Share
  • Link copied

هل يمكن للاتحاد الإفريقي أن يلعب دورا في الأزمة الليبية؟

تعتقـد دوائر مفوضيـة الاتحاد الافريقي بوجود اطراف اقليمية تهتم بتجاوز الاتحاد الافريقي وتجاهل امكاناته الكفيلة بايجاد حـل دائم ومستمر للأزمة الليبية وقـد تعززت هذه الرؤيـة كثيرا عقب انعقاد مؤتمر برلين بألمانيا.

غداة انعقاد هذا المؤتمر أحسَ الجوار الافريقي فعلاً، بأن هنالك من لا يهتم أصلاُ بمشاركـة “اللجنة العليا للاتحاد الافريقي المعنية بليبيا” والتي أراد الافارقـة من انشائها الاعلان عن رغبتهم لعب دور ما اتجاه حل الأزمة الليبية الى جانب التكتلات القارية والاممية التي كانت أدوارها البارزة كفيلة بتغطية التطلعات الافريقية والتي حدت بالمبعوث الأممي الى ليبيا السيــد غسان سلامـة الى اطلاق شعاره القائل بأن “من ليس له موقف واضـح حيال الأزمـة الليبية فليس له مكان في الحل”.

والظاهــر ان الموقف الذي عنته بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا (مانول) لــم يكن فقط الامنيات وانما التورط المباشـر الى جانب اطراف النزاع، وعلى هذا الأساس تتحمل البيروقراطية الاممية لوحدها مسؤوليـة تجاهل الجهود الافريقية بما في ذلك اللجنة الافريقية التي يرأسها منذ ثلاث سنوات الرئيس الكونغولي دنيس ساسو أنغيسو قبل ان تتفطـن لذك المستشارة الالمانية “انجيلا ميركل” والتي تكرمت بدعوته الى برلين بشكـل متأخـر وتنقصـه اللباقـة الديبلوماسيـة التي ألف الأفارقة من الألمان.

لــم يكن حضور الرئيس الكونغولي ليرضـي غرور الأفارقـة فالأطراف الأقرب الى النزاع كتونس والجزائر سارعت الى الاعتـذار عن الحضور كما اعلنت المغرب عن انزعاجها مما جرى في الخفاء بالرغــم من الجهد الكبير الذي وفرته منذ سنة 2015 لاتفاقية “الصخيرات” بين الاطراف الليبية المتعاديـة، وعلى هذا المنوال عادت الدول الافريقية الى محاولـة اظهار قدرتها على المبادرة المؤسسـة على الحصافـة السياسيـة والديبلوماسية، فلــم يتأخر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى الدعوة لانعقاد وزراء خارجية دول جوار ليبيا والذي دعا الى ضرورة التوصل الى حل شامل لهذه الازمة، “بعيدا عن التدخلات الاجنبية”.

وفي برازافيل انعقد الاجتماع الموسـع بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسـى فكي محمـد، والأطراف الليبية وقـادة الدول الافريقية المهتمة (موريتانيا، التشاد وجيبوتي..) وحتما فإن الرســالة قد وصلت بريــد المبعوث الأممي غسان سلامـة.وببساطـة ووضوح، فإن السيـد سلامـة اذا كان يعني من شيء فهو ليس تغييب الدول المجاورة لليبيا او مؤسسات الاتحاد الافريقي و إنما كان يَتعمدُ في مؤتمر برلين ان يمايزُ بين هذه الدول ودول شمال وشرق المتوسط المتورطـة في العمليات العدائية أو الدول المنحازة عسكريا لأي من الاطراف الليبية.

