دائمًا ما ينظر الإعلامُ الغربيُّ إلى أغلب شعوب العالم الإسلامي، بكونها عاطفيةٌ و انفعاليةٌ، خصوصًا في القضايا التي تتعلق بالأقلياتِ المسلمةِ في بعض الدُّول غير الإسلامية، التي تتعارض مصالحها و مصالح الغرب. بمعنى أنها – الشعوب – لا تُجِيدُ استعمال عقلها في تحليل الأمور و فهم الوقائع.
يدرك الإعلام الغربي أن شعوب الأمة الإسلامية، تتفاعل بسرعة مع قضايا المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها، لذلك يستثمر الغرب هذه الخصلة لإثارة الوتر الحساس عند المسلمين لقضاء مآربه السياسية من الدول المعادية له كيف ذلك؟
إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان في سبعينيات من القرن الماضي، انطلق الإعلام الغربي في الترويج للغزو بين شباب المسلمين، على أنه حرب “الشيوعية الكافرة” على ديار الإسلام، بمساعدة من بعض الأذرع الإعلامية في العالم الإسلامي. رغم أن جوهر الصراع يتداخل فيه العامل الجيوسياسي بالجيوستراتيجي بين قوتين عظميتين هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي السابق، و لا يمت إلى العامل الديني بصلة.
انطلت الدعاية الغربية على الشعوب الإسلامية، فَهَبَّتْ أفواجٌ من شبابها المسلم – بحسن نية – من كل فجٍ عميقٍ لنصرة الإسلام -وفق ما ترسخ في ذهنها من مفاهيم- من براثين “الشيوعية الكافرة الملحدة”، حيث تم إنشاء مراكز لتجنيدهم و إرسالهم إلى سوح الوغى لمحاربة السوفييت بأفغانستان، تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
انتهت تلك الحرب بخروج الجيش الأحمر السوفياتي منهزما، و استتبعها بعد ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي كدولةٍ و إيديولوجيةٍ، و بعد أن دانت لأمريكا زعامة العالم، انقلبت عليهم، و تحولوا إلى “إرهابيين” في نظرها بعد أن حققت مصالحها بهم، بل و حاربتهم باعتبارهم يشكلون خطرا على أمن العالم بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر عام 2001.
تكرر السيناريو نفسه، و إن بصورة مختلفة، عندما استعر أَوَارُ الحرب التجارية و الديبلوماسية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسربت آنذاك عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات قِيلَ أنها مشاهدُ تعذيبٍ، قامت بها السلطات الصينية في حق مسلمي الايغور بإقليم شينجيانغ، فضلا عن سياسة الترهيب و المضايقات التي يتعرضون لها.
تعالت الأصوات داخل وسائل التواصل الاجتماعي تدعو الى مقاطعة البضائع و المنتجات الصينية لإلحاق الضرر بالاقتصاد الصيني – علاوة على الدعاء بالويل و الثبور على النظام الصيني “الشيوعي الكافر”- نصرةً للمسلمين هناك، دون البحث و التحقق من حقيقة هذه المشاهد و كيفية تسريبها.
المثير للانتباه، أن تلك المشاهد ظهرت و اختفت، ما يعني أن عملية تسريب هذه المشاهد تتم حسب الطلب و في ظروف معينة، و وفق غايات سياسية. و الأكثر إثارةً للانتباه أن ذلك تزامن مع إقرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات في حق المسؤولين الصينيين، بدعوى اضطهادهم و قمعهم لمسلمي الإيغور ، في حين غُضَّ الطرفُ – رغم تقارير المنظمات الدولية – عما تعرض له مسلمي الروهينغا من عملية اضطهاد و تقتيل ممنهجة، مارسها عليهم نظام رئيسة وزراء بورما المطاح بها أون سان سو تشي.
إذن من هذا المنطلق، يتضح أن الهدف من وراء تسريب هذه الصور واضح – بصرف النظر عن مدى صدقيتها أم لا – هو محاولة لتشويه صورة الصين في العالمين الإسلامي و العربي. لأن الصعود الصيني بهذه الوثيرة المتسارعة، أصبح يدق مضجع الغرب، و خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى في الصين الخطر المستطير، الذي يجب مواجهته بكل الوسائل، لوقف تمددها و الحد من تأثيرها المتنامي على بنية النسق الدولي الحالي.
ختاما إن تكرار نفس الأدوات التي يوظفها الغرب كل مرة ضد كل من يناهض مصالحه في الدول ذات الأقلية المسلمة، بعزفه على وتر عاطفة المسلمين، تعكس النظرة الغربية التقليدية لعقلية الانسان المسلم، الذي ترى فيه أنه يغلب عاطفته على تفكيره، رغم أن هذه النظرة تبقى قاصرة و مسيئة، يشوبها التعميم، و مع ذلك يصر على توظيفها بالشكل الذي يخدم مصالحه.
كاتب مغربي
تعليقات الزوار ( 0 )