Share
  • Link copied

هل تملك القمّة المشتركة أدوات طموحها السياسي؟

أعطت القمة العربية الإسلامية صورة عن العرب والمسلمين،‮ ‬يبدو من خلالها قادتهم كالجدار الثابت خلف الشعب الفلسطيني،‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يشبه ‬الاصطفاف المبدئي،‮ ‬لكنه جدار‮ ‬يتعثر عند البحث عن‮ ‬الحركة لصالح هذا الشعب الجبّار الذي‮ ‬تنهال عليه في قطاع غزة ما‮ ‬يعادل قنبلة‮ ‬هيروشيما‮ ‬يوميا‮.‬

استجابت القمّة‮ ‬التي‮ ‬جاءت لعجز عربي‮ ‬عن ‬إيجاد الحدود الدنيا عبر قمّة خاصة،‮ ‬ولتفادي‮ ‬الهذر الزمني‮،‮ ‬بعد مرور أزيد من شهر على القصف الهمجي‮ ‬على شعب فلسطين في‮ ‬غزّة وبعض أطراف الضفة الغربية،‮ ‬استجابت للحدّ الأدنى من التنسيق، ومن التعامل الجدّي‮ ‬مع الوضع الكارثي،‮ ‬لكنها بقيت في‮ ‬حدود‮ ‬الموقف المبدئي،‮ ‬بدون عرض أدوات تنفيذ طموحها المتفق عليه‮. ‬وعليه، ليس مصادفة أن وكالات العالم الإخبارية ‬قد احتفظت بعناوين تتعلق أساسا بالدفع بمجلس الأمن، بإلزام إسرائيل بقرارات وقف التقتيل والإبادة الجماعية‮ “‬مطالبين‮ ‬بقرار حاسم ملزم‮ ‬يفرض وقف العدوان‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬في‮ ‬غزّة‮”.‬ وهنا لا بد من التذكير بالأوراق الرابحة التي‮ ‬يملكها العرب والمسلمون،‮ ‬ومنها أن الدول الـ57 ‬الحاضرة في‮ ‬القمّة تشكّل ربع المجتمع الدولي،‮ ‬وتتوزّع بين قارّتين على رقع جيوستراتيجية تشكل بيضة الميزان في‮ ‬تقسيم العمل الدولي،‮ ‬وهي‮ ‬منطقة تقاطب بين القوى العظمى،‮ ‬تستطيع، إن نجحت في‮ ‬تفعيل كل أوراقها‮، ‬أن تتفاوض‮ ‬مع الدول الكبرى على جدّية مطالبها‮، سيما‮ وأن القوة المركزية،‮ ‬أي‮ ‬الولايات المتحدة،‮ ‬تجد نفسها عرضةً لرياح التغيرات الحادثة في‮ ‬المنطقة بفعل سياسة الصين بالأساس‮.‬

ولعل الصورة الأكثر تعبيرا وجود‮ ‬ثلاث دول،‮ ‬‬إيران‮ وتركيا والسعودية،‮ ‬كلاعبين و”ناظمين إقليميين‮” ‬حول الطاولة نفسها‮‬،‮  ‬بحسابات‮ ‬الحدّ الأدنى‮ الذي‮ ‬تتطلبه المرحلة‮، ‬في‮ ‬حين‮ ‬يتحرّك كلّ على الرقعة المعنية بحوافز جيوسياسية واقتصادية متباينة، إنْ‮ ‬لم تكن متناقضة‮.‬ ومن حق الرأي‮ ‬العام لملياري‮ ‬مسلم وعربي‮ ‬طرح السؤال‮: ‬هل بإمكانها أن تؤثّر في‮ ‬تغيير قواعد الاشتباك في‮ ‬الشرق الأوسط، ومن ثمّ على مستوى القرار الدولي‮؟‮‬

