هل فيروس كورونا سيتلاشى مع حلول فصل الصيف؟
ساد نوع من التفاؤل قبل أسابيع بشأن الاعتقاد بكون فيروس كورونا سيختفي مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، هذا التفاؤل الذي يتزعمه العالم الفرنسي ديديه راؤول وبسببه أيضا تعامل ترامب أول الامر بنوع من اللامبالاة مع الجائحة، يستند الى كون فيروس كورونا ينتمي الى عائلة الفايروسات التاجية المسببة للأنفلونزا التي تختفي غالبا مع حلول موعد فصل الصيف، لكن هذا الاستنتاج لا يمكن بناء حقيقة يقينية حوله، فهذا الفيروس مستجدّ، معلوماتنا حوله في طور التقييم، وربما تكون له مميزات تجعله مختلفا وأكثر تحملًا من باقي الفيروسات الأخرى، وطبعا، من السابق لأوانه الحديث عن كيف سيتصرّف في فصل الصيف، فها نحن دذا على مشارف فصل الصيف، وهناك مناطق تعيش على رفع درجات حرارة مرتفعة، ورغم ذلك، مازال هذا الفيروس يسقط فيها الضحايا!.
**هل يؤثر الفيروس على الأعضاء الحيوية للجسم بصفة دائمة؟
كثر الجدل حول مدى تأثير فيروس كورونا على أعضاء الجسم بعد التعافي منه، والأمر لا يتعلق فقط بالرئتين المستهدفتين بصفة رئيسية من طرف الفيروس، بل الى أعضاء حيوية أخرى أشارت بعض الدراسات الى كونها ليست بمنئى عن أضرار الفيروس كالكلى والكبد والقلب والخصيتين، والخلل العصبي وجلطات الدم وتلف الأمعاء ..
فبعد الدراسات التي تشير الى أن الفيروس قد يُفقد الرئتين حوالي 15 في المئة من قدرتهما بعد التعافي بشكل دائم، هناك دراسات أخرى تشير الى كون الفيروس يستهدف كذلك أنزيم ACE2 الموجود في أغشية الكلى والخصيتين!
كل هذه الدراسات قوبلت بتشكيك من طرف علماء آخرين. وبعيدا عن التيارين، يبقى الحديث عن الأضرار التي يخلفها فيروس كورونا في الأعضاء الحيوية للمتعافين مجرّد تقييمات مرتبطة بمراحل ما بعد الشفاء مباشرة، أمّا الحديث عن التقييم الشامل لتلك الأضرار ومدى ديمومتها، فتبقى رهينة بدراسة شاملة معتمدة على قاعدة كبيرة من المتعافين وممتدّة لشهور طويلة، أو ربما لسنوات مقبلة.
**ماهي ملامح عالم ما بعد كورونا؟
كثرت التصورات بخصوص ما سيكون عليه مستقبل العالم ما بعد كورونا، وكل هذه التكهنات ستظل تتغيّر وتتوالد على أنقاضها تكهنات أخرى يوما بعد يوم، بحكم أن معالم عالم ما بعد كورونا، رهين بحجم الأضرار التي ستخلفها الجائحة، هذه الأضرار هي الآن في طور التراكم، والمدى الذي ستصل اليه هو الذي سيحدد حجم الصدمة التي ستعيد تشكيل معالم العالم ما بعد كورونا. الى هناك، كل شيء وارد، حتى الحرب المدمرة والواسعة النطاق.
صفوة القول، هي أننا أمام فيروس جديد نحن في المراحل الأولى لفهم بعض أسراره الكثيرة، والطريق سيكون طويلًا للإحاطة بكل تلك الأسرار ، وكل ما نعرفه الان هي مجرّد فرضيات تحتاج لمزيد من الوقت لإثباتها.
*كاتب صحافي مغربي مقيم في واشنطن
تحليل موفق إلى أبعد تقدير.كل الأسئلة التي أجبت عنها هي في صميم الإشكال و الفيروس اللغز الذي ستكشف الأيام أنه أكبر من مرض عابر…إنه صراع الإديولوجيات و المصالح….