بعد نكسة 8 شتنبر التي أصابت حزب العدالة والتنمية، والمتمثلة في الهزيمة الانتخابية المفاجئة وغير المتوقعة، حيث خسر 90 % من مقاعده داخل قبة البرلمان، وحصل فقط على 13 مقعدا فقط خلال الانتخابات الأخيرة بعدما كان يتوفر على 125 مقعدا حازها خل انتخابات 2016 واحتل المرتبة الأولى.
ذهبت كثير من التفسيرات لأسباب الهزيمة التي مُني بها الحزب الإسلامي الذي قاد التجربة الحكومية لولايتين بعد أحداث ما سمي بـ”الربيع العربي” التي مست شظاياها المغرب، فهناك من اعتبر أن حزب العدالة والتنمية تعرض لعقاب من الشعب وكذلك من “جهات عليا” والتي لم تعد راضية على سلوكه السياسي، كما ذهبت أصوات، ولاسيما من المشرق العربي، سواء التي لها عداء مع الإسلاميين أو التي لها تقارب مع الأحزاب الإسلامية، بأن ما حدث بالمغرب بعد انتخابات 8 شتنبر هو هزيمة للإسلاميين وانقلاب على تجربتهم بقفازات انتخابية، وأن تجربة الإسلاميين في الحكم لم تعد ترض النظام “السياسي العربي” برمته، وأن الانقلاب على الإسلاميين واحد وإن اختلفت الطرائق في كل من مصر مع حزب الحرية والعدالة، وتونس مع حزب النهضة، وكذلك المغرب مع حزب العدالة والتنمية.
الخطاب الملكي بنصف الحكومة السابقة
في مقابل ذلك يرى محسن الجعفري، الباحث في العلوم الاقتصادية، أن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية وبداية الولاية التشريعية أنصف الحكومة السابقة التي ترأسها الإسلاميون وبصمة ملكية على نجاح حكومة العدالة والتنمية التي اشتغلت تحت قيادته، ونجحت في تحدي الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية وتحقيق نسبة نمو مهمة في ظل الجائحة حيث من المنتظر أن تبلغ 5,5% مع نهاية العام رغم إكراهات اقتصادية، والتي تعتبر من أعلى نسب النمو في العالم بعد الصين و الهند، ذلك بفضل الموسم الفلاحي الاستثنائي و ما يعرفه القطاع من تطور منذ عقد.
واعتبر محسن الجعفري، في اتصال مع جريدة بناصا، الخطاب الملكي فند كل القراءات التي حاولت التعتيم على منجزات الحكومتين السابقتين التي تولى حزب العدالة والتنمية مسؤولية القيادة لهذه التجربة، والتي كان حزب التجمع الوطني للأحرار أحد أهم مكوناتها والذي تصدر المشهد السياسي في الانتخابات الأخيرة.
وأضاف الجعفري، في تصريح خص به جريدة بناصا، أن الخطاب الملكي لخص هذه الحصيلة في ظل المتغيرات التي يعرفها العالم و خصوصا المؤشرات المقلقة لتقلب الأسعار في السوق الدولية و ارتفاع كلفة اليد العاملة بالصين الممون الرئيسي للاقتصاد العالمي والتجارة الدولية ما سيحدث ارتفاعا في الأسعار و نسب التضخم التي تمكن المغرب من المحافظة عليها في نسبة لا تتعدى 1% خلال الولاية السابقة بفضل ما تقوم به السلطة المالية الممثلة في بنك المغرب من أجل ضمان السيادة المالية للمملكة.
وختم الجعفري تصريحه لجريدة بناصا، بالقول: “الخطاب الملكي وضع الحكومة الجديدة أمام تحدي الحفاظ على هذه المكتسبات و تثمينها وعدم الاختباء وراء أعذار “الإرث الحكومي” الذي كانت مؤشراته جيدة، والتي أصر ملك البلاد على سردها بالأرقام ما يشكل أرضية صحية بالمقارنة مع دول المحيط الإقليمي، من أجل تنزيل النموذج التنموي الجديد مع الأخذ بالإكراهات والتحديات التي تواجه بلدنا من أجل فرض السيادة الاقتصادية وضمان مخزون إستراتيجي من المواد الحيوية والضرورية بفضل رؤية الملك الاستباقية.