سؤال سيظل عالقا‮، ‬حسب متواليات الوضع ومدى ‬تجاوب‮ ‬الحلفاء المركزيين لإسرائيل للضغوط العربية الإسلامية‮! ‬بل لم تسم القرارات الصادرة عن القمّة‮ ‬هذه الدول المطالبة “بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال‮”.‬ في‮ ‬حين تحرّكت أساطيل للولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا نحو المتوسّط،‮ ‬في‮ ‬تحرّك‮ ‬غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية،‮ ‬إلى جانب القيادات العامة السياسية‮‬،‮ ‬من رؤساء دول ورواد حكومات‮، وهي‮ ‬المهيمنة حاليا على‮ ‬الهندسة الدولية في‮ ‬صناعة القرار‮،‮ ‬عسكريا كان أو سياسيا‮.‬ ولعل سوء تسمية العالم‮ ‬اليوم‮ ‬يزيد من بؤسه ومن صعوبة العيش فيه،‮ ‬وهو ما‮ ‬يصدق كذلك على السياسة الدولية،‮ من جهة تحديد المسؤوليات‮ ‬الأخلاقية والسياسية والعسكرية للحرب‮.‬

لقد قرّرت القمّة،‮ ‬علاوة على السعي‮ ‬نحو إلزام إسرائيل بقرارات قوية من مجلس الأمن‮،‮ ‬الدفع نحو‮ ‬موقفٍ متقدّم وجدّي‮ ‬وعملي‮،‮ ‬من حيث صياغته، من حيث ترتيباته، وهو المتعلق بـ”كسر الحصار على‮ ‬غزّة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية،‮ ‬تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري،‮ ‬ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في‮ ‬هذه العملية‮”، ‬زيادة على‮ “‬دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي‮ ‬الغاشم على‮ ‬غزّة،‮ ‬وإسناد جهودها إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري‮ ‬ومستدام وكاف‮”.‬ وموقفٌ مثل هذا لا‮ ‬يمكن إلا أن‮ ‬ينال التثمين العام‮،‮ ‬لكن‮ ‬سؤالا عمليا يؤزّمه‮: ‬كيف‮ ‬يمكن أن تكسر الدول المعنية بالقرار‮ ‬هذا الحصار؟ وهل تملك أدوات الردّ في‮ ‬حالة‮ “أرسلت إسرائيل رسائل” ‬دامية‮ ‬بقصف المساعدات التي‮ ‬لا توافق عليها؟‮ هو سؤال ثان‮، ‬سينتظر‮ ‬ملامح التفعيل، لكي‮ ‬تظهر ملامح الجواب‮. ‬ولا شيء‮ ‬يبدو مستعجلا في‮ ‬السلوك العربي،‮ ‬الذي‮ ‬أثقل نفسَه بالكثرة من القرارات والديباجات،‮ ‬بدون تحديد أولوية محدّدة‮ وتبويبها زمنيا ورصدها مكانيا‮ (في‮ ‬المنطقة وفي‮ ‬غزّة‮)!

‬والملاحظ كذلك أن “حماس” باعتبارها عقدة الوضع الحالي‮ ‬حضرت من خلال مطلب‮ ‬واحد، اشتركت فيه مع قوى أخرى،‮ ‬وهو مطلب‮ المتابعة القانونية،‮ ‬والذي‮ ‬أفردت له القمّة فقرات عديدة‮‬،‮ ‬فقد طالبت الحركة،‮ ‬في‮ ‬بيان صادر في‮ ‬غزّة،‮ ‬الدول المشاركة في‮ ‬القمّة بـ”تشكيل هيئة قانونية عربية إسلامية من أجل ملاحقة مجرمي‮ ‬الحرب الإسرائيليين، قتلة الأطفال والنساء والمدنيين‮”، ‬كما طالبت بإنشاء‮ “صندوق من أجل إعادة إعمار قطاع‮ ‬غزّة‮” ‬بأسرع وقت ممكن،‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يبدو أنه عنصر للمقاومة والصمود‮. والواضح أن الفقرات المخصّصة في‮ ‬البيان (‬وهي‮ ‬ثلاث رئيسية‮) ‬تعمّدت أن‮ ‬يشمل هذا المطلب كل أراضي‮ ‬فلسطين،‮ ‬مع تنصيص‮ ‬يجعل الدولة الفلسطينية هي‮ ‬المخاطب الرسمي‮، ‬وليست “حماس”،‮ ‬باعتبار أن فقرات الاتهام‮ ‬الدولي‮  ‬بالإجرام المرتكب من إسرائيل‮ ‬يشمل‮ أولا، الطلب من المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية استكمال التحقيق في‮ ‬جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي‮ ‬ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬جميع الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة،‮ ‬بما فيها القدس الشرقية.‬ ثانيا، تكليف الأمانتين العامتين في‮ ‬منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية متابعة تنفيذ ذلك،‮ ‬وإنشاء وحدتي‮ ‬رصد قانونيتين متّخصصتين لتوثق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في‮ ‬قطاع‮ ‬غزّة منذ‮ ‬7‮ ‬أكتوبر‮ ‬2023‮ ‬وإعداد مرافعات قانونية حول جميع انتهاكات القانون الدولي‮ ‬والقانون الدولي‮ ‬الإنساني‮ ‬التي‮ ‬ترتكبها إسرائيل،‮ ‬السلطة القائمة بالاحتلال،‮ ‬ضد الشعب الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬قطاع‮ ‬غزّة وباقي‮ ‬الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة. ثالثا، ‬تكليف الأمانتين إنشاء وحدتي‮ ‬رصد إعلامية لتوثيق كل جرائم سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني‮ ‬ومنصّات إعلامية رقمية تنشرها، وتعرّي‮ ‬ممارساتها اللاشرعية واللاإنسانية‮.

ومع كل هذه المبادرات ذات الصلة بالوضع المستجد‮ّ ‬في‮ ‬المنطقة، فإن سقف القرارات‮ ‬نحا‮ ‬منحى العودة إلى أصل الحكاية‮  ‬بالتذكير‮ ‬بالمواقف المبدئية إلى جانب فلسطين،‮ ‬مع التذكير‮ ‬بالحلول الاستراتيجية القاضية بميلاد الدولة الفلسطينية في‮ ‬حدود‮ ‬1967 وعاصمتها القدس الشرقية‮، ‬وهو موقف‮ ‬تعبر عنه الدول‮ ‬في‮ ‬كل طقس‮‬،‮ ‬معتدلا كان أو راديكاليا‮، في‮ ‬البحث عن حل‮  ‬ويكفل، في‮ ‬الوقت ذاته، ‬قاعدة وسقفا للسياسة العربية،‮ ‬وجديدها أخيرا قمّة الرياض،‮ ‬التي‮ ‬عرفت المصالحة، وكانت ممهّدة للقمة الحالية‮.‬ ولعل‮ ‬الوضع الاستعجالي‮ ‬يكمن في‮ ‬من هي‮ ‬الدول‮ ‬أو الدولة ذات الثبات في‮ ‬الموقف،‮ ‬والمرونة في‮ ‬التحرّك والقدرة على مخاطبة كل الفاعلين المؤثرين في‮ ‬القرار الدولي،‮ ‬ومن ضمنهم القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، دولة قادرة على التحرّك بين مجمل الاستراتيجيات‮ والمعسكرات‮ ‬العربية الإسلامية بطرفيها‮: ‬اسراتيجيتي التحرير والصمود. .. وهذه الفعالية الدبلوماسية هي‮ ‬القادرة على ترجمة القرارات المستعجلة إلى واقع سياسي‮ ‬ينقذ شعب فلسطين في‮ ‬غزّة وغيرها،‮ ‬هنا والآن‮، ‬من الإبادة الجماعية المعلنة‮.

Share
  • Link copied
المقال التالي