Share
  • Link copied

هل تكون للانقلابات الإفريقية انعكاسات على العلاقات المغربية الجزائرية؟

من أبجديات العلاقات الدولية، انه لا مجال للصدفة، بل إن كل شيء مرسوم بدقة وعناية.

صحيح؛ قد تحدث مفاجأة غير متوقعة أحيانا، لكن ذلك عادة ما يكون من الاستثناءات النادرة التي تؤكد القاعدة، ولذلك سرعان ما يتم ما يتم احتواء “المفاجأة” وإخضاعها وترويضها واحتواؤها.

وهذه الفكرة تقريبا كان الراحل نزار قباني قد صاغها بداية ثمانينيات القرن الماضي في أوج الحرب الباردة حين كتب شيئا من قبيل إنه لا تقع كارثة في العالم إلا وقد سبقت في علم الله تعالى وعلم الـ”سي آي إيه” والـ”كا جي بي”.

فهل يقبل عقل أن سلسلة الانقلابات التي تعرفها حاليا “إفريقيا الفرنسية” حصريا، هي مجرد مصادفات و”توارد خواطر انقلابية”؟

إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن قوة ما، تعيد رسم خرائط النفوذ في هذا الجزء من القارة الإفريقية، وهي العملية التي ستتمخض حتما عن رابح أو رابحين، وعن خاسر وحيد -أو رئيسي على الأقل- ألا وهو فرنسا.

لا يتسع المجال هنا لرصد الأخطاء السياسية والديبلوماسية المتراكمة التي قادت في النهاية إلى طرد فرنسا من مقاطعاتها الإفريقية بهذه الطريقة المهينة.

لكن كثيرا من المحللين الموضوعيين -وضمنهم فرنسيون طبعا- يقرون بأن كثيرا من الأخطاء، وكثيرا جدا من سوء التقدير، وعدم قراءة الواقع والتعامل بعقلانية مع كثير من المتغيرات التي عرفتها القارة السمراء، كلها عوامل أدت إلى النتيجة الوحيدة الممكنة والمتوقعة، يضاف إليها أن العنجهية واحتقار الانسان الافريقي وفرا التربة الخصبة لدعم الشعوب لمحاولات الاطاحة بالأنظمة الموالية للمحتل السابق.

كما لا يتسع المجال هنا للبحث في الانعكاسات المحتملة لهذه الانقلابات والتطورات على مصالح المغرب، الذي نجح في بناء شبكة من العلاقات المتداخلة مع دول غرب إفريقيا بما يعنيه ذلك من ارتباط بقضية الوحدة الترابية.

لكن ما يتطلب وقفة متأنية هنا، هو آثار هذه التطورات على الصراع “التقليدي” بين الجزائر والمغرب.

كما أشرت أعلاه، فإن الأمر ليس سلسلة مصادفات، بل من المؤكد أن مخططا ما ينفذ في هذه المنطقة، ستتضح لاحقا تفاصيله عندما يتم الشروع في تقسيم الغنائم ومناطق النفوذ.

ولا أظن أن القوى الجديدة الباحثة عن موقع قدم في إفريقيا، كالصين وتركيا يمكن أن تكون لها يد في هذا المخطط، بل حتى روسيا يصعب تصديق أنها قادرة عبر عشرات أو حتى مئات من مرتزقة “فاغنر”، على فتح كل هذه الجبهات في إفريقيا وهي التي أصبحت مواقعها الرئاسية في مرمى النيران الأوكرانية.

إن هذه التطورات كانت تقتضي من النظام الجزائري أن يتوقف -ولو مؤقتا- عن حروبه العبثية ضد المغرب.

ولا أدري هل ألقى وزير الخارجية الجزائري نظرة مؤخرا، على خريطة إفريقيا ليرى حزام النار الذي أصبح يطوق خصرها انطلاقا من السودان الذي دخل في متاهة لن يخرج منها حتى بعد عقود، ومرورا بالنيجر ومالي وبوركينا فاصو والغابون، في انتظار تحقق “توقعات” كثير من المحللين بحدوث انقلاب في تشاد وربما حتى في موريتانيا والسينغال؟

يضاف إلى ذلك كله حالة ليبيا التي أصبحت في حكم الدولة الفاشلة، وتونس التي أصبح “قيسها” أكثر جنونا من قيس ليلى..

وهذا يغني السيد عطاف عن النظر إلى الجار الغربي الذي قالت صحافة العسكر إن الملحق العسكري بسفارة الإمارات بصدد الإعداد لإشعال حرب بينه وبين الجزائر.

إن هذه الحرائق المشتعلة في الجوار المباشر، تفرض -ولو بشكل استثنائي- تغليب العقل ومصلحة الوطن الفعلية، على الشعارات الفارغة، والحروب الكلامية الصبيانية.

لكن من أين يأتي العسكر الشرقي بالعقل وهو الذي ربط وجوده وبقاءه بالعداء الدائم للمغرب؟

بل إلى متى سيستمر هذا النظام العسكري في محاربة طواحين الهواء وهو يرى التآكل المتواصل لأطروحة الانفصال التي يمكن ان تسقط نهائيا في آية لحظة، وربما تأتي “رصاصة الرحمة” من باريس فجأة؟

إن حالة الجنون التي تطبع كل تحركات النظام الجزائري نحو المغرب، توحى بأنه لا وجود في مربع صناعة القرار لا “لرجل يكتم إيمانه”، ولا حتى لـ”رجل رشيد”، يجهر -على الأقل- بالنصيحة، خاصة في هذه الظرفية الاستثنائية التي يعرفها الجوار الافريقي المغاربي.

بل إن تجنيد الذباب الأزرق لتسميم العلاقات بين الشعبين، وهو ربما المجال الوحيد الذي تفوق فيه العسكر الشرقي، يؤكد مجددا التساؤل عن جدوى مقولة :”عدو عاقل خير من صديق مجنون” إذا كنا أمام “عدو” و”مجنون”…

Share
  • Link copied
المقال التالي