Share
  • Link copied

هل تشير النكسات الدبلوماسية الأخيرة لإيمانويل ماكرون في إفريقيا إلى نهاية النفوذ الفرنسي؟

قال المحلل السياسي، والمختص في قضايا إفريقيا والشرق الأوسط بمكتب الاستشارات “ستراتاس”، أنس عبدون، إنه خلال الأشهر الأخيرة، تم وضع الدبلوماسية الفرنسية على المحك في القارة الأفريقية، لم يبق شيء تقريباً من هيبة باريس السابقة، سوى تشويه السمعة الذي يرجع أيضًا إلى التاريخ الاستعماري للبلاد.

وأوضح عبدون، يومه (الثلاثاء) ضمن مقال تحليلي له على مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن الانقلابات المتعاقبة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، فضلا عن الأزمات الدبلوماسية مع المغرب والتوترات المتكررة مع الجزائر، تظهر مدى الصعوبة التي تواجهها باريس في الحفاظ على نفوذها في منطقة كانت تعتبرها ذات يوم فناء خلفي لها.

وبعيدًا عن المنافسات والتأثيرات الدولية التي تؤثر على القارة، يبدو أن هذه النكسات الدبلوماسية تشير إلى نهاية النفوذ الفرنسي، فهي تلقي بظلال من الشك على قدرة فرنسا على الحفاظ على مكانتها كقوة متوسطة وتعيدنا إلى الدروس المستفادة من أزمة عام 1956، عندما أدركت باريس أن النظام الدولي تطور لصالحها.

عناد عفا عليه الزمن

وأشار عبدون، إلى أنه سابقا، قررت فرنسا، بالتعاون مع المملكة المتحدة وإسرائيل، مهاجمة مصر ردًا على تأميم قناة السويس على يد جمال عبد الناصر. ويواجه هذا التدخل العسكري الفرنسي البريطاني انتقادات شديدة من موسكو وواشنطن، اللتين تذكران القوتين السابقتين في القرن 19 بأن عصرهما قد انتهى، وسرعان ما قبلت المملكة المتحدة وضعها الجديد كقوة متوسطة وواصلت استراتيجية إنهاء الاستعمار باستخدام الكومنولث.

ومن ناحية أخرى، اختارت فرنسا العناد الذي عفا عليه الزمن من خلال السعي إلى الحفاظ على إمبراطوريتها، ولا سيما عن طريق حرب الجزائر، التي استمرت ثماني سنوات طويلة واتسمت بالعنف الشديد. وفي عام 1962، حصلت الجزائر أخيراً على استقلالها.

,بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على هزيمتها القاسية على يد ألمانيا النازية، يتعين على فرنسا أن تعترف بنهاية وضعها كقوة مهيمنة، وتضطر النخب السياسية في البلاد إلى التكيف ــ دون صعوبة ــ مع هذا الوضع الجديد للقوة المتوسطة، وهو الوضع الأكثر انسجاما مع الواقع الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري لفرنسا في الستينيات.

وبحسبه، فإن الأحداث الأخيرة التي شهدتها أفريقيا تشير الآن إلى نهاية النفوذ الفرنسي، وذلك لأنها تعمل على تقويض الأسس التي تقوم عليها قوتها المتوسطة، حيث ارتكز هذا النفوذ على ثلاث ركائز: العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والقوة العسكرية والنفوذ في أفريقيا، حيث يرتبط الأخيران ارتباطاً وثيقاً.

من المؤكد أن باريس تحتفظ بمكانتها كعضو دائم في مجلس الأمن، لكن هيبة ونفوذ هذا الأخير تضاءلت إلى حد كبير على مر السنين، ومع ظهور قوى إقليمية عديدة وتعدد الأقطاب في العالم، يبدو مجلس الأمن مهمشاً على نحو متزايد في الشؤون الدولية، في حين كان في السابق يتولى البت في الغالبية العظمى من الصراعات العالمية.

وسجل المحلل السياسي، أن صراع ناجورنو كاراباخ، والحرب الأهلية في ليبيا ونصيبها من التدخل، وتدخلات تركيا في العراق، وبطبيعة الحال، الحرب التي تقودها روسيا في أوكرانيا، كلها صراعات وقعت بعيداً عن أي قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ظهور قوى متوسطة كبيرة، تفلت من العقوبات بسبب ثقلها الاقتصادي، أدى أيضاً إلى إضعاف نفوذ مجلس الأمن.

قدرة عسكرية محدودة

ويرى عبدون، أنه عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية، فإن تخفيضات الميزانية على مدى العقدين الماضيين كانت سبباً في الإضرار بقدرة فرنسا العسكرية، وخاصة فيما يتعلق باللوجستيات وإسقاط القوة، وهكذا، أثناء التدخل في ليبيا، الذي اشتبك فيه الرئيس نيكولا ساركوزي مع الجيش الفرنسي إلى جانب البريطانيين، طلبت باريس، بعد 72 ساعة فقط من القصف، من البحرية الأميركية طلباً لإمداداتها من الذخيرة.

