شارك المقال
  • تم النسخ

هل حان وقت مراجعة المعايير الأساسية لتوزيع ميزانية الجهات بالمغرب؟

يتم توزيع ميزانية الجهات بالمغرب حسب الناتج الاجمالي الخام للجهات منذ عهد بعيد، للتذكير نفس النظام تقريبا تم استخدامه من طرف فرنسا أيام الاستعمار والذي قسم المغرب إلى قسمين: المغرب النافع والمغرب الغير النافع، ولربما حان الأوآن لمراجعة هذا التوزيع الذي يعتمد على عامل اٍنتاج الثروة كمعيار دون مراعاة للموقع الجغرافي لكل جهة، ودون مراعاة الاحتياجات الاساسية للسكان انطلاقا من التضاريس التي يتعايشون معها يوميا، والتي بدورها تؤثر بشكل مباشر في الناتج الاجمالي الخام.

النظام المعمول به في المغرب بخصوص توزيع الميزانيات على الجهات هو اٍنتاج الثروة والتي تأتي من البنيات التحتية الضرورية رغبة لبلوغ و تسهيل التنمية وبالتالي خلق الثروة والرواج الاقتصادي ، لكن ، لا يعقل مثلا أن تحضى الجهات التي تسمى بالقطب الاقتصادي بنصيب الاسد من الميزانية ، بيدما الجهات الضعيفة تحصل على ميزانيات لا تكفيها لتشييد مستشفى واحد بالمنطقة ، هذا النظام الذي يعتمد على انتاج الثروة في توزيع الميزانيات تشوبه خروقات عديدة حيث هناك جهات مثلا تنتج أكثر مما تتلقى.

هذا النظام له عواقب وخيمة حيث يعمق الفوارق المجالية بين الجهات، ويساهم في تفقير وتهميش فئات من السكان، ويقلل من فرص الشغل، وفرص التعليم، وفرص الوعي ، وفرص التكافئ ، وفرص التطور الاجتماعي، وفرص المنافسة، وهذه الامور مجتمعة تدفع الى ظهور ظواهر عديدة على السطح ، تتقدمها الهجرة الى جهات أخرى بها مؤشرات النمو محترمة ، ومشجعة للحصول على شغل ، أو محاولة الهجرة الى الخارج عبر الطرق الغير الشرعية.

للتذكير أيضا ، اٍنتاج الثروة، أو بالاحرى صناعة الثروة يحتاج الى بنيات تحتية : مواصلات وموانئ وطرق وسكك حديدية ومعامل وشركات وتعاونيات ومنشأت ، والاعتناء بقطاعات تتلائم والتربة المجالية لخلق فرص العمل والشغل والاستثمار. والعكس صحيح ، بمعنى أن غياب هذه البنيات لا يمكن أبدا أن يخلق الثروة والتي هي المعيار المعتمد في توزيع الميزانيات على الجهات ، وهو ما يؤكد أن الجهات الهشة والفقيرة سوف تبقى فقيرة ، في حين أن الجهات الغنية سوف تزيد غنا ورفاهية.

مع دخول فصل البرد تعاني جهات عديدة في المغرب ، خاصة في أعالي الجبال، تعاني من مشاكل طبيعية محضة يمكن تلخيصها في البرد القارص والثلوج التي تحاصرهم من كل جهة ، وتمنعهم من التحرك ، وتدخلهم في دوامة الشرود الاجتماعي ، وتظهر على السطح مشاكل تنم عن التأخر الحضاري كالتسير الذاتي ، وتنمية القدرات الفردية ، وزواج القاصرات ، والهدر المدرسي ، والمشاحنات العائلية ، وغياب المنطق في النقاشات العادية ، وقلة ظهور أفراد ترفع مشعل المواهب الفنية والثقافية والرياضية جراء ندرة المنصات والملاعب والنوادي الثقافية والفنية .

موضوع توزيع ميزانيات الجهات يعرف مشكل آخر له علاقة بالحكامة والمحاسبة، حيث لا توجد رقابة صارمة على عملية التدبير ولا ترقى عملية الافتحاص الى الوقوف على التبذير ومن يقف وراءه، اٍلا في حالات قليلة ونادرة، وهو ما يعني هيمنة أسلوب الخطاب الصوري عوض الممارسة الحقة ، والذي لا يتأتى اٍلا بتفعيل مسطرة القانون والقضاء في حق ناهبي ميزانية الجهات بشكل مباشر، أو غير مباشر.

الحكومة المغربية والمسؤولين عن التخطيط والبرمجة يكتفون بالجهات التي تحتوي على قطب تجاري كبير ، وهي جهة : الدار البيضاء الكبرى ، وجهة : طنجة ، تطوان ، الحسيمة ، حيث مؤشر النمو الاقتصادي في ارتفاع مستمر ، والباقي عبارة عن قيمة مضافة جغرافيا ، أو تاريخيا ، أو سياحيا.

وما يعزز هذا الطرح هو التناقض على مستوى التسميات والخطاب ، حيث نجد كلمة الجهات مرتبطة بكلمة المتقدمة ، لكن المركزية هي الادارة التي تسير الجهات وتمنحها الميزانيات ، وهو ما يوضح أن الجهات غير مستقلة ماديا وبالتالي غير متقدمة حسب التعريف الآني.

الجهات الجنوبية تشكل استثناءا في السياسة المغربية ، حيث عرفت هذه الاخيرة قفزة وطفرة نوعية ، وتم تحقيق ما لم يتحقق في كثير من الجهات المرتفعة عن سطح البحر والقريبة من أعالي الجبال.

نرجو من خلال هذا الطرح أن يتم تدارك بعض الهفوات التي تشوب نظام تقسيم الميزانيات على الجهات بعيدا عن اعتماد عامل انتاج الثروة ، والاهتمام بالعنصر البشري والذي هو جوهر جميع الرهانات . وأخيرا تفعيل عملية التدبير والتبذير بمقومات جديدة وفعالة وناجعة .

كاتب مغربي مقيم بألمانيا

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي