Share
  • Link copied

“والله لا طفرتِيه”.. التّقليعَات الشّبابِية بينْ الماضِي والحَاضر


عرفت التقليعات الشبابية الغريبة والعجيبة في طريقة تصفيف الشعر في المجتمع المغربي، تحولاً ملحوظا على مر السنين الأخيرة، وبشكل مثير للانتباه خاصة مُنذ بداية الألفية الثالثة، وذلك لأسباب دينية، ونفسية وتربوية واجتماعية، بيد أنّ أنواع بعض تقليعات الشعر لدى الرجال في الماضي كانت لها حمولة دلالية وخلفية تواصلية.

ويرى الكاتب والمترجم المغربي، إدريس أعفارة، أنه لمعرفة تغير تقليعة التعامل مع شعر الرأس بين فترة وأخرى فلابد من استحضار تقليعات عديدة مورست خلال القرن الماضي، فقد كان المغاربة يحلقون رؤوسهم بالكامل تماشيا مع ما ذكر في السنة النبوية بأن شعر الرأس ( إما أن يحلق كله أو يترك كله )، ولا يجوز حلق بعضه وترك البعض، فهذه بدعة تسمى بالقزع.

وأضاف أعفارة، في تدوينة له، نشرها أمس (الثلاثاء) على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن المغاربة فضلوا حلق شعر رؤوسهم بالكامل، لكن بعض الأحيان حافظوا على خصلة تتدلى على أكتافهم كنوع من التميز، وسموا هذه الخصلة “قرنا”، واعتبروه من علامات الشهامة والزعامة، وكان إذا تعارك رجلان فإن المنتصر منهما يقص قرن المهزوم إمعانا في إذلاله.

وأوضح صاحب التدوينة، أنّ أصل كلمة أو مثل (والله لا طفرتيه ) قيل آنذاك للتعبير عن انهزامية المتصارع، وقص شعره لإذلاله، وهو جزء من تحد واضح للمنافس، فلا يحافظ على قرنه إلا الشجاع الصنديد، ويفقده الجبان الرعديد.

وتابع أعفارة، جرت العادة بأن يقلد بسطاء الشباب الأعيان ولم يرض أحدهم أن ينعت بالجبان، واختلف اسم هذا القرن ( ينطق الݣرن) من منطقة إلى أخرى، فهناك من يسمونه “ݣطاية”، وفي مناطق آخرى يسمى بـ”العُرف”، وفي ثالثة “شنتوف”، وهناك في المغرب أسماء عائلية تكنى بالشنتوف، أو بوشنتوف، بمعنى البطولة والغلبة.

وأبرز الكاتب والمترجم المغربي، أن الاستعمار، جاء وحمل معه تقليعة (الفريزي)، وهو ترك بعض الشعر النضيد، دون مبالغة ولا مزيد. وكان المحافظون من المغاربة يعارضون هذه التقليعة، ولكنهم لم يمنعوها، بل تحفظوا لأن الحلق يحافظ على نظافة الرأس، وأن من يترك الشعر في رأسه معرض للقمل، فظهر مثل (هو بالفريزي والقملة قد عزيزي )، لكن صيحات المحافظين لم تلق آذانا صاغية، وعمت ظاهرة الفريزي.

ولازمة “هو بالفريزي والقملة قد عزيزي” الشهيرة، ندر بها المراكشيون القدامى على قصات الشعر الجديدة التي دخلت حياتهم اليومية تدريجيا عقب التحولات الثقافية والاجتماعية الكبرى التي طرأت على المجتمع المغربي عامة والمراكشي خاصة وأرخت بظلالها على العادات والسلوكيات اليومية من مأكل ومشرب وملبس ومظهر، ولغة تخاطب أيضا.

والفريزي، في الواقع، هي قصة الشعر الرجالية العصرية ـ بمقاييس ذلك الزمان ـ التي تعتمد على إبقاء الشعر متوسط الكثافة مع مشطه إلى الوراء؛ تماما كما كان يفعل نجوم السينما والفن خلال ذلك العصر المبكر.

وأشار أعفارة إلى أنه في الستينيات وخلال حرب الڤيتنام، ظهرت في أمريكا تقليعة جديدة أطلقها الشباب كنوع من الاحتجاج على ويلات الحروب، والمطالبة بعالم يسوده السلام والحرية والحب، بدل التطاحن، وسميت هذه الظاهرة بالهيپي (Hippies) ثم انتقلت الهيپية إلى أوروپا.

ووصلت من أوروبا إلى شباب تلك الفترة من السبعينيات في المغرب، فأطالوا شعورهم وهلهلوا ثيابهم، ومنذ تلك الفترة بدأ الهندام العصري يفقد أناقته وصار يتراجع شيئا فشيئا باسم الحرية الشخصية، فشوه الشباب رؤوسهم، ومزقوا لبوسهم، ولست أدري كيف يقنعون نفوسهم، وفق تعبيره.

Share
  • Link copied
المقال التالي