فلم يمضي اسبوع على انقضاء المؤتمر الدولي في برلين المنعقد في 19 يناير حتى اصدرت الأمم المتحدة بيانا صحفيا حول استمرار تدفق المقاتلين الاجانب والاسلحة والذخيرة القادمـة من بعض الدول المشاركــة في المؤتمر نفسـه على معسكرات المشير خليفة حفتر وحكومة الوحدة الوطنية، على حدٍ سواء كما تقول الأمم المتحدة. بينما ظلت الحُكومات الافريقيـة تحت تأثيـر الوضـع المتأزم في ليبيا على الدوام.

مرة أخرى، لا يمكن تشديـد المبالغة بشأن الدور الإفريقي في هذا الملف بالتحديد أو اختزاله في مجرد حضور او غياب عن المنتديات الدوليـة المشارة اليها آنفا، ولكـن يمكننا ان نتحدث عن قدرة المبادرات الافريقيـة على “إقناع اطراف النزاع بقبول فكرة عقد مؤتمر للمصالحة”، وهي المحاولة التي اعلن جان كلود جاكوسو، وزير الخارجية الكونغولي خلال تلاوته للبيان الختامي لمؤتمر ابرازفيل يوم الخميس الماضـي قبل ان يعترف بأن هذا الدور “ليس سهلا بالمرة”.

ومهما يكن فإن محاولـة استباق اللجنة الفرعية لقمة الاتحاد الافريقي المنتظرة في اديس ابابا من شأنها ان تؤسس لوضع الدول الإفريقية المتأثرة مباشرة بالأزمة الليبية “للحلول المقنعة” للنزاع واسماع صوتها في هذا السياق المتأزم وايضا سمح هذا المؤتمر الافريقي لهذه الدول ذات المصلحة الجيوـ ستراتيجية فيما يتعلق بما يحدث في ليبيا بالدعوة إلى “وقف كامل وفعال لإطلاق النار” شريطــة وضـع “آلية مراقبة (…) يكون للاتحاد الإفريقي دور رئيسي فيها “.

والحق، ان هذه الطموحات الافريقية المعلنة تعوزها الارادة السياسية والحزم فيما يتعلـق بالتحديات والأزمات النـاشئـة في شمال وغرب القارة خصوصا، وكذلك غياب التضامن الافريقي كما ان الافارقـة لم يتقدموا خلال الاوقات العصيبة بأي خطـة سلام مفصلـة في هذا المجال وانما اكتفوا منذ تسع سنوات بردة الفعل التي لم تسفر عن احتواء الأزمــة الليبية أو التقليـل من مخاطـر تفتيت مؤسسات الدول المجاورة، ومن الممكن أن ننظر بتفــاؤل الى الموضـوع من خلال العناصر الرئيسية التالية:

1. كون رئاسة اللجنة الافريقية المعنية بليبيا جرى نقلها الى رئيس جنوب افريقيا سيريل رامافوسا، الذي ستتولى بلاده أيضا الرئاسـة الدورية للاتحاد الافريقي.

2. ترحيل توصيات اللجنة الى قمة الاتحاد الافريقي التي تنعقد خلال ايام باديس ابابا (اثيوبيا) مما يجعلها في مقام الإلزام بعد موافقة الدول الاعضاء عليها.

3. اظهرت الدول الاعضاء في اللجنة حذرا مبررا من مكان انعقاد مؤتمر المصالحـة الليبية حين ضمنت بيانها الختامي القول بأنها : “اخذت علما بدعوة الجزائر الى عقد القمة على اراضيها”، فـالدول المجاورة – النيجر أو تشاد أو مالـي – التي عانت أكثر من غيرها من الأزمة، تود التأكيــد على انها اولى بعقد هذا المؤتمر على اراضيها.

شخصيا، سأرفع قبعتي احتراما وتقديرا للاتحاد الافريقي ومؤسساته، اذا استطاع القائمون عليه اقناع العالم بقدراتهم السحريـة حيال هذه الأزمــة التي تكتوي بنيرانها بلدانهم، تباعا.

كاتب واعلامي موريتاني خبير بشؤون غرب افريقيا والساحل والصحراء

Share
  • Link copied
المقال التالي