Share
  • Link copied

هل كسب سانشيز رهانه الانتخابي في إسبانيا؟

عرفت الانتخابات البرلمانية التي عاشتها إسبانيا الأحد الماضي متابعة غير مسبوقة، بالنظر إلى أهميتها، على الصعيدين المحلي والدولي. فمحلياً، يمكن اعتبارها الأهم في الحياة السياسية الإسبانية منذ عودة الديمقراطية إلى هذا البلد نهاية السبعينيات التي تلت وفاة الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بالحديد والنار زهاء أربعة عقود، وبدء عملية التحوّل الديمقراطي التي عرفتها إسبانيا آنذاك، ولم تنته رسمياً إلا بوصول الحزب الاشتراكي العمّالي الإسباني إلى الحكم سنة 1982، ذلك لأن كل استطلاعات الرأي في الأيام القليلة الماضية كانت تعطي الفوز بالأغلبية المطلقة لتحالف اليمين واليمين المتطرّف بزعامة الحزب الشعبي وحزب فوكس اليميني المتطرّف الذي ولد من رحم الأول، ما كان سيُفضي إلى عودة اليمين القومي المتطرّف إلى السلطة، لأول مرة منذ نهاية الحقبة الفرانكوية.

أما دولياً، فوصول اليمين المتطرّف إلى الحكم في إسبانيا التي تترأس الاتحاد الأوروبي منذ فاتح يوليو/ تموز الماضي يعني تعزيز جناح اليمين المتطرّف الذي يحكم أو يشارك في حكم دول عديدة داخل الاتحاد، ومن المعلوم أنه (اليمين المتطرّف) يتزعم ثلاث حكومات في إيطاليا وبولونيا والمجر، ويشارك في حكومتي فنلندا ولاتفيا. أما في السويد، فإن الحزب الديمقراطي السويدي الذي أسّسه قوميون ونازيون جدد، فهو يدعم الحكومة من دون المشاركة فيها، وهذا يعني تغييراً في سياسات داخلية وخارجية عديدة، وجنوحاً نحو مزيد من التشدّد اليميني في ملفاتٍ كالمتعلقة بالهوية والهجرة والعلاقة مع دول الجنوب، فضلاً عن اعتبار المسلمين رأس المشكلات التي تعاني منها أوروبا.

مع إعلان النتائج النهائية لهذه الانتخابات السابقة لأوانها التي قرّرها زعيم الحكومة اليسارية بشكل غير متوقع بعد هزيمة حزبه في الانتخابات المحلية في 28 مايو/ أيار الماضي، تنفس بيدرو سانشيز الصعداء، إذ لم ينج بجلده فحسب، بل استطاع تحقيق نتائج انتخابية غير مأمولة، وأصبح يحلم باستمرارية حكمه وحَقّ له ذلك، فتحالف اليمين بشقّيه لم يحصل إلا على 169 مقعداً، وتنقصه سبعة مقاعد عويصة للحصول على الأغلبية المطلقة المتمثلة بـ 176 مقعداً من أصل 350، إذ إنه بالرغم من تقدّم الحزب الشعبي بـ 47 مقعداً مقارنة بـ 2019 بفضل الدعوات المتكرّرة إلى التصويت النافع وحصوله على 136 مقعداً، إلا أنه بقي بعيداً عن الـ 150 مقعداً التي كان يأملها.

أما حليفه المحتمل، حزب فوكس، فقدْ فقَدَ 19 مقعداً، ما يجعل مهمة زعيم الحزب الشعبي، ألبرتو فيخو، لتشكيل الحكومة شبه مستحيلة، بالنظر للاعتبارات الآتية: ترفض الأحزاب الجهوية الدخول في تحالف مع حزب قومي متشدّد يعادي خصوصياتها الجهوية، ويريد رد الاعتبار للدولة القومية الوطنية القوية، باسترداد (واسترجاع) حقوق وامتيازات أعطيت لبعض الجهات، أما الأحزاب الأخرى فتختلف جذرياً مع المشروع السياسي والمجتمعي الذي يطرحه حزب فوكس، ولا يمكنها التحالف معه، إلا في إطار مصالح ضيقة جد مستبعدة.

أما حزب العمّال الاشتراكي بزعامة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظر هزيمته، فقد استطاع تحسين وضعيته بفضل النتائج الاقتصادية التي حققها والتعبئة التي قام بها والتي رفعت نسبة الإقبال إلى أكثر من 70%، وظفر بمقعدين زيادة على 2019 بالحصول على 122 مقعداً. أما حليفه الجديد، حزب سومار اليساري الراديكالي، فقد فاز بـ 31 مقعداً، ليبلغ إجمالي الكتلة اليسارية 153 نائباً.

مع غياب أغلبية مريحة لكلا الحزبين الكبيرين، ومع ادّعاء كليهما النصر بعد هذه الانتخابات وانخراط زعيميهما، رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز، ومنافسه المحافظ ألبرتو فيخو، في مفاوضات معقدة وغير مؤكّدة، تجد إسبانيا نفسها في حالة من الارتباك وعدم الاستقرار قد تستمر أشهراً، وقد تؤدّي إلى مأزق سياسي، إذ لم يستطع كلا الرجلين إيجاد صيغة للحكم وتجنّب انتخابات جديدة، وهو التحدّي الذي يواجه الرجلين، لكننا يمكن أن نقول إن نتيجة هذه الانتخابات شكلت خيبة أمل كبيرة للحزب الشعبي الذي كان يعد “بحقبة جديدة تخلف الحقبة السانشيزية”، خيبة أمل لحزب فوكس ولليمين المتطرّف الأوروبي الذي يتراجع لأول مرة ويوقف موجته العارمة التي تهدّد دولاً أخرى، خيبة أمل لبعض الدول التي كانت تراهن على تغيير في السياسة الخارجية الإسبانية، تجاه بعض القضايا.

هذا، وبالرغم من هذه النتيجة، المفارقة هي وجود بيدرو سانشيز في وضعية سياسية أفضل من منافسه المحافظ، إذ بإمكانه الحصول على دعم بعض الأحزاب الجهوية، خصوصاً في منطقتي الباسك وكتالونيا لتشكيل الحكومة المقبلة، لكن للوصول إلى هذا الهدف تنتظر سانشيز مفاوضات شاقّة وعسيرة مع الأحزاب الجهوية التي رفعت سقف مطالبها.

وبهذا يكون بيدرو سانشيز قد كسب معركته في إفشال وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة، رافعاً شعار “Non Pasaran!” (لن يمرّوا)، وهو الشعار الشهير المناهض للفاشية إبان الحرب الأهلية (1936 – 1939)، وحرم الحزب الشعبي الرجوع إلى الحكم بجعله في سلة واحدة مع اليمين المتطرّف ابن الحملة الانتخابية، وهي الاستراتيجية التي آتت أكلها، وأظهرت قدرته الدائمة على تغيير موازين القوى السياسية وكسب رهاناته الانتخابية، وأبدت حنكته وقدرته على الاستمرار في قيادة إسبانيا، وسنرى.

Share
  • Link copied
المقال التالي