العدالة والتنمية حزب كباقي الأحزاب السياسية المغربية
من جهته، يرى نورالدين لشهب، الباحث في التواصل السياسي، أن حزب العدالة والتنمية يظل حزبا كباقي الأحزاب السياسية المغربية، وأن الهوى الإيديولوجي أو التوجه الفكري يعد عامل قوة للحزب والدولة معا، لأن المغرب هو بلاد التعدد بامتياز، التعدد الثقافي والجغرافي واللساني والفكراني، وأن مسيرة الدولة التاريخية بالمغرب تحتضن كل الأهواء الإيديولوجية والأفكار كما يشهد على ذلك التاريخ السياسي للمغرب منذ قرون وتعضده الحياة السياسية.
فالمغرب، يضيف نورالدين لشهب، له ذاكرة وتراث في التعامل مع كل الأفكار والقضايا المطروحة، يستمد من ذاكرته الغنية من الحلول ما يوافق كل قضية على حدة، وكل فكرة على حدة، لقد عاش المغرب في تاريخه صراعات في علاقة الدولة بالمجتمع، وقضايا اجتماعية مثل الاوبئة والأمراض والمجاعات ودعوات الانفصال، واستطاع أن يتغلب عليها عندما تظافرت جهود الدولة والمجتمع معا في مواجهة كل القضايا، وحصل الحفاظ على كيان الدولة المغربية واستمراريتها، وهذا ما يشكل الخصوصية المغربية، أو ما يطلق عليه في بعض الكتابات بـ”الاستثناء المغربي”.
وفي علاقة الدولة بحزب العدالة والتنمية تساءل نورالدين لشهب، هل يشكل حزب العدالة والتنمية خطرا على الحياة السياسية وعلى استقرار البلاد واستمرار الدولة حتى “يعاقب” أو يتم “الانقلاب” عليه كما ذهبت بعض القراءات المشرقية وبعض الأصوات المتأثرة بما يحدث في المشرق؟
وفي الجواب على هذه الكتابات الإعلامية يجيب لشهب بقوله: ” إن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية كان واضحا عندما اعتبر أن الأحزاب عند الملك سواسية لا فرق بين هذا الحزب أو ذاك، والمحتوى القضوي لهذه الكلمة يتضمن ردا على جميع الأصوات التي تعتبر أن حزب العدالة والتنمية تعرض لعقاب انتخابي وعقاب من جهات عليا”.
كما أن الملك محمد السادس، يضيف لشهب، وقف دائما مع حزب العدالة والتنمية، وهنا نتذكر أنه بعد تفجيرات الدار البيضاء وقفت اصوات ضد الحزب وطالبت بحله باعتباره يتحمل مسؤولية معنوية، لكن كان للملك محمد السادس رأي آخر، وهذا الموضوع تحدث عنه عبد الإله بنكيران في حوار مطول مع مجلة مغربية،
كما أن الملك محمد السادس وقف إلى جانب التجربة الحكومية التي قادها عبد الإله بنكيران عندما خرج حزب الاستقلال، وكان حينها صلاح الدين مزوار يقول في تصريحاته لن نكون “رويضة سكور” للحكومة، لكن الملك محمد السادس تدخل وأنقذ التجربة الحكومة، وهذا الكلام قاله عبد الإله بنكيران، أضف إلى هذا أن الملك محمد السادس نفسه وقف مع حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2016، ضد التدخلات الأجنبية، وهذا كلام يردده قادة حزب العدالة والتنمية بمزيد من الفخر والتعلق بأهداب العرش العلوي.
تعليقات الزوار ( 0 )