عكس سعي الجزائر إلى تكريس كلّ إمكانياتها لدعم الانفصال في المغرب، وانسحابها من مختلف الاجتماعات التي تحتوي على خارطة المملكة كاملةً، ووقوفها مع البوليساريو حتى في الأمور التي تناقض مصلحة شعبها، فإن جنوب إفريقيا، ثاني أكبر داعم لـ”جماعة الرابوني”، سياسيا، في القارة السمراء، تسير عكس هذا الاتجاه بالكامل.
ولا تعارض جنوب إفريقيا، بالكامل، تعزيز علاقاتها مع المغرب في مختلف الميادين، وهو ما أكدته الاتفاقيات الأخيرة الموقعة، والتي جعلت من البلد الذي يقع في أقصى جنوب القارة، ثاني أكبر شريك تجاري إفريقي للمملكة، حيث تواصل “بلاد مانديلا”، في نسج علاقاتٍ مميزةٍ مع المغرب في مجال التجارة والصناعة والخدمات.
وفي ظلّ هذا التطور اللافت في العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية، والذي جعل المغرب يتفوق على الجزائر بكثير من حيث الشراكة الاقتصادية مع جنوب إفريقيا، بدأ العديد من المهتمين يتساءلون عن مدى إمكانية تأثير هذا الأمر، على موقف “بلاد مانديلا”، من الصحراء المغربية.
وعن هذا الموضوع، قال نبيل زكاوي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إنه “بالرغم من وجود خلاف سياسي بين البلدين حول موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء المغربية، إلا أن علاقاتهما الاقتصادية توضح أن الاختلافات ظلت قابلة للإدارة وأنها تبقى محدودة مقارنة بمجموعة واسعة من المصالح المشتركة ذات المنفعة المتبادلة بين البلدين”.
وأضاف زكاوي في تصريح لجريدة “بناصا”، أن الأمر “لا يفسر ذلك بالنزعة الواقعية البرغماتية فحسب، بل بالمعطيات الجيوسياسية التي تحتم التكامل بين البلدين كوسيلة لتنمية القارة الإفريقية وللانطلاق نحو المشاركة العالمية، فالمغرب وجنوب إفريقيا يعتبران دولتان محوريتان في منطقتهما، وكلاهما بوابة إلى أجزاء مختلفة من العالم”.
وتابع الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية: “لذلك فتصاعد منحنى التبادل الاقتصادي بين البلدين يعكس أنهما أخذا يدركان أهمية الإمكانات الكامنة في علاقاتهما نظرا للتقدم المحرز نحو التحرير الاقتصادي والاندماج في حركة العولمة”، مسترسلاً: “وسيعني ذلك إمكانية حل الخلاف السياسي بين البلدين في الأفق المنظور”.
واعتبر المتحدث بأنه “لم يعد معقولا أن تستمر نفس القيود التي شكلت سياسة جنوب إفريقيا تجاه المغرب، في الوقت الذي أضحت جنوب إفريقيا هي ثاني أكبر شريك تجاري أفريقي للمغرب (بعد نيجيريا)، وصار المغرب في غاية الأهمية لعلاقة جنوب إفريقيا مع بقية الدول الإفريقية بالنظر إلى استقرار المغرب ومستوى تطوره وعلاقاته بالعالم العربي والإسلامي ومع أوروبا”.
وأوضح أن “المغرب وجنوب إفريقيا قطبان مستقران في مناطق تتميز بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، والشراكة الاستراتيجية التي أخذت تتجسد بينهما يفترض أن تقود جنوب إفريقيا إلى إدراك أن موقفها من قضية الصحراء يتعارض مع الاتجاهات الدولية الحالية نحو الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء”.
ومن شأن الأمر أيضا، أن يؤكد لجنوب إفريقيا، يضيف زكاوي: أن “نهجها المفضل لحل النزاعات الذي يحث على التسوية والتشاور يقتضي أن تساهم في حل النزاع من خلال استثمار علاقاتها بالجزائر والبروليساريو كطرفين في النزاع”.
وأشار زكاوي في التصريح ذاته، إلى أن هذا الأمر، “ربما يتطلب من المغرب وجنوب إفريقيا معا أن يُبقيا بعضهما البعض على اطلاع دائم بشأن تطورات قضية الصحراء، تماما مثلما يحتاجان إلى تقاسم مباحثات الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا”، على حد تعبيره.
جدير بالذكر أن آخر اتفاقية جمعت الطرفين، كانت توقيع القطب المالي للدار البيضاء، مؤخراً، لبروتوكول اتفاق مع وكالة “ويسغرو”، الجنوب إفريقيا، وهي الوكالة الرسمية للنهوض بالسياحة والتجارة والاستثمارات بمنطقة الكاب وغرب الكاب، يهدف إلى النهوض بفرص الاستثمار في البلدين، ودعم المقاولات في مشاريعها الاستثمارية سواء داخل جنوب إفريقيا أو بالمملكة.
تعليقات الزوار ( 0 )