علاوة على ذلك، أصبح استخدام القوة العسكرية كوسيلة للتأثير السياسي محدودًا بشكل متزايد في عالم متغير، حيث غالبًا ما تتأثر الصراعات بالمعلومات وعمليات التدخل بدلاً من العمليات العسكرية الكلاسيكية.

وقال، إنه لا يمكن إنكار أن الجيش الفرنسي لعب دورًا رائدًا في القارة الأفريقية منذ استقلال دول المنطقة، داعمًا مصالحه السياسية، وأن مجرد وجود القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا أعطى فرنسا نفوذا دبلوماسيا كبيرا، لأنه كان يمثل أداة لدعم الحكومة القائمة أو مواجهة التهديدات التي تثقل كاهلها.

ومع الانقلابات التي شهدتها المنطقة، فإن الوجود العسكري وحده لا يستطيع أن يفعل شيئاً ضد عمليات المعلومات والتدخل. خاصة وأن العمليات العسكرية التي كانت شائعة في السبعينيات والثمانينيات لم تعد قابلة للتكرار اليوم، خاصة في المستعمرات السابقة، دون أن يُنظر إليها -سواء كان ذلك صحيحا أو خطأ- على أنها مناورة استعمارية جديدة.

وبالتالي، إذا لم تتدخل القوات المسلحة، رغم تفوقها عدداً وعتاداً، بسبب مخاوف مرتبطة بالتواصل السياسي الذي قد ينجم عن ذلك، فإن الجيش يجد نفسه عاجزاً فعلياً، وهذا على وجه التحديد ما حدث مؤخراً في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، مع مطالبات القوات الفرنسية بالمغادرة.

وواجهت الحكومات المحلية ضغوطا داخلية وخارجية، بما في ذلك اتهامات بالتبعية الاستعمارية الجديدة لفرنسا، مما أدى إلى تعقيد إدارة الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها، وقد أظهر هذا الوضع حدود النفوذ العسكري في سياق أصبحت فيه القضايا السياسية والإعلامية لها الأسبقية بشكل متزايد على العمليات العسكرية التقليدية.

تقلصت هيبتها

ويضيف صاحب المقال، أنه وعلى الرغم من ضعف دور مجلس الأمن ودور قوتها العسكرية، إلا أن فرنسا كانت حتى وقت قريب لا تزال تتمتع بنفوذ في أفريقيا لإضفاء الشرعية على وضعها كقوة عظمى. ومع ذلك، فإن الانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل، والتوترات الدبلوماسية مع دول المغرب العربي، وخسارة الوجود الاقتصادي للشركات الفرنسية في غرب إفريقيا لصالح الصين وتركيا والمغرب، أدت إلى انخفاض كبير في المكانة الفرنسية في القارة.

علاوة على ذلك، فإن صعود اللغة الإنجليزية على حساب الفرنسية في الفرنكوفونية، كما يتضح من انضمام الجابون إلى الكومنولث، يؤكد تراجع النفوذ الثقافي الفرنسي في أفريقيا.

وفي نهاية المطاف، هناك العديد من العوامل التي تفسر فقدان النفوذ الفرنسي. أولاً، هناك التغيير الذي يحدث في النظام الدولي وإعادة توازن القوى. مما لا شك فيه أن إصلاح Quai d’Orsay كان سبباً في التعجيل بخسارة النفوذ مع إحلال جهات فاعلة أخرى من المجتمع المدني محل الدبلوماسيين المطلعين على التعقيدات الإقليمية.

غياب اللباقة الدبلوماسية

وأكد الخبير السياسي، أن هناك بلا شك جزء خاص بالرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يبدو أنه فقد ثقة نظرائه بسبب الافتقار إلى اللباقة الدبلوماسية ــ كما يتضح من مؤتمراته الصحفية في بوركينا فاسو أو جمهورية الكونغو الديمقراطية ــ أو بسبب الخطأ. التغييرات، بما في ذلك العقيدة الدبلوماسية الجديدة للمغرب بشأن الصحراء.

وخلص المصدر نفسه، إلى أن هذا التطور يدعو إلى التشكيك في مكانة فرنسا كقوة كبرى على الساحة الدولية، وتكافح باريس بشكل متزايد لتأكيد نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي في القارة الأفريقية، ويؤثر هذا الوضع أيضاً على تصورها كقوة متوسطة، ليس فقط في نظر الدول الناشئة ذات النفوذ، بل وأيضاً في نظر مستعمراتها السابقة، التي اختارت تنويع شركائها الدوليين.

Share
  • Link copied
المقال التالي